من هم الشيعة؟

من هم الشيعة؟ وهل هم مسلمون؟

الجواب :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

الشيعةُ هُم ثاني أكبرِ طائفةٍ منَ المُسلمين. عُرِفُوا تاريخيّاً بـ «شيعةِ عليّ» أو «أتباعِ عليّ». ويرى الشيعةُ الاثنا عشريّة أنَّ الإمامَ عليّاً بنَ أبي طالب هوَ وأحدَ عشرَ إمامًا مِن ولدِه (مِن زوجتِه فاطمةَ بنتِ النبيّ محمّد) هُم أئمّةٌ مُفترضو الطاعةِ بالنصِّ السماوي، وأنّهم المرجعُ الرئيسُ للمُسلمينَ بعدَ وفاةِ النبيّ الأكرمِ محمّد (ص). ويستندونَ في ذلكَ إلى عدّةِ أدلّةٍ ورواياتٍ صحيحةٍ عن النبيّ الأكرمِ (ص) في هذا الصّدد، مِنها: حديثُ الثقلين: «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين كتابَ اللهِ وعِترتي أهلَ بيتي ما إن تمسّكتُم به لن تضلّوا بعدي؛ أحدُهما أعظمُ منَ الآخر؛ كتابُ اللهِ حبلٌ ممدودٌ منَ السماءِ إلى الأرض وعِترتي أهلَ بيتي ولن يتفرّقا حتّى يرِدا على الحوضِ فانظروا كيفَ تخلفوني فيهما». وحديثُ المنزلةِ، وحديثُ الغدير، وحديثُ الخُلفاءِ القرشيّينَ الاثني عشر، وغيرُها. 

هذا وإنَّ أصلَ تسميةِ الشيعةِ حسبَ اللّغةِ، الأتباعُ والأعوان. اُخذَت منَ الشياعِ والمُشايعةِ بمعنى المُتابعةِ والمُطاوعة. قالَ ابنُ منظور في لسانِ العرب في مادّةِ [ش ي ع]: الشيعةُ كلُّ قومٍ اجتمعوا على أمرٍ فهُم شيعةٌ. وكلُّ قومٍ أمرُهم واحدٍ يتّبعُ بعضُهم رأيَ بعضٍ فهُم شيعةٌ، والجمعُ شِيَعٌ. وقد غلَبَ هذا الاسمُ على مَن يَتَوالى عَلِيّاً وأَهلَ بيتِه. [ينظر: مفرداتُ ألفاظِ القرآنِ للرّاغبِ الأصفهانيّ، ومُختارُ الصِّحاحِ للرّازيّ، مادّةُ شيع].

وأمّا بحسبِ الاصطلاح، فتؤكّدُ المصادرُ التاريخيّةُ أنَّ مُفردةَ التشيّعِ والشيعةِ بمعنى أتباعِ عليٍّ بنِ أبي طالب عليهِ السلام والمُحبّينَ لهُم إنّما وردَت لأوّلِ مرّةٍ على لسانِ النبيّ الأكرم (ص)، إذ روى مُحدّثو أهلِ السنّةِ عن جابرٍ بنِ عبدِ الله الأنصاري أنّه قال [٩]: «كُنّا عندَ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله فأقبلَ عليٌّ عليهِ السلام، فقالَ النبيّ (ص): «والذي نفسي بيدِه إنَّ هذا وشيعتَه لهُم الفائزونَ يومَ القيامة»، ثمَّ نزلَ قولهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ﴾.[ينظر: الدرُّ المَنثور للسيوطيّ ج6/ص376]

وقد وردَ في رواياتٍ كثيرةٍ أنَّ المُرادَ مِن قولِه تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ﴾ هُم عليٌّ عليهِ السلام وشيعتُه.

وفي روايةٍ أخرى ذكرَها ابنُ حجر: «يا عليّ، أنتَ وأصحابُك في الجنّةِ أنتَ وشِيعتُك في الجنّة».[ينظر: الصواعقُ المُحرقةُ لابنِ حجرٍ الهيتمي ص161]

ومِن هُنا صارَ الاستعمالُ النبويُّ لهذهِ المُفردة- وعلى مرِّ التاريخ – وصفاً لمَن يوالي عليّاً ويسيرُ على نهجِه ويحبُّه ويجالسُه وأنّهم شيعةُ عليٍّ عليهِ السلام.

