ما هيَ وظائفُ الإمامِ في زمنِ غيبتِه؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : إذا كانَ السائلُ يبحثُ عن وظيفةٍ اجتماعيّةٍ أو سياسيّةٍ أو تصدٍّ مباشرٍ للشؤونِ الدينيّةِ والقياديّة، فإنَّ ذلكَ لا يكونُ إلّا في زمنِ ظهورِه الشريف، فلكلِّ مرحلةٍ شروطُها التي تفرضُ أدوارَها وأدواتِها الخاصّة، ومِن هُنا يجبُ ألّا يتوقّعَ السائلُ بأن تكونَ وظيفةُ الإمامِ في غيبتِه مساويةً لوظيفتِه في ظهورِه، ولا يعني ذلكَ أنَّ هناكَ تبايناً بينَ الوظيفتينِ مِن حيثُ الهدف والغاية، فالهدفُ مِن وجودِ الإمامِ واحدٌ لا يتغيّرُ بتغيّرِ الظروفِ وإنّما الذي يتغيّرُ هوَ الأدواتُ والوسائلُ الموصلةُ لذلكَ الهدف، وعلى ذلكَ لا تختلفُ وظيفةُ الإمامِ بينَ كونِه حاكِماً مبسوطَ اليدِ وبينَ كونِه محكوماً، وإنّما الذي يختلفُ هوَ الأدواتُ والوسائلُ بينَ الحالتين، فمثلاً الإمامُ الكاظمُ (عليهِ السلام) لم تتغيّر وظيفتُه وهوَ في السجنِ عن وظيفتِه وهوَ خارجَ السجن، إلّا أنّه في السجنِ لم يتمكّن منَ القيامِ بكثيرٍ منَ الأدوارِ التي كانَ يؤدّيها خارجَ السجن، وعليهِ فإنَّ وظيفةَ الإمامِ المهدي في غيبتِه هيَ ذاتُها وظيفةُ الرسولِ والائمّةِ المعصومينَ مِن قبلِه، أي أنّه يقومُ بسائرِ أدوارِ وشؤونِ الإمامةِ والخلافةِ الإلـهيّةِ إلّا ما يشترطُ فيها الحضورُ والظهورُ المُباشر، مثلَ التصدّي للأدوارِ الاجتماعيّةِ والسياسيّةِ وممارسةِ التبليغِ الدينيّ بشكلٍ علنيٍّ وظاهر. وما يجبُ الإشارةُ إليه أيضاً هوَ أنّنا قد نعرفُ وظيفةَ الرسولِ أو الإمامِ على مستوى الولايةِ الاجتماعيّةِ والتشريعيّة، كما نعرفُ الأدواتِ والوسائلَ التي يمكنُ الاستعانةُ بها لتحقيقِ هذا الجانب، إلّا أنّنا لا نعرفُ وظيفتَهم على مستوى ولايتِهم التكوينيّة، وتبعاً لذلكَ لا نعرفُ الأدواتِ والوسائلَ الخاصّةَ بهذهِ الولاية، ومِن هُنا لا يمكنُنا الحديثُ عن الوظيفةِ الاجتماعيّةِ والقياديّةِ للإمامِ الغائبِ على نحوِ التفصيل؛ لأنَّ ذلكَ يُشترطُ فيهِ ظهورُه الشريف، كما لا يمكنُنا الحديثُ عن وظيفتِه التكوينيّةِ إلّا بمقدارِ ما أشارَت إليهِ الرواياتُ على نحوِ العمومِ والإجمال، فقد أكّدَت الرواياتُ أنَّ الإمامَ هوَ خليفةُ اللهِ في أرضِه ومِن دونِ وجودِه الشريف لا يمكنُ للحياةِ أن تستقرَّ أو تستمرّ، أو كما عبّرَت الرواياتُ بقولِها لولا الحُجّةِ لساخَت الأرضُ بمَن عليها، وقد وصفَ الإمامُ زينُ العابدين دورَ الإمامِ بقولِه: (ونحنُ الذينَ بِنا يمسكُ اللّهُ السماءَ أن تقعَ على الأرضِ إلاّ بإذنِه وبنا يمسكُ الأرضَ أن تميدَ بأهلِها وبنا ينزلُ الغيث وبنا ينشرُ الرحمةَ ويخرجُ بركاتِ الأرضِ ولولا ما في الأرضِ منّا لساخَت بأهلِها)، وعليهِ مهما بلغَت الإنسانيّةُ منَ العلمِ والمعرفةِ تظلُّ عاجزةً عن الإحاطةِ بأسرارِ الكونِ والسننِ التي تسيّرُه، ولذلكَ لا يمكنُها أن تُحدّدَ بعقولِها الناقصةِ ما يجبُ على خليفةِ اللهِ في أرضِه أن يفعلَه، وقد أشارَت الرواياتُ بشكلٍ عامٍّ عن الفائدةِ مِن وجودِه الشريفِ في غيبتِه، فقد جاءَ عن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) في بيانِ وجهِ الانتفاعِ بالإمامِ في حالِ غيبتِه قوله: (أي والذي بعثَني بالنبوّةِ إنّهم لينتفعونَ به ويستضيئونَ بنورِ ولايتِه في غيبتِه كانتفاعِ الناسِ بالشمسِ وإن جلّلها السحاب) وعن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السَّلام) قال: (لم تخلُ الأرضُ منذُ خلقَ اللّهُ آدمَ مِن حجّةٍ للّهِ فيها ظاهرٍ مشهور أو غائبٍ مستور ولا تخلو إلى أن تقومَ الساعةُ مِن حجّةِ للّهِ فيها ولولا ذلكَ لم يُعبَد اللّهُ. فسأل الراوي كيفَ ينتفعُ الناسُ بالحُجّةِ الغائبِ المستور؟ قالَ الإمام: كما ينتفعونَ بالشمسِ إذا سترَها السّحاب)، وقد أكّدَ الإمامُ المهديّ (عليهِ السلام) بنفسِه هذا المعنى، ففي توقيعِه الصادرِ على أسئلةِ إسحاقَ بنِ يعقوب عن طريقِ سفيرِه محمّدٍ بنِ عثمان قالَ: وأمّا وجهُ الانتفاعِ بي في غيبتي فكالانتفاعِ بالشمسِ إذا غيّبَها عن الأبصارِ السحاب).
اترك تعليق