القَتْلُ مِنْ أَعْظَمِ الكَبَائِرِ.
أَحْمَدُ الطَّائِي: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. رَبِّي يَحْفَظُكَ. مَنِ الأَعْظَمُ الزِّنَا أَمِ القَتْلُ؟
الأَخُ أحمد المُحْتَرَمُ.. السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
1- مَا يَظْهَرُ مِنَ الآيَاتِ وَالرِّوَايَاتِ أَنَّ القَتْلَ مِنْ أَعْظَمِ الكَبَائِرِ الَّتِي نَهَى الشَّارِعُ عَنْهَا وَحَذَّرَ مِنْهَا بِشِدَّةٍ وَتَوَعَّدَ مُرْتَكِبِيهِ عِقَابًا شَدِيدًا، وَمِنْ خِلَالِ التَّأَمُّلِ وَرُغْمَ كَوْنِ هَذِهِ المَعَاصِي مِنَ الكَبَائِرِ، بَلْ مِنْ أَعْظَمِ الكَبَائِرِ وَمِنْ غَيْرِ المُعْتَادِ شَرْعًا بَيَانُ رُجْحَانِ كَفَّةٍ سَيِّئَةٍ عَلَى أُخْرَى لِكَوْنِ كُلِّ مُخَالَفَةٍ يَجِبُ أَنْ يَنْظُرَ عِنْدَ ارْتِكَابِهَا إِلَى مَنْ يَعْصِيهِ وَلَيْسَ إِلَى حَجْمِ تِلْكَ المَعْصِيَةِ وَلَكِنْ يَبْدُو لَنَا - وَاللهُ العَالِمُ - أَنَّ القَتْلَ أَعْظَمُ مِنَ الزِّنَا مِنْ عِدَّةِ جِهَاتٍ كَوْنُهُ إِعْدَامَ حَيَاةِ إِنْسَانٍ وَإِتْلَافَهَا بِالكُلِّيَّةِ وَإِنْهَاءَ وُجُودِ مَخْلُوقٍ أَوْجَدَهُ اللهُ تَعَالَى لِحِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ قَطْعًا، وَلِكَوْنِهَا تَجَاوُزًا عَلَى حَقِّ اللهِ تَعَالَى وَحَقِّ المَقْتُولِ ظُلْمًا، بِخِلَافِ الزِّنَا الَّذِي لَعَلَّهُ تَجَاوُزٌ عَلَى حَقِّ اللهِ تَعَالَى دُونَ الْمَزْنِي بِهَا عَادَةً، وَلِشِدَّةِ جَرِيمَةِ القَتْلِ وَعِظَمِهَا قَالَ تَعَالَى: ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93))) النِّسَاءُ / 93.
وَكَذَلِكَ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ((مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)) المَائِدَةُ / 32. أَمَّا الزِّنَا فَقَالَ تَعَالَى فِي ذَمِّهِ: ((وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)) وَكَمَا نُلَاحِظُ أَنَّ قُوَّةَ خِطَابِ الرَّدْعِ فِيهَا لَا يَبْلُغُ الكَلَامَ فِي القَتْلِ.
2- وَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): "أَوَّلُ مَا يَنْظُرُ اللهُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ". مُسْتَدْرَكُ الوَسَائِلِ (18 / 273).
وَعَنِ البَاقِرِ (عَ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): "أَوَّلُ مَا يَحْكُمُ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) فِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ الدِّمَاءُ، فَيُوقِفُ ابْنَيْ آدَمَ فَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمَا مِنْ أَصْحَابِ الدِّمَاءِ، حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَ المَقْتُولُ بِقَاتِلِهِ فَيَشْخَبُ دَمُهُ فِي وَجْهِهِ فَيَقُولُ: هَذَا قَتَلَنِي. فَيَقُولُ: أَنْتَ قَتَلْتَهُ؟ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكْتُمَ اللهَ حَدِيثًا" الوَسَائِلُ (19 / 4).
وَمَرَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) بِقَتِيلٍ فَقَالَ: مَنْ لِهَذَا؟ فَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أَحَدٌ، فَغَضِبَ ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ اشْتَرَكَ فِيهِ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَأَكَبَّهُمْ اللهُ فِي النَّارِ". مُسْتَدْرَكُ الوَسَائِلِ (18 / 211).
وَرَوَى ابْنُ بَابَوَيْهِ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الصَّادِقِ (عَ) قَالَ: "مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ". الفَقِيهُ للصَّدُوقِ 4 / 68.
