ما هوَ موضوعُ النسويّةِ وما هوَ رأيُ الشارعِ بهذا المفهوم؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،
مصطلحُ النسويّةِ أو الأنثويةِ بدأ بالظهورِ والتشكّلِ في أواخرِ القرنِ التاسعِ عشر وبدايةِ القرنِ العشرين، وتبلورَ هذا المُصطلحُ ضمنَ حركةٍ اجتماعيّةٍ تهدفُ إلى تحقيقِ مساواةٍ بينَ الرجلِ والمرأةِ على المُستوى الشخصيّ والاجتماعيّ والسياسي، وقد تمثّلَت المُطالباتُ في بدايةِ هذا التحرّكِ بضرورةِ إعطاءِ المرأةِ الحقَّ في التصويتِ، وبالفعلِ حصلَت المرأةُ على هذا الحقِّ بشكلٍ محدودٍ في أواخرِ القرنِ التاسعِ عشر كما هوَ الحالُ في فنلندا، وأيسلندا، والسويد، وبعضِ المُستعمراتِ الاستراليّة، ثمَّ توالَت الدولُ الأوروبيّةِ تباعاً، فمثلاً فرنسا سمحَت للمرأةِ بالتصويتِ سنةَ 1944م، ولم تمنَح المرأةَ المساواةَ الكاملةَ معَ الرجلِ في حقِّ التصويتِ إلّا في عامِ 1976م، ثمّ تطوّرَت المطالبُ إلى مساواةِ المرأةِ بالرجلِ بشكلٍ كاملٍ في كلِّ المناصبِ العامّة، مُضافاً إلى إعطائِها حقوقاً متساويةً في الزواجِ وكفالةِ الأطفالِ، والحصولِ على حرّيّتِها في الحملِ والإجهاضِ، وقد نجحَت الحركةُ النسويّة إلى درجةٍ أصبحَت شعاراتُها جُزءاً منَ الحياةِ العصريّةِ كما نشهدُه اليوم، ويبدو أنَّ آخرَ الشعاراتِ التي تشغلُ هذهِ الحركةَ في هذهِ الأيّامِ هوَ حمايةُ المرأةِ منَ التحرّشِ الجنسي.
وما يؤسفُ له أنَّ تحرّكاتِ النسويّة في العالمِ العربي والإسلامي تنطلقُ في شعاراتِها من واقعِ الانفعالِ والتأثّرِ بوضعِ المرأةِ في الدولِ الأوروبيّة، حيثُ تعملُ على فرضِ النمطِ الخاصِّ بالمرأةِ الأوروبيّةِ على المرأةِ المُسلمة، الأمرُ الذي يكشفُ عن مدى الاستلابِ الحضاريّ والارتهانِ الثقافي الذي يكفرُ بكلِّ ما ينتمي للثقافةِ الإسلاميّةِ وكلِّ ما يؤسّسُ للهويّةِ الإيمانيّةِ للمُجتمعِ المُتديّن، ويبدو أنَّ الهزيمةَ الحضاريّةَ التي يتعرّضُ لها العالمُ الإسلاميّ هيَ وراءَ الاستجابةِ السريعةِ لمُخرجاتِ الحضارةِ الغربيّة، ومِن هُنا لا يمكنُ مواجهةُ هذا المدِّ إلّا مِن خلالِ إعادةِ الاعتبارِ للحضارةِ الإسلاميّةِ التي تعملُ على التوزانِ بينَ قيمِ الروحِ ومُتطلّباتِ المادّة، ويبدو أنّه ينقصُنا الكثيرُ للوصولِ إلى هذهِ المرحلةِ، ولذا أصبحَت أكثرَ الجهودِ مُنصبّةً على المُحافظةِ على البقيّةِ المُتبقّيةِ منَ الأسرِ المؤمنةِ، فإذا نظرنا إلى وضعِ المرأةِ في العالمِ العربيّ والإسلامي لوجدناهُ لا يختلفُ كثيراً عن وضعِ المرأةِ في الدولِ الغربيّة، بل قد تجدُ بعضَ الدولِ الإسلاميّة قد تجاوزَت الدولَ الأوروبيّة.
والشريعةُ الإسلاميّةُ بأحكامِها المُتعدّدة ترتكزُ في الأساسِ على منظومةٍ منَ القيمِ الأخلاقيّة، والمرأةُ ليسَت استثناءً بل هيَ كالرجلِ محكومةٌ بهذهِ القيمِ، وبذلكَ لم يُحرّم الإسلامُ على المرأةِ مُمارسةَ أيّ دورٍ اجتماعيٍّ أو سياسيّ طالما كانَ مُنضبِطاً بتلكَ القيمِ والتشريعات، ومنَ المؤكّدِ أنَّ الدورَ المحوريّ للمرأةِ في نظرِ الإسلامِ يقومُ على أساسِ كونِها شريكاً للرّجلِ في بناءِ الأسرة، وأيُّ تقصيرٍ في هذا الدورِ سوفَ يؤدّي بشكلٍ حتميٍّ إلى خللٍ اجتماعي، وهذا ما تثبتُه التجاربُ في واقعِنا المُعاش، ومِن هُنا شدّدَ الإسلامُ في أحكامِه للحفاظِ على الأسرةِ والمُجتمع، بوصفِها قيمةً كُبرى لا يجبُ التهاونُ فيها، وعليهِ لا إشكالَ في مُشاركةِ المرأةِ في الشأنِ العامِّ بشرطِ أن لا يتسبّبَ ذلكَ في إحداثِ خللٍ في البناءِ الأسري، كما أنَّ المرأةَ كالرّجلِ تتمتّعُ بالحُرّيّةِ طالما لم تكُن تلكَ الحُرّيّةُ مُتعارضةً معِ أوامرِ الشرعِ المُقدّس.
اترك تعليق