ما هوَ الشيءُ الموجودُ في الذهنِ أوّلاً الماديّاتُ أم المعنويّاتُ أم الكليّات ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لابدَّ أن تلتفتَ أخي السّائل الكريم لوجودِ عدّةِ نظريّاتٍ في الإدراكِ وطريقِ تحصيلِ العلم، ونحنُ نقتصرُ هُنا على بيانِ ما عليهِ مشهورُ حكماءِ الإسلامِ في المقامِ بصورةٍ إجماليّة: فيبدأ العلمُ مِن خلالِ إدراكِ الحواسِّ الخمسِ للواقعِ الخارجي، كما لو رأينا تفّاحةً، فكلُّ حاسّةٍ تدركُ الجهةَ المُناسبةَ لها منَ التفّاحة، فالعينُ تدركُ شكلَها ولونَها وحجمَها مثلاً، واللسانُ يدركُ طعمَها واليدُ ملمسَها، وهكذا. فكلُّ حاسّةٍ تدركُ ما يتناسبُ ووظيفتَها، ثمَّ إنَّ هذهِ المعلوماتِ المُدركةَ مِن قِبلِ الحواسِّ تتجمّعُ في أوّلِ قوّةٍ مِن قوى النفسِ الباطنةِ وهيَ قوّةُ (الحسِّ المُشترك)، والذي تتكوّنُ فيه صورةٌ جزئيّةٌ مُطابقةٌ للتفّاحةِ الخارجيّة، لكنَّ هذهِ القوّةَ (الحسُّ المُشترك) ليسَ لها القدرةُ على الاحتفاظِ بالصّورِ، فهيَ أقربُ ما تكونُ الى مرآةٍ، أو كاميرا فديو مِن دونِ قابليّةٍ على خزنِ المعلومات، فتقومُ القوّةُ الثانيةُ مِن قوى النفسِ وهيَ قوّةُ (الخيالِ) بوظيفةِ تخزينِ هذهِ الصّورةِ، وإلى الآن الصّورةُ جُزئيّةٌ تحكي وتطابقُ الواقعَ الخارجي، فتأتي قوّةُ (العقلِ) وهيَ القوّةُ الثالثةُ فتلاحظُ جهةَ الاشتراكِ بينَ صورةِ التفّاحةِ هذهِ وباقي الصّورِ المخزونةِ عندَها منَ التفّاح، فتتركُ خصوصيّاتِ كلِّ تفّاحة، وتنتزعُ الجهةَ المشتركةَ بينَها وهيَ مفهومُ التفّاحِ الكلّي، وعليهِ فالذهنُ يدركُ أوّلاً الصّورَ الجُزئيّةَ ثمَّ ينتزعُ منها المفاهيمَ الكُليّةَ. وأمّا المعاني الجُزئيّةَ التي لا مادّةَ لها ولا مقدارَ كإدراكِ الإنسانِ حبَّ أبويه له، وعداوةَ مُبغضيه، وحُزنَ الثاكلِ وفرحَ المُستبشِر، فإنّه يدركُه بواسطةِ القوّةِ الرابعةِ مِن قوى النفسِ وهيَ قوّةُ (الوهم)، وهيَ أيضاً لا تستطيعُ الاحتفاظَ بما تدركُه كحالِ قوّةِ (الحسِّ المُشترَك) المُتقدّمة، فيأتي دورُ القوّةِ الخامسةِ والأخيرةِ مِن قوى النفسِ الباطنةِ وهيَ قوّةُ (الحافظة). فيتحصّلُ أنَّ الذهنَ البشريَّ له عشرةُ قوى، خمسٌ مِنها ظاهرةٌ وهيَ الحواسُّ الخمسُ المعروفةُ وخمسٌ منها باطنةٌ وهي: الحسُّ المُشترَكُ و الخيالُ والعقلُ والوهمُ والحافظة.
اترك تعليق