وَعَنِ الصَّادِقِ (عَ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ حِينَ قَضَى مَنَاسِكَهُ وَوَقَفَ بِمِنَى فِي حِجَّةِ الوَدَاعِ:
"أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ وَاعْقِلُوهُ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ فِي هَذَا المَوْقِفِ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: هَذِهِ الأَيَّامُ. قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَهُ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، أَلَا وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلِيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَلَا مَالُهُ إِلَّا بِطِيبَةِ نَفْسِهِ، فَلَا تَظْلِمُوا أَنْفُسَكُمْ، وَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا".
وَعَنِ الصَّادِقِ (عَ) فِي رَجُلٍ يَقْتُلُ رَجُلًا مُؤْمِنًا، قَالَ يُقَالُ لَهُ: "مُتْ أَيَّ مِيتَةٍ شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ يَهُودِيًّا، وَإِنْ شِئْتَ نَصْرَانِيًّا، وَإِنْ شِئْتَ مَجُوسِيًّا".
3- أَمَّا الأَحَادِيثُ الشَّرِيفَةُ فِي ذِكْرِ الزِّنَا فَمِثْلُ مَا فِي الوَسَائِلِ (20 / 310): قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عَ): إِذَا زَنَى الزَّانِي خَرَجَ مِنْهُ رُوحُ الإِيمَانِ وَإِنِ اسْتَغْفَرَ عَادَ إِلَيْهِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الشَّارِبُ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عَ): وَكَانَ أَبِي يَقُولُ: إِذَا زَنَى الزَّانِي فَارَقَهُ رُوحُ الإِيمَانِ. قُلْتُ: وَهَلْ يَبْقَى فِيهِ مِنَ الإِيمَانِ شَيْءٌ أَوْ قَدِ انْخَلَعَ مِنْهُ أَجْمَعُ؟ قَالَ: لَا بَلْ فِيهِ، فَإِذَا قَامَ عَادَ إِلَيْهِ رُوحُ الإِيمَانِ.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَ) قَالَ: وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ): قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): إِذَا كَثُرَ الزِّنَا مِنْ بَعْدِي كَثُرَ مَوْتُ الفُجْأَةِ.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَ) قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): فِي الزِّنَا خَمْسُ خِصَالٍ: يَذْهَبُ بِمَاءِ الوَجْهِ، وَيُورِثُ الفَقْرَ، وَيَنْقُصُ العُمُرَ، وَيُسْخِطُ الرَّحْمَنَ، وَيُخَلِّدُ فِي النَّارِ، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ النَّارِ.
وَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ (عَ): اتَّقِ الزِّنَا فَإِنَّهُ يَمْحَقُ الرِّزْقَ وَيُبْطِلُ الدِّينَ.
4- وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إِطْلَاقُهُ القَوْلَ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ القَاتِلِ مُطْلَقًا، وَهَذَا بِخِلَافِ الزِّنَا الَّذِي أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ التَّوْبَةِ مِنْهُ، فَقَدْ قَالَ العَلَّامَةُ فِي التَّحْرِيرِ (5 / 415): وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء/ 93، نَزَلَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ: (وَلا يقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفُرْقَانُ/ 68- 70، بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَدْخُلْهَا النَّسْخُ.
5- وَرَدَ أَيْضًا فِي مُنَاظَرَةِ الإِمَامِ لِأَبِي حَنِيفَةَ مَا يُشِيرُ إِلَى عِظَمِ ارْتِكَابِ القَتْلِ عَلَى الزِّنَا فِي النَّقْضِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ لِاسْتِعْمَالِهِ القِيَاسَ فِي الدِّينِ، فَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَ) أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي احْتِجَاجِهِ عَلَيْهِ فِي إِبْطَالِ القِيَاسِ: أَيُّهُمَا أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ القَتْلُ أَوْ الزِّنَا؟ قَالَ: بَلِ القَتْلُ: فَقَالَ (عَ): فَكَيْفَ رَضِيَ فِي القَتْلِ بِشَاهِدَيْنِ وَلَمْ يَرْضَ فِي الزِّنَا إِلَّا بِأَرْبَعَةٍ؟!
فَهُوَ يُشِيرُ إِلَى كَوْنِ عِظَمِ القَتْلِ عَلَى الزِّنَا مِنْ المُسَلَّمَاتِ. وَاللهُ العَالِمُ بِحَقَائِقِ الأُمُورِ.
وَدُمْتُمْ سَالِمِينَ.
اترك تعليق