ما هو رأيُ الشيعةِ في خوارقِ اللاشعور أو قوّةِ العقلِ الباطن؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : العقلُ الباطنُ أو العقلُ اللاواعي مُصطلحٌ خاصٌّ بعلمِ النفسِ والطبِّ النفسي، وبذلكَ يُعتبَرُ منَ المُصطلحاتِ الحديثةِ التي لا وجودَ لها في النصوصِ الدينيّة، وعليهِ فإنَّ الطريقَ الوحيدَ لمعرفةِ رأي الشرعِ هوَ الرجوعُ إلى المحكماتِ الإسلاميّة، ومِن ثمَّ النظرُ إلى مدى التوافقِ والتعارضِ بينَها وبينَ هذا المُصطلح، ولتحقيقِ ذلكَ لابدَّ منَ الوقوفِ أوّلاً على مفهومِ المُصطلَحِ وثانياً على تطبيقاتِه الخارجيّة. هناكَ معانٍ للعقلِ الباطلِ يمكنُ قبولها لعدمِ تعارضِها معَ الشرعِ وهناكَ معانٍ أخرى لا يمكنُ قبولها أو على الأقلِّ يجبُ التحرّزُ مِنها، فقد جاءَ في تعريفِ العقلِ الباطنِ في (موسوعةِ ويكيبيديا): (هوَ مفهومٌ يشيرُ إلى مجموعةٍ منَ العناصرِ التي تتألّفُ مِنها الشخصيّة، بعضُها قد يعيهِ الفردُ كجُزءٍ مِن تكوينِه، والبعضُ الآخرُ يبقى بمنأىً كليٍّ عن الوعي، وهناكَ اختلافٌ بينَ المدارسِ الفكريّةِ بشأنِ تحديدِ هذا المفهومِ على وجهِ الدقّةِ والقطعيّة، إلّا أنَّ العقلَ الباطنَ على الإجمالِ هو: كنايةٌ عن مخزنٍ للاختباراتِ المُترسِّبةِ بفعلِ القمعِ النفسي، فهيَ لا تصلُ إلى الذاكرة، ويحتوي العقلُ الباطنُ على المُحرّكاتِ والمُحفّزاتِ الداخليّةِ للسّلوك، كما أنّهُ مقرُّ الطاقةِ الغريزيّةِ الجنسيّةِ والنفسيّة، بالإضافةِ إلى الخبراتِ المكبوتةِ و القوانينِ الحاكمة). وجاءَ في "الموسوعةِ العربيّةِ العالميّة": (اللاوَعيُ مُصطلَحٌ في علمِ النفسِ لوصفِ العمليّاتِ العقليّةِ والأفكارِ والتصوّراتِ والمشاعرِ التي تدورُ في عقولِ الناسِ دونَ إدراكٍ منهم). ويبدو أنَّ مدرسةَ التحليلِ النفسيّ لسيغموند فرويد شكّلَت البداياتِ الأولى لهذا المُصطلَح، حيثُ حمّلَت هذهِ المدرسةُ اللا شعورَ مسؤوليّةَ الوضعِ النفسيّ، أي ما نراهُ مِن سلوكٍ واعٍ هوَ تعبيرٌ عمّا لا نراهُ مِن سلوكٍ لا واعٍ في الباطن، ومعَ أنَّ هذه المدرسةَ امتلكَت قدرةً تحليليّةً مُقدّرةً إلّا أنّها لا تعكسُ رؤيةً فلسفيّةً شاملةً لها القدرةُ على تفسيرٍ كاملٍ للإنسان؛ وذلكَ لكونِها غفلَت عن الجانبِ الروحيّ والفطريّ واختصرَت الإنسانَ في مجموعةٍ منَ الغرائزِ البدائيّة، وبخاصّةٍ الغريزة الجنسيّة التي أرجعَ إليها فرويد كلَّ الأسبابِ المؤدّيةِ للاضطراباتِ النفسيّة، وفي ذلكَ إهمالٌ واضحٌ لعواملِ البيئةِ والثقافةِ وجميعِ مؤثّراتِ المُحيطِ الذي يعيشُ فيه الإنسان، وقد التفتَ العلماءُ لهذا القصورِ فعملوا على تطويرِ المدرسةِ التحليليّةِ بحيثُ تستوعبُ جميعَ هذه الأسباب، ولذا اعتبرَ روّادُها الجددُ أنَّ المشكلةَ النفسيّةَ تعودُ إلى خليطٍ بينَ الثقافةِ واللا شعور، واعتقدَ آخرونَ أنَّ المحرّكَ الأساسَ للأزماتِ النفسيّةِ هوَ الثقافةُ والتنشئةُ الاجتماعيّة، وهكذا بدأ علمُ النفسِ التحليليّ يوسّعُ دائرةَ الأسبابِ كما يوسّعُ تبعاً لذلكَ أساليبَ العلاج، فكانَ منَ الطبيعيّ أن تُصبحَ تقويةُ الروحِ والإرادةِ الإنسانيّةِ منَ العواملِ المُهمّةِ لعلاجِ الأمراضِ النفسيّة، وبذلكَ تجذّرَت مدرسةٌ جديدةٌ قائمةٌ على العلاجِ بالمعنى، أي تحفيزِ النفسِ الإنسانيّةِ بمعانٍ إيجابيّةٍ وبنظرةٍ مُتفائلةٍ للحياة، وقد ظهرَ ذلكَ بشكلٍ واضحٍ في اتّجاهاتِ التنميةِ البشريّة، أو ما يُسمّى بالبرمجةِ اللغويّةِ العصبيّة، وممّا لا شكَّ فيه أنَّ هناكَ ثماراً إيجابيّةً لهذا العلمِ إذا تمَّ توظيفُه في حدودِ الضوابطِ العقليّةِ والشرعيّة، وهذا بخلافِ بعضِ التوجّهاتِ المادّيّةِ التي صوّرَتِ العقلَ الباطنَ وكأنّه إلهٌ له قدراتٌ مُطلقةٌ، فهوَ الرزّاقُ وهوَ الشافي وهوَ المُتحكّمُ في جميعِ العمليّاتِ الحيويّةِ في الجسم، وهوَ الذي يجعلُ الإنسانَ سليماً أو مريضاً، سعيداً أو تعيساً، غنيّاً أو فقيراً، وهذا ما لا يمكنُ قبولهُ والتسليمُ به، وقد أشارَ السائلُ في سؤالِه لهذا المعنى بقولِه:(خوارقُ اللا شعورِ أو قوّةُ العقلِ الباطن) فليسَ هناكَ خوارقُ لقوانينِ الطبيعةِ ولا وجودَ لقوّةٍ باطنيّةٍ يمكنُها أن تتجاوزَ السّننَ الكونيّةَ وما قدّرَه اللهُ للإنسان، وكلُّ ما يمكنُ قبولهُ مِن هذا العلمِ هوَ التطبيقاتُ العلميّةُ التي يشهدُ بها العقل وتصدّقُها التجاربُ الصحيحة، فمثلاً قانونُ الجذبِ الفكري الذي تتحدّثُ عنه البرمجةُ اللغويّةُ العصبيّة لا يمكنُ التسليمُ بكونِه مسؤولاً عن كلِّ ما يصيبُ الإنسان، فقوّةُ العقلِ الباطنِ لا يمكنُ أن تكونَ صاحبةَ الأقدار، ولا يعني ذلكَ أنّنا نتجاهلُ تأثيرَ التفكيرِ الإيجابي وإنّما نتحرّزُ أن يمنعنا ذلكَ منَ الإيمانِ بقُدرةِ اللهِ وتقديرِه، فاللهُ هوَ مَن يُقدّرُ حياةَ الإنسانِ وليسَ الكونُ أو مُجرّدَ القوى الخفيّة، ومنَ المؤكّدِ أنَّ إيمانَنا بقُدرةِ اللهِ وتقديرِه لا تتعارضُ معَ التفاؤلِ والعملِ إلّا أنَّ النتيجةَ النهائيّةَ تبقى بيدِ اللهِ ومشيئتِه وليسَ مُجرّدَ التفكيرِ العميقِ يجذبُ بذاتِه ما يفكّرُ فيه الإنسانُ استقلالاً عن تقديرِ الله، فمثلاً لو كانَ التفكيرُ في الغنى أو في الصحّةِ أو في الخلودِ يجعلُ الإنسانَ حتماً غنيّاً ومُعافىً وخالداً شاءَ اللهُ ذلكَ أو لم يشأ قدّرَ اللهُ ذلكَ أو لم يُقدّره لكانَ الإنسانُ هوَ الإلهُ ولكانَ خالداً أبداً في هذهِ الحياة. وكذلكَ منَ المفاهيمِ التي لا يمكنُ قبولُها هوَ تصويرُ قُدرةٍ خاصّةٍ للعقلِ الباطنِ تُمكّنُه منَ التواصلِ معَ الوعي الكوني، فيكونُ بذلكَ مصدراً لمعارفَ خاصّةٍ وعلومٍ غيبيّة، ومثلُ هذا الاعتقادِ ممّا لا شكَّ فيهِ يؤدّي إلى الانحرافِ الفكريّ والعقائدي.وفي المُحصّلةِ إنَّ أصلَ وجودِ عقلٍ باطنٍ وأنَّ له تأثيراً على سلوكِ الإنسانِ لا يتعارضُ معَ الشرع، طالما كانَ ذلكَ التأثيرُ ضمنَ السننِ والقوانينِ التي يعترفُ بها العقلُ الواعي، وما لا يمكنُ قبولهُ هوَ الإيمانُ بالعقلِ الباطنِ الذي تنتفي معهُ إرادةُ الإنسان، أو الاعتقادُ بأنَّ العقلَ الباطنَ له سلطةٌ خارقةٌ تنتفي معَها سلطةُ اللهِ وقُدرتُه، وقد يظهرُ ذلكَ في بعضِ كلماتِ بعضِ التوجّهاتِ الماديّةِ فيجبُ الانتباهُ لها والتحرّزُ مِنها.
اترك تعليق