كيفَ نردُّ على مَن يقولُ أنَّ عليّاً (ع) غيرُ مُناسبٍ لتولّي الخلافةِ لأنّهُ مبغوضٌ مِن قِبلِ الناسِ؟

كيفَ نردُّ على مَن يقولُ أنَّ عليّاً عليهِ السلام غيرُ مُناسبٍ لتولّي الخلافةِ لأنّهُ مبغوضٌ مِن قِبلِ الناسِ حيثُ يكرهونَه لأنّه كانَ له النصيبُ الأكبرُ منَ القتلِ في الغزواتِ النبويّةِ فهوَ مكروهٌ مِن قِبلِ القبائلِ وليسَ مُلائِمًا للخلافةِ عليهم؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : أوّلاً: إذا ثبتَ أنَّ إمامةَ الإمامِ عليّ (عليهِ السلام) كانَت بحُكمِ اللهِ ورسولِه فحينَها لا يكونُ للأمّةِ خيارٌ غيرُ السمعِ والطاعة، قالَ تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلَا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم ۗ وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)، وقد ثبتَ بما لا يدعُ مجالاً للشكِّ أنَّ الإمامَ عليّ (عليهِ السلام) هو الخليفةُ والإمامُ الشرعيّ بعدَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وعليهِ لا يمكنُ النظرُ للميلِ الشخصيّ والمواقفِ الخاصّةِ لمَن يعارضُ خلافتَه وإمامتَه. ثانياً:  الإمامةُ حُكمُها حكمُ النبوّةِ والرسالةِ، فكما لم يكُن لعامّةِ الناسِ رأيٌ في تحديدِ مَن يكونُ نبيّاً أو رسولاً كذلكَ ليسَ لهم رأيٌ في تحديدِ مَن يكونُ الإمامُ والخليفةُ بعدَ رسولِ الله، قالَ تعالى: (اللَّهُ أَعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمكُرُونَ) فتحديدُ مَن هوَ صالحٌ لخلافةِ رسولِ اللهِ وقيادةِ المسلمينَ لا يكونُ مِن خلالِ الانطباعاتِ التي تتحكّمُ فيها الأهواءُ والشهواتُ وإنّما يكونُ بحسبِ ما يمثّلُه الواقعُ مِن مصلحةٍ حقيقيّةٍ وهذا لا يعلمُه غيرُ اللهِ تعالى. ثالثاً: الاعتراضُ على الإمامِ عليّ (عليهِ السلام) شبيهٌ بالاعتراضِ على الأنبياءِ والرّسل، فأكثرُ الأممِ السابقةِ لم تكُن تحبُّ الأنبياءَ والرُّسلَ الذينَ بُعثوا لهم، بل كانوا يكرهونهَم ويبغضونَهم ويقتلونَهم، قالَ تعالى: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُم رَسُولٌ بِمَا لَا تَهوَىٰ أَنفُسُكُمُ استَكبَرتُم فَفَرِيقًا كَذَّبتُم وَفَرِيقًا تَقتُلُونَ) فإذا كانَ إبعادُ الإمامِ عليّ (عليهِ السلام) عن الخلافةِ أمراً مقبولاً بحُجّةِ كراهيتِه فإنَّ إبعادِ الرسولِ بنفسِ الحُجّةِ يكون أمراً مقبولاً أيضاً، وهذا باطلٌ بالضرورة.  رابعاً: الإمامُ عليّ (عليهِ السلام) لم يكُن مكروهاً في شخصِه وإنّما كانَ مكروهاً لأنّه كانَ يُمثّلُ الحقَّ، فلو كانَ يداهنُ ويجاملُ ويقدّمُ الرشاوى الماليّةَ والسياسيّة لما وقفَ في طريقِه أحدٌ، وقد شخّصَ الإمامُ (عليهِ السلام) ذلكَ في كثيرٍ مِن خُطبِه، مثل قولِه: (ألا إنَّ هذهِ الدّنيا التي أصبحتُم تتمنونَها وترغبونَ فيها وأصبحَت تغضبُكم وترضيكم ليسَت بدارِكم ولا منزلِكم الذي خُلقتُم له فلا تغرنّكم فقد حُذّرتموها واستتموا نعمَ اللهِ عليكم بالصّبرِ لأنفسِكم على طاعةِ اللهِ والذلِّ لحُكمِه جلَّ ثناؤه.. فأمّا هذا الفيءُ فليسَ لأحدٍ على أحدٍ فيه أثرةٌ فقَد فرغَ اللهُ مِن قسمتِه فهوَ مالُ الله وأنتُم عبادُ اللهِ المُسلمونَ وهذا كتابُ اللهِ به أقرَرنا وله أسلَمنا وعهدُ نبيّنا بينَ أظهرِنا فمَن لم يرضَ به فليتولَّ كيفَ شاءَ فإنَّ العاملَ بطاعةِ اللهِ والحاكمَ بحُكمِ اللهِ لا وحشةَ عليه) وفي ذلكَ إجابةٌ واضحةٌ على السّؤال، فالإمامُ عليّ (عليهِ السلام) يدعوهم لمحبّةِ الحقِّ ونُصرتِه وهُم يحبّونَ الدّنيا ويكرهونَ مَن يمنعُهم مِنها، وبمنطقِ الحقِّ والعقلِ لا يمكنُ الالتفاتُ لمثلِ هذه المشاعرِ النابعةِ منَ الأهواءِ والشهوات. خامساً: لم يكُن قتلُ الإمامِ عليّ (عليهِ السلام) لبعضِ أقاربِهم في الحروبِ هو سببُ كراهيتِهم له، لأنَّ الذينَ يكرهونه لهذا السببِ هُم المنافقونَ وحدهم، أمّا مَن كانَ إسلامُه على الحقيقةِ كيفَ يكرهُه لفعلٍ قامَ به بأمرٍ منَ اللهِ ورسوله؟ وعليهِ لا يمكنُ منعُ الإمامِ عليّ (عليهِ السلام) منَ الخلافةِ مِن أجلِ إرضاءِ شعورِ المُنافقين، وما يؤكّدُ ذلكَ حديثُ رسولِ اللهِ الذي روَته جميعُ مصادرِ المُسلمينَ وهوَ قوله: (يا عليّ لا يحبُّك إلّا مؤمنٌ ولا يبغضُك إلّا مُنافقٌ).