وعليهِ يكونُ المُؤسّسُ للتشيّعِ وأوّلُ مَن وضعَ بذرتَه في حقلِ الإسلامِ هوَ نفسُ صاحبِ الشريعةِ الإسلاميّة، قالَ الشيخُ حُسين كاشِف الغطاء بعدَ استعراضِه للأحاديثِ النبويّةِ التي تمدحُ عليّاً عليهِ السلام وشيعتَه: «والقُصارى إنِّي لا أحسبُ أنَّ المُنصفَ يستطيعُ أن يُنكرَ ظهورَ تلكَ الأحاديثِ وأمثالَها في إرادةِ جماعةٍ خاصّةٍ منَ المُسلمينَ، ولهُم نسبةٌ خاصّةٌ بعليٍّ عليهِ السلام، يمتازونَ بها عن سائرِ المُسلمينَ الَّذينَ لم يكُن فيهم ذلكَ اليوم مَن لا يحبُّ عليّاً عليه السلام، فضلاً عن وجودِ مَن يُبغِضُه».[ينظر: أصلُ الشيعةِ وأصولُها ص187].

والجديرُ بالذكرِ أنَّ المُسلمينَ في ذلكَ الوقتِ لم يكونوا قد انقسموا إلى فريقينِ شيعةٍ وسُنّة، وإنّما حصلَ ذلكَ بعدَ رحيلِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله والاجتماعِ في سقيفةِ بني ساعدةَ واختيارِ أبي بكرٍ كخليفةٍ لرسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله على المُسلمين، الأمرُ الذي واجهَ اعتراضَ عليٍّ بنِ أبي طالب عليهِ السلام وجميعِ بني هاشم وسلمانَ الفارسي وأبي ذرٍ الغفاري والمقدادِ بنِ الأسود وعمّارٍ بنِ ياسر وابنِ التيهان وعثمانَ بنِ حنيف وغيرِ هؤلاءِ منَ الصّحابةِ والمُشايعينَ لعليٍّ عليهِ السلام، ومِن هُنا بدأت تنمو بذرةُ التشيّعِ لعليٍّ عليهِ السلام؛ لأنّهم يُؤمنونَ بوجوبِ إطاعةِ أوامرِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وآله في هذا المجال، ولا يحقُّ لأحدٍ أن يُعمِلَ رأيَه أو يجتهدَ في مُقابلِ النصِّ النبوي، ومِن ذلكَ الوقتِ بدأ التمايزُ بينَ الشيعةِ والسنّةِ يطفو على السطح. [ينظرُ كتاب: نشأةُ التشيّعِ والشيعةِ ص63 وما بعدَها].

وعلى مدارِ التاريخِ الإسلاميّ، أُطلِقَت لفظةُ «شيعة» على العديدِ منَ الحركاتِ الإسلاميّةِ مثلَ شيعةِ عُثمان وشيعةِ مُعاوية وغيرِهم. إلّا أنَّ لفظةَ الشيعةِ وحدَها تُعتبرُ عَلماً لشيعةِ عليٍّ ومُتّبعيه.

