لماذا لم يتزوج النبي (ص) على خديجة؟

ماهو الرد على من يقول إن الله لم يشرع لمحمد (ص) الزواج من غير خديجة الا بعد وفاتها.. لان خديجة ذات قدرة مالية وشخصية قوية منعت محمد من الزواج من غيرها!؟

: فريق اللجنة العلمية

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}

[أولاً] هذي دعوى عُهدتها على مدَّعيها، وهو مسؤول عن إثباتها؛ فإنَّ مصادر المسلمين ـ شيعة وسنة ـ خالية منها.

ثم إنَّ نفس الدعوى متهافتة؛ فتارة تنسِب عدم زواج النبي (ص) بغير خديجة (ع) لتشريع الله (سبحانه)، وتارة تنسِبه لقوة شخصية خديجة (ع) وقدرتها المالية!

فإنْ كانت تشريعاً من الله ـ كما يُقال ـ فلماذا لا يوجد في النصوص الدينية لها عينٌ ولا أثر؟!

وإن كانت لقوة شخصية خديجة (ع) وقدرتها المالية؛

فإنها (ع) وإن كانت ذات شخصية ومالية بالفعل، ولكن لا توجد ولا رواية تفيد: أنها (ع) فرضتْ شيئاً على النبي (ص) أو قايضته بشيء. بل بالعكس تماماً، الروايات مطبِقة على أنها (ع) منسجمة للغاية معه (ص)!

فبذلتْ له (ص) نفسها وجاهها ومالها، عن قناعة ومحبة، وآزرته وناصرته (ص) في أصعب ظروف الدعوة الإسلامية، لدرجة أنه (ص) إذا أتعبته المشكلات وجد عندها الراحة.

ولشدة أدبها واحترامها معه (ص)، ما كانت تدعوه باسمه الشريف مجرَّداً، بل كانت تناديه: (رسول الله) أو (نبي الله) أو (سيدي) .. هكذا كان سَمْتُها وهَدْيُها (ع).

ولذلك هي (ع) امتلكتْ عليه (ص) وجدانه وضميره؛ فما برح يذكرها بخير دوماً، وبقي وفياً لها فترة عمره الشريف، حتى تبرَّمتْ من كثرة إطرائه لها بعض نسائه ..

روى البخاري في صحيحه: ج٧/ ص٣٦/ ح٥٢٢٩، وغيره في غيره، من عدة طرق، وبعدة ألفاظ، عن عائشة قالت:

«ما غرتُ على امرأة لرسول الله (ص)، كما غرتُ على خديجة؛ لكثرة ذِكر رسول الله (ص) إياها، وثنائه عليها».

وإن كانت الدعوى: أن الله (تعالى) ما شرَّع لنبيِّه (ص) الزواج على خديجة (ع)، لكونها ذات شخصية ومالية؛

فتزيد في الطين بلَّة؛ لأنها دعوى بالاطلاع على عِلَّة الحُكم الشرعي، في حين لم يثبت الحُكم أصلاً، حتى تثبت عِلَّته!

[ثانياً] اتفق المسلمون: أن السيدة خديجة (ع) أُولى زوجات رسول الله (ص)، ما تزوج سواها في حياتها ..

• روى الكليني في الكافي: ج٥/ ص٣٩١/ ح٦، بإسناد صحيح، عن الإمام الصادق (ع) قال: «إن رسول الله (ص) لم يتزوج على خديجة».

• روى مسلم في صحيحه: ج٧/ ص١٣٤/ ح٢٤٣٦-٧٧، عن عائشة قالت: «لم يتزوج النبي (ص) على خديجة حتى ماتت».

وليس ذلك لما يزعمه الزاعم: أن الله لم يشرِّع لنبيِّه (ص) الزواج من غير خديجة (ع) إلا بعد موتها، أو لقوة شخصية خديجة (ع) وقدرتها المالية .. فهذي دعوى لا دليل عليها.

