ما صحّةُ الرواية عن الامام عليٍّ (ع) عن غلاءَ الاسعار ؟
ما صحّةُ هذهِ الرواية: أنَّ الناسَ اشتكوا إلى أميرِ المؤمنينَ الإمامِ عليٍّ (ع) غلاءَ اللحمِ فقالوا له: سَعّرهُ لنا، فقالَ لهم: أرخِصوه أنتُم؟
الجوابُ: بعدَ البحثِ والتدقيقِ في كتبِ الحديثِ والتاريخِ والسّيرِ لم نجِد هذا الأثرَ منسوباً إلى أميرِ المؤمنين الإمامِ عليٍّ (ع)، وإنّما وجدناهُ منسوباً إلى أحدِ زُهّادِ الصوفيّةِ المَعروفين، وهوَ: إبراهيمُ بنُ أدهمَ العجليّ الكوفيّ، كما في تاريخِ دمشق لابنِ عساكر (ج6/ص282)، وفي البدايةِ والنهاية لابنِ كثير (ج10/ص145)، وسراجِ الطالبينَ شرحُ منهاجِ العابدين للغزاليّ (ج1/ص234) للسيّدِ أحمد بنِ زيني دحلان، والرسالةِ القشيريّةِ لأبي القاسمِ القشيريّ (ص36)، وغيرِها منَ الكُتب، إذ وردَ فيها ما يلي: قيلَ لإبراهيم بنِ أدهم: إنَّ اللحمَ قد غلا، فقالَ: أرخِصوه: أي لا تشتروه.
وطِبقاً لِـما وردَ في كتبِ تراجمِ العامّةِ كتهذيبِ الكمالِ للمزّيّ، وتهذيبِ التهذيب لابنِ حجرٍ العسقلانيّ، وإكمالِ تهذيبِ الكمالِ للحافظِ مغلطاي، وغيرِها، فإنّ إبراهيمَ بنَ أدهم ممدوحُ السيرةِ عندَهم، وهوَ يُعدُّ مِن أصحابِ عبدِ الله بنِ المُبارك صاحبِ كتابِ الزّهدِ المعروف.
وكذلكَ طبقاً لِـما هوَ مشهورٌ مِن مذهبِ الصوفيّةِ وتعلّقِهم بأميرِ المؤمنينَ الإمامِ عليٍّ (ع) واهتمامِهم به وبما جاءَ عنه، معَ قطعِ النظرِ عن صحّةِ مُعتقدِهم، فنحنُ نميلُ إلى أنَّ إبراهيمَ بنَ أدهم قد استفادَ هذا القولَ وقاسَه بما هوَ معروفٌ ومشهورٌ عن أميرِ المؤمنينَ الإمامِ عليٍّ (ع) في قصّةِ الزبيبِ التي رواها الكثيرُ مِن أصحابِ التراجمِ والسير، ككتابِ تاريخِ ابنِ مُعين - للدوري - (ج 1 / ص 86) بإسنادِه إلى رزينٍ بنِ الأعرج مولى لآلِ العبّاس قالَ: غلا علينا الزبيبُ بمكّةَ فكتَبنا إلى عليٍّ بنِ أبي طالب بالكوفةِ أنّ الزبيبَ غلا علينا بمكّة؛ فكتبَ أن أرخصوه بالتمر. ولكن وردَت كلمةُ الزبيبِ مُصحّفةً إلى (الزيت) في التاريخِ الكبيرِ للبُخاري- (ج 3 / ص 325) وفي كتابِ المُؤتلفِ والمُختلِف للدارقطنيّ (ج2/ص555)، وردَت العبارةُ هكذا: غلا (الزيتُ) علينا بمكّة، فكتَبنا إلى عليٍّ بالكوفة، فكتبَ أرخصوهُ بالثمن.
والصوابُ: ما وردَ في تاريخِ ابنِ معين، بقرينةِ ما وردَ في ذيلِ الأثر: (أرخصوهُ بالتمر).
والمعنى: أي استبدلوهُ بشراءِ التمرِ الذي كانَ مُتوفّراً في الحجازِ وأسعارُه رخيصةٌ، فيقلُّ الطلبُ على الزبيبِ فيرخُص.
ثُمَّ هاهُنا تنبيهان: أحدُهما: أنَّ هذا الأثرَ حاولَ كثيرٌ مِن أصحابِ النفوسِ الضعيفةِ أن ينسبَه إلى الخليفةِ عُمر بنِ الخطّاب، بل بعضُهم جعلَه مِن عبقريّته، كما هوَ منشورٌ بكثرةٍ على كثيرٍ مِن مواقعِ التواصلِ الاجتماعيّ، ولكن لا دليلَ عندَهم على ذلكَ مُطلقاً.
والتنبيهُ الآخر: أنَّ هذا الأثرَ يستفادُ منهُ فائدةٌ عظيمةٌ في القضايا الاقتصاديّةِ للبُلدان عموماً والأفرادِ خصوصاً في كيفيّةِ توفيرِ البدائلِ المُناسبةِ لمُتطلّباتِ الحياةِ الاجتماعيّةِ للناس، وبذلكَ نستطيعُ الحدَّ مِن جشعِ التجّارِ والمُحتكرينَ لكثيرٍ منَ المواد، ويمكنُ تطبيقُه في مجالاتٍ شتّى. ودُمتم سالِمين.
اترك تعليق