هل القرآن الكريم كتاب ضلال اذا لم يؤخذ من طريق اهل البيت(ع)

هل القرآن الكريم و هو كتاب هداية يكون كتاب ضلال اذا لم يؤخذ من طريق اهل البيت عليهم السلام في مقام العمل به

: الشيخ عباس الجشعمي

الجواب : الأخُ السائلُ الكريم: ممّا لا شكَّ فيه أنَّ القرآنَ الكريم هوَ كتابُ هدايةٍ لكافّةِ الناس قالَ تباركَ وتعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ). (البقرة/186).

غيرَ أنّنا إذا أرَدنا أن نتحدّثَ عن فهمِ القرآن، نستطيعُ أن نقسّمَ فهمَ القرآنِ الكريم إلى مُستويين.

المُستوى الأول: فهمُه بمعنى إدراكِ ما يظهرُ مِن معانٍ يفهمُها كلُّ مُطّلعٍ على اللغةِ العربيّة، بحيثُ يؤدّي به فهمُه هذا إلى اليقينِ بأنّ القرآنَ الكريم مِن عندِ اللهِ الواحدِ الأحد.

المُستوى الثاني: فهمُ حقائقِه وإدراكُ دقائقِه والإحاطةُ بمُراداتِه الواقعيّة.

والمستوى الأوّلُ لا يحتاجُ إلى تفسيرٍ مِن رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله أو مِن عترتِه الطاهرين صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين، عادةً، بل يكفي فيهِ أن يكونَ الإنسانُ مُلمّاً باللغةِ العربيّةِ وأساليبِ المُحاورةِ العُرفيّةِ وهذا ما يتسنّى لكلِّ مُطّلعٍ على اللغةِ العربيّة، وإن كانَ كافراً باللهِ ورسوله.

ولِذا أمرَ اللهُ الجميعَ (مُسلِماً كانَ أو كافراً) بضرورةِ التّدبّرِ في آياتِه قالَ تباركَ وتعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَم عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقفَالُهَا) (سورةُ رسولِ الله -م ح م د- صلّى اللهُ عليه وآله/ 25).

وقالَ تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ ۚ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلَافًا كَثِيرًا) (النساء/83).

وقالَ تعالى أيضاً: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (الزمر/ 28).

فاللهُ تعالى ضربَ في هذا القرآنِ للناسِ جميعاً (مؤمناً به أو كافراً) ضربَ مثلاً لغرضِ هدايتِهم (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)، ولولا فهمُ الناسِ للقرآنِ بمعزلٍ عن رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله على المُستوى الأوّلِ منَ الفهم، لما كانَ مِن معنىً لقولِه تعالى (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ)، لأنَّ الأمثلةَ ستكونُ لخصوصِ المؤمنين.

وأمّا المُستوى الثاني منَ الفهم: وهوَ فهمُ حقائقِه وإدراكُ دقائقِه والإحاطةُ التامّةُ بمُراداتِه الواقعيّة ومعرفةِ ناسخِه مِن منسوخِه ومُحكمِه مِن مُتشابهِه، فهذا ممّا يتوقّفُ على بيانٍ مِن رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله، وينحصرُ فهمُه فيه وفي عترتِه الطاهرينَ صلواتُ اللهِ عليهم أجمعين، دونَ مَن سِواهم ممَّن خلقَ اللهُ تعالى.

وعلى هذا فمَن تصدّى لفهمِ مُراداتِ القرآن على المُستوى الثاني مِن غيرِ طريقِ رسولِ الله وعترتِه الطاهرين، ضلّ وأضلَّ دونَ أدنى شك.

قالَ تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل/45).

وقالَ تعالى: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النحل/64).

ومُقتضى هاتينِ الآيتين أنَّ بيانَ القرآنِ وما يتعلّقُ به مِن أحكامٍ مِن مُختصّاتِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله.

ورويَ عن بريدٍ بنِ مُعاوية قالَ: قلتُ لأبي جعفرٍ عليهِ السلام: " قُل كفى باللهِ شهيداً بيني وبينَكم ومَن عندَه علمُ الكتاب "؟ قالَ: إيّانا عنى، وعليٌّ أوّلُنا وأفضلُنا وخيرُنا بعدَ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله. الكافي الكُليني (1/ 338)

وروى الصفّارُ رحمَه الله عن بريدٍ بنِ معاوية عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام قالَ قلتُ له قولُ الله بل هوَ آياتٌ بيّناتٌ في صدورِ الذينَ أوتو العلمَ قالَ إيّانا عنى. بصائرُ الدرجات (230/ 1)

ومُقتضى هذه الرواياتِ وغيرِها أنَّ أئمّةَ الهُدى عليهم السلام هُم مَن خصَّهم اللهُ بعدَ رسولِ الله صلّى اللهُ عليه وآله بفهمِ وبيانِ القرآنِ للناسِ كافّة.

وروى السيّدُ ابنُ طاووس رحمَه الله عن سعيدٍ بنِ المسيب عن عبدِ الرحمانِ بنِ سمره قالَ: قالَ رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله: كفرَ المُجادلونَ في دينِ الله على لسانِ سبعينَ نبيّاً ومَن جادلَ في كتابِ الله فقد كفَر قالَ اللهُ جلَّ ثنائه: (ما يجادلُ في آياتِ الله إلّا الذينَ كفروا فلا يغرُركَ تقلّبُهم في البلاد) ومَن فسّرَ القرآنَ برأيه فقَد افترى على اللهِ كذباً. التحصينُ- السيّدُ رضيُّ الدين عليٌّ بنُ الطاووس الحلّي -(ص: 2)

وفي البحارِ عن أبي عبدِ الله عليهِ السلام قالَ: مَن فسّرَ القرآنَ برأيه إن أصابَ لم يُؤجَر، وإن أخطأ فهوَ أبعدُ منَ السماء. بحارُ الأنوار - العلّامةُ المجلسي (89/ 110)

وصريحُ هاتينِ الروايتينِ الأخيرتين أنَّ مَن تصدّى لتفسيرِ القرآنِ بمعزلٍ عن أئمّةِ الهُدى فقد ضل.

ولذلكَ كانَ التمسّكُ بهم عليهم السلام عِدلاً للتمسّكِ بالكتابِ الكريم لأنّهم بيانُه وترجمانُ وحيه.

فقد روى الحاكمُ عن زيدٍ بنِ أرقم رضيَ اللهُ عنه قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه و سلّم إنّي تاركٌ فيكُم الثقلين كتابَ اللهِ و أهلَ بيتي و إنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليَّ الحوض.

هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد على شرطِ الشيخين و لم يُخرجاه

تعليقُ الذهبي في التلخيص : على شرطِ البُخاري ومُسلم. المُستدركُ على الصّحيحين للحاكم (3/ 160)

وعلى هذا فالمُتحصّلُ مِن جميعِ ما ذكرنا أنَّ فهمَ القرآن فهماً كاملاً مِن مُختصّاتِ رسولِ الله صلّى اللهُ عليه وآله وعترتِه الطاهرين (أئمّةُ الهدى) عليهم السلام.

وإنَّ مَن تصدّى لذلكَ مِن غيرِهم عليهم السلام فقد ضلَّ وأضل.

ودُمتَ موفّقاً.