هل الإلهَ يقيده الزمان والمكان ؟
هل يقيّدُ الزمانُ والمكانُ الإلهَ؟ إذا كانَ الجوابُ لا، كيفَ نفسّرُ انتظارَه ليومِ القيامة؟ وخلقَه للكونِ في 6 أيام؟ وجمعَه الناسَ في المحشرِ (مكان) للحساب؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإجابةُ على هذا السؤالِ تقتضي إيرادَ مُلاحظةٍ على طبيعةِ السؤالِ نفسِه، حيثُ يبدو أنَّ التفسيرَ الذي يبحثُ عنه السائلُ هوَ التفسيرُ الذي ينسجمُ مع موقعِه كإنسانٍ له زمانٌ ومكان، فالإنسانُ في العادةِ يفهمُ الأشياءَ ويفسّرُها ضمنَ وجودِها في إطارِ المكانِ والزمان، والمعرفةُ في هذهِ المرتبةِ ليسَت إلّا صوراً ومفاهيمَ ذهنيّة، وهوَ أمرٌ مقبولٌ في ما يتعلّقُ بمعرفةِ الحقائقِ التي نشهدُها في عالمِ الخلقِ والشهود، إلّا أنَّ هذا النمطَ منَ المعرفة لا يمكنُ تعميمُه بحيثُ يكونُ هوَ الطريق الوحيد لجميعِ معارفِ الإنسان، فمعرفةُ الإنسانِ بالغيبِ تختلفُ عن معرفتِه بالشهود، ومعرفتُه باللهِ تختلفُ عن معرفتِه بالمخلوقات، فمَن يُفسّرُ وجودَ الله أو يفسّرُ علاقتَه بالمخلوقاتِ مِن خلالِ المفاهيمِ التصوريّة سوفَ يقعُ حتماً في التشبيهِ والوثنيّة، وذلكَ لأنَّ عقلَ الإنسانِ يتعرّفُ على الأشياءِ مِن خلالِ الحواسِّ، وتلكَ الحواسُّ تتعطّلُ تماماً إذا خرجَت مِن عالمِ الشهودِ إلى عالمِ الغيب، وحينَها لا يمكنُ للعقلِ التعرّفُ على ما هو غيبٌ إلّا إذا قامَ بإدخالِه في عالمِ الشهود، وهذا لا يتمُّ إلّا مِن خلالِ تشبيهِه ومُقايستِه بما هوَ حاضرٌ في عالمِ الشهود، ولذا قيلَ معرفةُ الغائبِ بالشاهد، وهذا إن صحَّ في الأمورِ الحسيّةِ الغائبةِ عن الحواسِّ إلّا أنّه لا يصلحُ في مقامِ معرفةِ الله تعالى حيثُ لا وجودَ لشاهدٍ في عالمِ الخلق يمكنُ أن نعرفَ به اللهَ تعالى، ومَن تعمّدَ ذلك وقعَ في الوثنيّةِ لا محالة، يقولُ الإمامُ الباقر (عليهِ السلام): (كلّما ميّزتموه بأوهامِكم في أدقِّ معانيه مخلوقٌ مصنوعٌ مثلُكم مردودٌ إليكم).ومِن هنا يجبُ التأكيدُ على أنَّ معرفةَ الله مِن سنخٍ آخر ليسَت كمعرفتِنا بالأشياءِ في عالمِ المخلوقات، وعلى ذلكَ لا يمكنُ التسليمُ بصحّةِ السؤالِ لكونِه يبحثُ عن تفسيرِ أمرٍ يتعلّقُ باللهِ تعالى ولكن بشروطِ ما عليهِ وضعُ الإنسان، وهذا لا يصحُّ إلّا إذا صحَّت المُقايسةُ بينَ الخالقِ والمَخلوق، فلو افترَضنا أنَّ الإنسانَ مخلوقٌ مُجرّد غيرُ محكومٍ بالزمانِ حينَها لا يمكنُ أن يطلبَ تفسيراً لانتظارِ يومِ القيامةِ أو خلقِ العالمِ في ستّةِ أيّام، لأنَّ حينَها سيكونُ الأمرُ مُنسجِماً مع طبيعتِه المُجرّدة عن الزمانِ، وكذلكَ الحالُ مع المكانِ حيثُ لا يمكنُ للإنسانِ أن يتصوّرَ وجودَ شيءٍ بلا مكان، ولذلكَ يسألُ كيفَ اللهُ موجودٌ بلا مكان؟ إلّا أنّه في الواقعِ لم يطلُب ذلك التفسيرَ إلّا بعد أن اعتقدَ أنَّ وجودَ الله لا يختلفُ عن وجودِه، وهذا هو الخطأ الذي قادَه لمثلِ هذا السؤال، فلو افترَضنا كونَ الإنسانِ مُجرّداً عن المكانِ وكانَ وجودُه بلا مكانٍ فحينها لا يمكنُ أن نتوقّعَ منه هذا السؤال.وعليه إنَّ هذه الأسئلةَ ترتكزُ على حالةٍ منَ التشبيهِ بين الخالقِ والمخلوق حتّى وإن كانَت خفيّةً غيرَ ظاهرة، فالأمرُ الذي يستحقُّ التفسيرَ بالفعل هوَ كيفَ يكونُ وجودُ اللهِ كوجودِ الإنسان وفي نفسِ الوقت غيرَ محكومٍ بالزمانِ والمكان؟ أمّا إذا كانَ اللهُ منزّهاً عن كلِّ ما يتّصفُ به المخلوق، وكانَ وجودُه تعالى ليسَ كوجودِ المخلوقِ فحينَها على أيّ أساسٍ نطالَبُ بتفسيرِ خروجِه عن الزمانِ والمكان؟ فلو لم يفترِض التساوي بينَ وجودِه ووجودِ الله لما أشكلَ عليه الأمرُ منَ الأساس.ومِن هُنا يمكنُنا القولُ أنَّ الزمانَ والمكانَ مِن لوازمِ المخلوق، ولا يمكنُ للمخلوقِ الخروجُ عنهما إلّا إذا أصبحَ وجودُه وجوداً بسيطاً مُجرّداً وهذا محال، ولذا فالإنسانُ هو الذي ينتظرُ يومَ الحساب وليسَ الله تعالى، والسماءُ والأرضُ هي التي تحتاجُ إلى ستّةِ أيّام وليسَ اللهُ تعالى، وإنَّ يومَ الحسابِ هو الذي يحتاجُ إلى مكانٍ وليسَ اللهُ تعالى، أمّا السؤالُ كيفَ نفسّرُ عدمَ احتياجِ الله لذلك؟ فهذا التفسيرُ إمّا أن يكونَ تفسيراً مِن حيثُ كونِ وجودِ اللهِ وجوداً زمانيّاً ومكانيّاً، وأمّا أن يكونَ مِن حيثُ وجودِه وجوداً لا زمانيّاً ولا مكانيّاً، ففعلُ الأوّلِ لا يصحُّ لأنَّ فيهِ تشبيهاً بينَ الخالقِ والمخلوق، وعلى الثاني ليسَ بمقدورِنا نحنُ تصوّرُه لأنَّ وجودَنا وجودٌ زمانيٌّ ومكانيّ فيستحيلُ علينا أن نتصوّرَ ما يكونُ عليه حالُ ما ليسَ زمانيّاً ولا مكانيّاً.
اترك تعليق