لماذا لا يجوزُ تقليدُ المرأةِ المُجتهدة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: عدمُ جوازِ تقليدِ المرأةِ التي وصلَت إلى مرتبةِ الاجتهادِ، لم يرِد فيها نصٌّ منَ الشارعِ بالخصوصِ، وإنّما هيَ قضيّةٌ اجتهاديّةٌ تباينَت حولها وجهاتُ النظرِ بينَ الفقهاءِ سنّة وشيعة، بالتالي لا يمكنُ البحثُ عن الحِكمةِ التشريعيّةِ في المسألةِ التي فيها رأيٌ بالجوازِ والثاني بالمنع، وإنّما ينحصرُ الكلامُ حولَ المُستنداتِ التي يرتكزُ عليها كلُّ فقيهٍ في فتواه، وهذا يُطلب في البحوثِ الفقهيّةِ الاستدلاليّة، ومعَ أنَّ الرأيَ الغالبَ بينَ فقهاءِ الشيعةِ هوَ حُرمةُ تقليدِ المرأةِ إلّا أنّهم لم يقطعوا الطريقَ أمامَ الرأيّ المُخالف، حيثُ يقولُ السيّدُ مُحسنٌ الحكيم في مُستمسكِ العروة ج1 ص 43: (وأمّا اعتبارُ الرجولةِ: فهوَ أيضاً كسابقِه عندَ العُقلاء. وليسَ عليهِ دليلٌ ظاهرٌ غيرَ دعوى انصرافِ إطلاقاتِ الأدلّةِ إلى الرجلِ واختصاصِ بعضِها به. لكن لو سلمَ فليسَ بحيثُ يصلحُ رادعاً عن بناءِ العقلاءِ (ويقصدُ ببناءِ العقلاءِ هوَ وجوبُ رجوعِ الجاهلِ للعالمِ مُطلقاً رجلاً كانَ أو امرأة) وكأنّهُ لذلكَ أفتى بعضُ المُحقّقينَ بجوازِ تقليدِ الأنثى والخُنثى) وقد ناقشَ السيّدُ الخُوئي في جميعِ الأدلّةِ التي تُحرّمُ تقليدَ المرأةِ في كتابِ الاجتهادِ والتقليدِ وشكّكَ في دلالتِها على ذلك، فمثلاً في نقاشِه للأحاديثِ التي تمنعُ المرأةَ منَ القضاءِ والتي يستندُ عليها في منعِها عن الفتوى أيضاً، وهيَ منَ الأدلّةِ المُعتمدةِ عندَ المانعينَ، نجدُ أنَّ السيّدَ الخوئي يرفضُ ذلكَ بقولِه في صفحةِ 225: (قالَ أبو عبدِ اللهِ جعفرٌ بنُ محمّدٍ الصادق (عليهِ السلام) إيّاكم أن يُحاكمَ بعضُكم بعضاً إلى أهلِ الجور، ولكن انظروا إلى رجلٍ منكم يعلم.. لدلالتِها على اعتبارِ الرجوليّةِ في بابِ القضاء، ومنَ المعلومِ أنَّ منصبَ الافتاءِ لو لم يكُن بأرقى منَ القضاءِ فلا أقلَّ مِن أنّهما متساويان، إذ القضاءُ أيضاً حكمٌ وإن كان شخصيّاً وبينَ اثنينِ أو جماعةٍ رفعا للتخاصم، والفتوى حُكمٌ كلّيٌّ يُبتلى به عامّةُ المُسلمينَ فإذا كانَت الرجوليّةُ مُعتبرةً في بابِ القضاءِ كانَت مُعتبرةً في بابِ الإفتاءِ بالأولويّة، ويُردُّ على هذا الوجهِ أنَّ أخذَ عنوانِ الرجلِ في موضوعِ الحُكمِ بالرجوعِ إنّما هوَ مِن جهةِ التقابلِ بأهلِ الجورِ وحُكّامِهم حيثُ منعَ (عليهِ السلام) عن التحاكمِ إليهم، والغالبُ المُتعارفُ في القضاءِ هو الرجولة، ولا نستعهدُ قضاءَ النساءِ ولو في موردٍ واحدٍ فأخذُ عنوانِ الرجولةِ مِن بابِ الغلبةِ لا مِن جهةِ التعبّدِ وحصرِ القضاءِ بالرجال، فلا دلالةَ للحسنةِ – أي الروايةِ - على أنَّ الرجولةَ مُعتبرةٌ في بابِ القضاءِ فضلاً عن الدلالةِ عليها في الإفتاءِ لو سلّمنا أنَّ القضاءَ والفتوى مِن بابٍ واحد. على أنّه لم يقُم أيُّ دليلٍ على التلازمِ بينَهما ليُعتبرَ في كلٍّ منها ما اعتبرَ في الآخرِ بوجهٍ) وهكذا صنعَ معَ بقيّةِ الأدلّةِ ممّا أفادَ عدمَ وجودِ نصوصٍ صريحةٍ في ذلك، ولذا اعتمدَ السيّدُ الخوئي في فتواهُ بحُرمةِ تقليدِ المرأةِ على الدليلِ الاجتهاديّ ومذاقِ الشارعِ وعملِ المُتشرّعةِ، حيثُ قال: في صفحةِ 226: (والصحيحُ أنَّ المُقلّدَ تُعتبرُ فيه الرجولةُ، ولا يسوغُ تقليدُ المرأةِ بوجهٍ وذلكَ لأنّنا قد استفدنا مِن مذاقِ الشارعِ أنَّ الوظيفةَ المرغوبةَ منَ النساءِ إنّما هي التحجّبُ والتستّر، وتصدّي الأمورِ البيتيّة. دونَ التدخّلِ فيما يُنافي تلكَ الأمور. ومنَ الظاهرِ أنَّ التصدّي للإفتاءِ - بحسبِ العادة - جُعلَ للنفسِ في معرضِ الرجوعِ والسؤالِ لأنّهما مُقتضى رئاسةِ المُسلمين، ولا يرضى الشارعُ بجعلِ المرأةِ نفسِها معرضاً لذلكَ أبداً، كيفَ ولم يرضَ بإمامتِها للرجالِ في صلاةِ الجماعةِ فما ظنُّك بكونِها قائمةً بأمورِهم ومُديرةً لشؤونِ المُجتمعِ ومُتصدّيةً للزعامةِ الكُبرى للمُسلمين. وبهذا الأمرِ المُرتكزُ القطعي في أذهانِ المُتشرّعةِ يُقيّدُ الإطلاقَ، ويردعُ عن السيرةِ العُقلائيّةِ الجاريةِ على رجوعِ الجاهلِ إلى العالمِ مُطلقاً رجلاً كانَ أو امرأة) وبما أنَّ السائلَ يسألُ عن الحِكمة التشريعيّةِ بقولِه: (لماذا لا يجوزُ تقليدُ المرأةِ المُجتهدة) ولا يسألُ عن الأدلّةِ التفصيليّة، يمكنُنا أن نقولَ أنَّ البحثَ عن الحِكمةِ منَ الأحكامِ الشرعيّةِ وإن لم يكُن له علاقةٌ بثبوتِ الحُكمِ إلّا أنّهُ قد يكونُ مُفيداً لتقويةِ الرابطةِ بينَ المُكلّفِ وبينَ الحُكمِ الشرعي، وقد تزدادُ أهميّتُه إذا كانَ الحُكمُ قائماً على نصٍّ صريحٍ منَ الشارع، أمّا إذا كانَ الحُكمُ خاضعاً للاجتهادِ وحولهُ أخذٌ وردٌّ فلا جدوى منَ البحثِ حولَ الحِكمةِ التشريعيّة.
اترك تعليق