قصّةُ عبدِ الله بنِ أبي سرح المرتدّ
ما مدى صحة رواية ارتداد عبد الله ابن ابي سرح (كاتب الوحي)؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : يظهرُ أنَّ قصّةَ ارتدادِه مشهورةٌ وثابتةٌ عن أهلِ بيتِ العصمةِ صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين. وفيما يلي أنقلُ قِسماً منَ الرواياتِ التي تعرّضَت لهذهِ الحادثةِ، فمِنها: 1 – وردَ في تفسيرِ عليٍّ بنِ إبراهيم (ص198)، وفي كتابِ روضةِ الكافي للكُليني (ره) (بإسنادٍ صحيح)، عندَ قولِه تعالى: (ومَن أظلمُ ممَّن افترى على اللهِ كذباً أو قالَ أوحيَ إليَّ ولم يوحَ إليهِ شيءٌ ومَن قالَ سأنزلُ مثلَ ما أنزلَ الله) فإنّها نزلَت في عبدِ اللهِ بنِ سعدٍ بنِ أبي سرح وكانَ أخا عثمان منَ الرضاعة. حدّثني أبي، عن صفوانَ، عن ابنِ مسكان، عن أبي بصيرٍ، عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ: إنَّ عبدَ اللهِ بنَ سعدٍ بنِ أبي سرح أخو عثمانَ منَ الرضاعةِ أسلمَ وقدمَ المدينة، وكانَ له خطٌّ حسنٌ، وكانَ إذا نزلَ الوحيُ على رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله دعاهُ فكتبَ ما يمليهِ عليهِ رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله، فكانَ إذا قالَ له رسولُ اللهِ صلّى اللهِ عليهِ وآله: " سميعٌ بصيرٌ " يكتبُ " سميعٌ عليم " وإذا قالَ: " واللهُ بما تعملونَ خبير " يكتبُ " بصير " ويفرّقُ بينَ التاءِ والياءِ وكانَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله يقول: هوَ واحدٌ، فارتدَّ كافراً ورجعَ إلى مكّةَ وقالَ لقريش: واللهِ ما يدري محمّدٌ ما يقول، أنا أقولُ مثلَ ما يقول، فلا ينكرُ على ذلك، فأنا أنزلُ مثلَ ما ينزل، فأنزلَ اللهُ على نبيِّه صلّى اللهُ عليهِ وآله في ذلكَ ومن أظلمُ ممَّن افترى على اللهِ كذباً أو قالَ أوحي إليَّ ولم يوحَ إليهِ شيءٌ ومَن قالَ سأنزلُ مثلَ ما أنزلَ الله ". فلمّا فتحَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله مكّة أمرَ بقتلِه فجاءَ بهِ عثمانُ قد أخذَ بيدِه ورسولُ اللهِ في المسجدِ، فقالَ: يا رسولَ الله، اعفُ عنه، فسكتَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله ثمَّ أعادَ فسكتَ ثمَّ أعادَ فقالَ: هوَ لك، فلمّا مرَّ قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله لأصحابِه: ألم أقُل مَن رآهُ فليقتُله؟ فقالَ رجلٌ: عيني إليكَ يا رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله أن تشيرَ إليَّ فأقتله، فقالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله: إنَّ الأنبياءَ لا يقتلونَ بالإشارةِ، فكانَ منَ الطلقاء. 2 – وفي كتابِ معاني الأخبارِ للشيخِ الصّدوقِ (ص346) بإسنادٍ صحيحٍ أيضاً عن ابنِ المتوكّل، عن الحميري، عن ابنِ عيسى، عن ابنِ محبوب عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله ومعاويةُ يكتبُ بينَ يديه وأهوى بيدِه إلى خاصرتِه بالسيفِ: مَن أدركَ هذا يوماً أميراً فليبقرنَّ خاصرتَه بالسيف، فرآهُ رجلٌ ممَّن سمعَ ذلكَ مِن رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله يوماً وهوَ يخطبُ بالشامِ على الناسِ فاخترطَ سيفَه ثمَّ مشى إليه فحالَ الناسُ بينَه وبينَه، فقالوا: يا عبدَ الله ما لك؟ فقالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله يقولُ: مَن أدركَ هذا يوماً أميراً فليبقُر خاصرتَه بالسيفِ، قالَ: فقالوا: أتدري مَن استعملَه؟ قالَ: لا، قالوا: أميرُ المؤمنينَ عُمر، فقالَ الرّجل: سمعاً وطاعةً لأميرِ المؤمنين. قالَ الصّدوقُ رضوانُ اللهِ عليه: إنَّ الناسَ شُبّهَ عليهم أمرُ معاويةَ بأن يقولوا: كانَ كاتبَ الوحي، وليسَ ذاكَ بموجبٍ له فضيلةً، وذلكَ أنّه قُرِنَ في ذلكَ إلى عبدِ اللهِ بنِ سعدٍ بنِ أبي سرح، فكانا يكتبانِ له الوحي، وهوَ الذي قالَ: " سأنزلُ مثلَ ما أنزلَ الله " فكانَ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله يُملي عليه " واللهُ غفورٌ رحيم " فيكتبُ " واللهُ عزيزٌ حكيم " ويُملي عليه " واللهُ عزيزٌ حكيم " فيكتبُ " واللهُ عليمٌ حكيم " فيقولُ لهُ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله: هوَ واحدٌ، فقالَ عبدُ اللهِ بنِ سعد: إنَّ محمّداً لا يدري ما يقولُ إنّه يقول، وأنا أقولُ غيرَ ما يقول، فيقولُ لي: هوَ واحدٌ هوَ واحد، إن جازَ هذا فإنّي سأنزلُ مثلَ ما أنزلَ الله، فأنزلَ اللهُ فيه " ومَن قالَ سأنزلُ مثلَ ما أنزلَ الله ".فهربَ وهجا النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله، فقالَ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله: مَن وجدَ عبدَ اللهِ بنَ سعدٍ بنِ أبي سرح ولو كانَ مُتعلّقاً بأستارِ الكعبةِ فليقتُله، وإنّما كانَ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله يقولُ له فيما يغيّرُه هوَ واحدٌ هوَ واحد، لأنّه لا ينكتبُ ما يريدُه عبدُ اللهِ إنّما كانَ ينكتبُ ما كانَ يمليه عليهِ السلام فقالَ: هوَ واحدٌ غيّرتَ أم لم تُغيّر لم ينكتِب ما تكتُبه بل ينكتبُ ما أمليهِ عن الوحي وجبرئيلَ عليهِ السلام يصلحُه.وفي ذلكَ دلالةٌ للنبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله ووجهُ الحكمةِ في استكتابِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله الوحي معاويةَ وعبدَ اللهِ بنَ سعدٍ وهُما عدوّانِ هوَ أنَّ المُشركينَ قالوا: إنَّ مُحمّداً يقولُ هذا القرآنُ مِن تلقاءِ نفسِه، ويأتي في كلِّ حادثةٍ بآيةٍ يزعمُ أنّها أنزلَت عليهِ وسبيلُ مَن يضعُ الكلامَ في حوادثَ يحدثُ في الأوقاتِ أن يُغيّرَ الألفاظَ إذا استعيدَ ذلكَ الكلامُ، ولا يأتي بهِ في ثاني الأمرِ وبعدَ مرورِ الأوقاتِ عليهِ إلّا مُغيّراً عن حالِه الأولى لفظاً ومعنىً، أو لفظاً دونَ معنى، فاستعانَ في كتابةِ ما ينزلُ عليهِ في الحوادثِ الواقعةِ بعدوّينِ له في دينِه عدلينِ عندَ أعدائِه ليعلمَ الكُفّارُ والمُشركونَ أنَّ كلامَه في ثاني الأمرِ كلامُه في الأولِ غيرَ مُغيّر، ولا مزال عن جهتِه، فيكونُ أبلغُ للحُجّةِ عليهم، ولو استعانَ في ذلكَ بوليّينِ مثلَ سلمان وأبي ذرٍّ وأشباهِهما لكانَ الأمرُ عندَ أعدائِه غيرَ واقعٍ هذا الموقع، وكانَت يتخيّلُ فيهِ التواطئُ والتطابقُ فهذا وجهُ الحكمةِ في استكتابِهما واضحٌ مُبيّنٌ والحمدُ لله .3 – وفي تفسيرِ العيّاشي (1/369): عن الحُسينِ بنِ سعيد، عن أحدِهما قالَ: سألتُه عَن قولِ الله: " أو قالَ أوحيَ إليَّ ولم يوحَ إليهِ شيء " قالَ نزلَت في ابنِ سرح: الذي كانَ عثمانُ بنُ عفان استعملَه على مصر، وهوَ ممَّن كانَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله يومَ فتحِ مكّةَ هدرَ دمَه، وكانَ يكتبُ لرسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله فإذا أنزلَ اللهُ عليه " فإنَّ اللهَ عزيزٌ حكيم " كتبَ " فإنَّ اللهَ عليمٌ حكيم " [فيقولُ لهُ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله: دَعها فإنَّ اللهَ عليمٌ حكيم]، وقد كانَ ابنُ أبي سرحٍ يقولُ للمُنافقين: إنّي لأقولُ الشيءَ مثلَ ما يجئُ به هوَ فما يغيّرُ عليّ، فأنزلَ اللهُ فيهِ الذي أنزل. وقد أشارَ علماؤنا إلى هذهِ الحادثةِ عندَ تعرّضِهم لتفسيرِ قولِه تعالى ( أو قالَ أوحيَ إليَّ ولم يوحَ إليهِ شيءٌ) [الأنعام: 93]. [فراجِع: كتابَ مجمعِ البيانِ للطبرسيّ (ج4/ص96)، والبحارِ للعلّامةِ المجلسيّ (ج89/ص36)، (بابُ 3) (كُتّابَ الوحي وما يتعلّقُ بأحوالهم)، وكتابَ أنوارِ التنزيلِ (1/321)، وتفسيرَ كنزِ الدقائق (ج4/ ص362)، وغيرَها]. ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق