ما هو موقفُ المُحدّثِ النوريّ (ره) منَ القولِ بتحريفِ القرآن؟
السلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُه، هذا السؤالُ يتكرّرُ بينَ الحينِ والحين، معَ أنّ علماءَ الإماميّةِ ومُحقّقيهم بيّنوا حقيقةَ هذه المسألة، وعرّفوا المسلمينَ أنّ السّببَ في إثارةِ موضوعِ تحريفِ القرآنِ الكريم وتوجيهِ سِهامِ التّهمةِ نحوَ المُحدّثِ النوريّ (ره)، هوَ تسميتُه الخاطئةُ للكتابِ الذي جمعَ فيهِ الرواياتِ منَ الفريقين التي ربّما يظهرُ مِنها أنَّ القرآنَ العظيمَ قد تعرّضَ للتحريفِ، فسمّاهُ (فصلُ الخطابِ في تحريفِ كتابِ ربِّ الأرباب)، معَ أنّ المُحدّثَ النوريّ (ره) نفسَه، لم يكُن يقصدُ بجمعِه لتلكم الروايات إثباتَ أنّ القرآنَ قد حصلَ فيه تحريفٌ، وإنّما أرادَ أن يُبيّنَ للقارئِ المُنصفِ ذي العقلِ السليم أنّ كتبَ أحاديثِ الشيعةِ وإنْ كانَ فيها رواياتٌ يظهرُ مِنها القولُ بالتحريفِ، فهناكَ في قبالِها رواياتٌ أكثرُ مِنها في كتبِ أهلِ السنّةِ كالصّحيحينِ والسّننِ وغيرِهما فيها مِن هذا النوعِ التي يظهرُ مِنها القولُ بالتحريفِ والزيادةُ والنقصُ في القرآنِ الكريم، فلسانُ حالِ الشيخِ النوريّ يقول: لماذا تُوجّهُ التّهمةُ نحوَ عُلماءِ الشيعةِ بأنّهم يقولونَ بتحريفِ القرآنِ استناداً إلى بعضِ الرواياتِ التي في كتبِهم والتي تُوهِمُ ذلكَ، معَ أنَّ الطرفَ الآخرَ الذي يوجّهُ سهامَ التّهمةِ نحوَنا باستعمالِه أسلوبَ الإعلامِ المُضلّلِ لديهِ منَ الكمِّ الهائلِ منَ الرواياتِ التي هيَ نظيرُ ذلكَ وأكثر، أفلا يُعَـدُّ ذلكَ كيلاً بمكيالين؟! ومعَ هذا، فإنّ الذي يؤيّدُ أنَّ المُحدّثَ النوريّ لم يقصِد بكتابِه آنفاً إثباتَ أنَّ القرآنَ العظيمَ قد حصلَ فيه تحريفٌ، هوَ اعترافُه بخطئِه في تسميةِ هذا الكتابِ كما حكى ذلكَ عنهُ تلميذُه الشهيرُ الثبتُ الشيخُ آقا بزرك الطهرانيّ مؤلّفُ (الذريعةِ) و(أعلامِ الشيعة) فقالَ في ذيلِ (ص550/ منَ الجُزءِ الأوّلِ منَ القسمِ الثاني مِن كتابِه أعلامُ الشيعة): ((ذكَرنا في حرفِ الفاءِ منَ الذريعةِ عندَ ذكرِنا لهذا الكتابِ مرامَ شيخِنا النوري في تأليفِه فصلَ الخِطابِ وذلكَ حسبما شافَهنا به وسمعناهُ مِن لسانِه في أواخرِ أيّامِه فإنّه كانَ يقولُ: أخطأتُ في تسميةِ الكتاب، وكانَ الأجدرُ أن يُسمّى بفصلِ الخطابِ في عدمِ تحريفِ الكتاب، لأنّي أثبتُّ فيهِ أنَّ كتابَ الإسلامِ القرآنَ الشريفَ الموجودَ بينَ الدفّتينِ المُنتشِرَ في أقطارِ العالمِ وحيٌ إلهيٌّ بجميعِ سورِه وآياتِه وجُمَلِه ولم يطرأ عليهِ تغييرٌ أو تبديلٌ ولا زيادةٌ ولا نُقصان مِن لدنِ جمعِه حتّى اليوم وقد وصلَ إلينا المجموعُ الأوّليُّ بالتواترِ القطعي ولا شكَّ لأحدٍ منَ الإماميّةِ فيه ، فبعدَ ذا أمِنَ الإنصافِ أن يُقاسَ المَوصوفُ بهذهِ الأوصافِ بالعهدينِ أو الأناجيلِ المعلومةِ أحوالُها لدى كلِّ خبير؟ كما أنّي أهملتُ التصريحَ بمرامي في مواضعَ عديدةٍ منَ الكتابِ حتّى لا تُسدّدَ نحوي سهامُ العِتابِ والملامة، بل صرّحتُ غفلةً بخلافِه وإنّما اكتفيتُ بالتلميحِ إلى مرامي في (ص22) بالقولِ: ((إذ المُهمُّ حصولُ اليقينِ بعدمِ وجودِ بقيّةٍ للمجموعِ بينَ الدفّتين كما نقلنا هذا العنوانَ عن الشيخِ المُفيدِ ص26)). ومَن أرادَ المزيدَ والتفصيلَ عن هذه المسألةِ، فليرجِع إلى ما حرّرَهُ السيّدُ الخُوئيّ (قس) وبيّنَه في كتابِه الماتع (البيانُ في تفسيرِ القرآن). ودمتُم سالِمين.
اترك تعليق