ما الذي قدّمَته الفلسفةُ للبشريّة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :منَ الصعبِ التحدّثُ عن الفلسفةِ سلباً أو إيجاباً في إطارِها العامّ؛ لأنَّ ذلكَ يقتضي مُلاحقةَ كلِّ ما أنتجَته المدارسُ الفلسفيّة ومِن ثمَّ دراستها لمعرفةِ ما فيها مِن فوائدَ ومضار، فقد أسهمَت بعضُ الفلسفاتِ في تطويرِ الفكرِ الإنسانيّ وانتقلَت به إلى آفاقٍ معرفيّة لم تكُن معهودةً، وما زالَت الحضارةُ الحديثةُ مدينةً لبعضِ الفلاسفةِ الذينَ نقلوا البشريّةَ نقلاتٍ كبيرة في الجانبِ المعرفيّ والسياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعي، وفي مقابلِ ذلكَ هناكَ فلسفاتٌ ابتعدَت بالفكرِ الإنساني عن مساراتِه الطبيعيّة، مثلَ الفلسفاتِ الإلحاديّة التي اختصرَت الإنسانَ في المادّة، أو الفلسفاتِ التي نظرَت للحياةِ والوجودِ نظرةَ ريبةٍ وقلقٍ فأفرغَت الحياةَ من كلِّ قيمِها الحيويّة، فشرّعَت بذلكَ للإحباطِ والعُزلةِ والانتحار. وعليهِ إذا نظرنا للفلسفةِ بوصفِها تحفيزاً للعقلِ على البحثِ والتفكيرِ وإيجادِ أجوبةٍ للظواهرِ الوجوديّةِ والحياتيّة فإنَّ التقييمَ سوفَ يكونُ إيجابيّاً بلا شك، أمّا إذا أردنا أن نُقيّمَ الفلسفةَ مِن حيثُ المنتوجِ المعرفي فلابدَّ أن تكونَ الإجابةُ مُتباينةً بحسبِ كلِّ فلسفةٍ وما قدّمَته مِن اسهاماتٍ إيجابيّةٍ للحياةِ الإنسانيّة. أمّا فيما يختصُّ بفائدةِ الفلسفةِ بالنسبةِ للإسلامِ والمُسلمين، فإنَّ الحياديّةَ تقتضي الإجابةَ بعيداً عن الموقفِ الشخصي منَ الفلسفة، ويصعبُ ذلكَ في ظلِّ الانقسامِ الفِعلي للأمّةِ بينَ مؤيّدٍ ومعارض للفلسفة، فهناكَ تيّاراتٌ في الوسطِ الإسلامي تجعلُ من الفلسفةِ الطريقَ الحصريَّ للوقوفِ على حقائقِ الدين، وفي مُقابلِها تيّاراتٌ تعتبرُها معولَ هدمٍ للإسلام، وقد قُلنا في إجابةٍ سابقةٍ (حولَ علاقةِ الدينِ بالفلسفة) أنَّ هناكَ تبايناً في الآراءِ حولَ علاقةِ الأديانِ السماويّةِ بالفلسفاتِ البشريّة، فبينَ مَن يرى أنَّ بينَهما توافقاً وتطابقاً، وبينَ مَن يراهُما خطّينِ متوازيينِ لا يلتقيانِ أبداً، ويبدو أنَّ سببَ الاشتباكِ يعودُ إلى أنَّ الدينَ والفلسفةَ يبحثانِ عن حقيقةٍ واحدة، فالمسائلُ التي يقعُ عليها البحثُ عند الطرفينِ تكادُ تكونُ مُشتركةً، وبخاصّةٍ في ما لهُ علاقةٌ بالتصوّرِ المعرفيّ في أصلِ الوجودِ والكونِ وغاياتِ الحياةِ ودورِ الإنسانِ فيها، فنظريّاً الفلسفةُ والدينُ يخدمانِ مشروعاً واحداً، ومِن هُنا يمكنُ ملاحظةُ التطابقِ بينَهما، أمّا مِن جهةِ النتائجِ والمقولاتِ المعرفيّة فهناكَ نوعٌ منَ التباين بينَ مقولاتِ الدينِ ومقولاتِ الفلسفة، الأمرُ الذي دفعَ الفلاسفةَ إلى تأويلِ النصوصِ الدينيّةِ بما يخدمُ المقولاتِ الفلسفيّة، وفي المقابلِ يرى الفقهاءُ والمُتكلمونَ أنَّ تأويلاتِ الفلاسفة ليسَت إلّا تجنّياً على الدينِ ومصادرةً لمقولاتِه لصالحِ المقولاتِ الفلسفيّة، فما يطرحُه الفلاسفةُ في نظرِ هؤلاءِ ليسَ إلّا فلسفةً يونانيّةً بلسانٍ عربيٍّ ولبوسٍ إسلاميّ، وظلَّ هذا النزاعُ مُستمرّاً من دونِ أن يُحسمَ لصالحِ أيّ واحدٍ منَ الطرفين. وعليهِ تصبحُ الإجابةُ على هذا السؤالِ مُتباينةً فمَن يعتقدُ بضرورةِ الفلسفةِ بالنسبةِ للإسلامِ سوفَ يعملُ على جمعِ الشواهدِ التي تثبتُ ما قدّمَته الفلسفةُ منَ الفوائد، في حينِ يقومُ الطرفُ الآخر بجمعِ شواهدَ مُخالفة تثبتُ مضارَّ الفلسفةِ على الفكرِ الإسلامي.
اترك تعليق