ويرى الشيعةُ أنَّ عليّاً بنَ أبي طالب هوَ ونسلُه مِن زوجتِه فاطمةَ بنتِ النبيّ مُحمّدٍ المرجعَ الرّئيسيَّ للمُسلمينِ بعدَ وفاةِ النبيّ. ويطلقونَ عليهِ اسمَ الإمامِ الذي يجبُ اتّباعُه دونَ غيرِه طِبقاً لِما وردَ عن النبيّ الأكرمِ (ص) في الحديثِ الصحيحِ الثابتِ بينَ الفريقين المُسمّى بالثقلين ونصُّه: (إنّي تاركٌ فيكُم الثقلين كتابَ اللهِ وعِترتي أهلَ بيتي، وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يرِدا على الحوضِ فانظروا كيفَ تخلفوني فيهما)، وفي روايةٍ أخرى: (وإنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتُم به لن تضلّوا بعدي; أحدُهما أعظمُ منَ الآخر ; كتابُ اللهِ حبلٌ ممدودٌ منَ السماءِ إلى الأرض وعِترتي أهلَ بيتي ولن يتفرّقا حتّى يرِدا على الحوضِ فانظروا كيفَ تخلفوني فيهما)[ينظر: مسندُ أحمدَ بنِ حنبل ، مسندُ أبي سعيدٍ الخُدري ومُسندُ زيدٍ بنِ ثابتٍ ومُسندُ زيدٍ بنِ أرقم].

هذا فضلاً عن وجودِ أحاديثَ صحيحةٍ نوّهَت بمقامِ أهلِ البيتِ (ع) عموماً ومقامِ أميرِ المؤمنينَ (ع) خصوصاً كحديثِ مثلُ أهلِ بيتي مثلُ سفينةِ نوح مَن ركبَها نجا ومَن تخلّفَ عَنها غرِق وهوى، وحديثُ الغديرِ وحديثُ المنزلةِ وغيرُها.

ولذا يؤمنُ الشيعةُ خلفاً عن سلف بأنَّ التشيّعَ هوَ الإسلامُ ذاتُه، ويتبنّاهُ الشيعةُ أنفسُهم، إذ يرونَ أنَّ المذهبَ الشيعيَّ أصلاً لم يظهَر بعدَ الإسلامِ وإنّما يعتقدونَ بأنّه الإسلامُ ذاتُه ويرونَ أنَّ المُسلمَ التقيَّ والمؤمنَ الورعَ يجبُ أن يتشيّعَ ويوالي عليّاً بنَ أبي طالب وأولادَه مِن بعدِه، وبالتالي فإنَّ التشيّعَ هوَ ركنٌ مِن أركانِ الإسلامِ الأصيل وضعَ أساسَه النبيُّ محمّد نفسُه على مدارِ حياتِه، وأكّدَه قبلَ موتِه في يومِ غديرِ خُم عندَما أعلنَ الولايةَ لعليٍّ مِن بعدِه. كما يرونَ أنَّ الطوائفَ الإسلاميّةَ الأخرى هيَ المُستحدثةُ ووضعَت أسسُها مِن قبلِ الحُكّامِ والسلاطينِ وغيرِهم مِن أجلِ الابتعادِ عن الإسلامِ الذي أرادَه النبيُّ مُحمّد (ص) في الأصل.

ولكن ما تعرّضَ لهُ الشيعةُ مِن اضطهادٍ وقتلٍ وتنكيلٍ وكثيرٍ منَ الفظائعِ فضلاً عمّا كانَ يشيعُه الإعلامُ المُضلّلُ بوسائلَ شتّى قد شكّلَ الأثرَ الكبيرَ في إخفاءِ كثيرٍ منَ الحقائقِ عبرَ التاريخ، ولذا كانَ عُلماؤنا الأعلامُ يتصدّونَ لهذهِ المؤامراتِ وهذا الإعلامِ المُضلِّلِ بحسبِ ما توفّرَت لهُم مِن إمكانيّاتٍ وظروفٍ أمنيّةٍ سليمة. ويبقى الأمرُ على العاقلِ المُنصفِ الذي يتتبّعُ بنفسِه مثلَ هذه الحوادثِ التي مرَّت بالمسلمينَ فيقرأُ ويسألُ ويتابعُ بتقوى وصبرٍ شديدٍ معَ طلبِ العونِ والسدادِ منَ اللهِ تعالى في الوصولِ إلى حقائقِ الأمور، فإن شاءَ اللهُ تعالى سيوفّقُه إلى الحقِّ الأبلج. قالَ تعالى: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ} [يوسف : 90].[ ينظرُ كتابُ: الشيعةُ هُم أهلُ السّنّةِ -وكتابُ ثمَّ اهتديتُ التيجانيُّ السماوي].