بل لعدة أسباب موضوعية، منها مثلاً:

١- اكتفاؤه (ص) بها (ع)؛ فما كان في نساء الدنيا كُفْءٌ له سواها، لا قبلها ولا بعدها.

٢- أنها (ع) أفضل نساء العالمين في وقتها مطلقاً، ما عدا ابنتها الصدِّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (ع).

٣- أنها (ع) من سيدات نساء الجنة الأربع: مع بنتها فاطمة، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم (ع).

٤- شدَّة وفائه وإخلاصه (ص) لها (ع)؛ لأنها صدَّقته لمَّا كذَّبه الناس، وآمنتْ به لمَّا كفر به الناس، وأعطته لمَّا حرمه الناس، وآوته لمَّا طرده الناس، ونصرته لمَّا خذله الناس، وخاضت معه أعظم جهاد رسالي عرفه التاريخ.

٥- اجتماع التديُّن والحكمة والأخلاق والتدبير والجمال والعفاف والشرف في شخصيتها (ع)، هذا باعتراف الجميع لها.

فهل يجتمع الكمال في شخصية يختارها الله لنبيِّه (ص)، ثم يبحث له عن مستوى أقلَّ منها بمراتب شاسعة؟!

ولا بأس هنا بإيراد بعض صور كمالاتها (ع) ..

• روى الرَّضي بنهج البلاغة: خ١٩٢/ ص٣٠٠-٣٠١، عن أمير المؤمنين (ع) ـ في خطبة طويلة ـ قال: «ولم يجمع بيتٌ واحدٌ يومئذٍ في الإسلام، غيرَ رسول الله (ص) وخديجة (ع) وأنا ثالثهما».

• روى أحمد في المسند: ج٤/ ص٤٠٩/ ح٢٦٦٨، وج٥/ ص٧٧/ ح٢٩٠١، وص١١٣/ ح٢٩٥٧، بسند صحيح، وروى الصدوق في الخصال: ب٤/ ص٢٠٥-٢٠٦/ ح٢٢، من نفس الطريق، واللفظ له:

عن ابن عباس قال: «قال رسول الله (ص): أفضل نساء الجنة أربع: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون». وفي رواية أخرى له: ح٢٣، «خير نساء الجنة».

• روى البخاري في صحيحه: ج٤/ ص١٦٤/ ح٣٤٣٢، وج٥/ ص٨٣/ ح٣٨١٥، ومسلم في صحيحه: ج٧/ ص١٣٢/ ح٢٤٣٠-٦٩، واللفظ له:

عن عليٍّ قال: «سمعتُ رسول الله (ص) يقول: خيرُ نسائها مريم بنت عمران، وخيرُ نسائها خديجة بنت خويلد». قال أبو كريبٍ: وأشار وكيعٌ إلى السماء والأرض!

• روى البخاري في صحيحه: ج٥/ ص٣٩/ ح٣٨٢٠، ومسلم في صحيحه: ج٧/ ص١٣٣/ ح٢٤٣٢-٧١، واللفظ للبخاري:

عن أبي هريرة قال: «أتى جبريلُ النبيَّ (ص)، فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت، معها إناء فيه إدام ـ أو طعام، أو شراب ـ فإذا هي أتتك، فاقرأ عليها السلام من ربِّها ومنِّي، وبشِّرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب».

• روى أحمد في المسند: ج٤١/ ص٣٥٦/ ح٢٤٨٦٤، بسند حسن، عن عائشة قالت:

«كان النبي (ص) إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء! قالت: فغرتُ يوماً فقلتُ: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشِّدق، قد أبدلك الله (عز وجل) بها خيراً منها! قال: ما أبدلني الله (عز وجل) خيراً منها؛ قد آمنتْ بي إذ كفر بي الناس، وصدَّقتني إذ كذَّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله (عز وجل) ولدها إذ حرمني أولاد النساء».

[ثالثاً] لو تنازلنا عن كل ذلك؛ فليس لأحد مِنَّة على رسول الله (ص)، لا لخديجة (ع) ولا لغيرها كائناً مَنْ كان.

ذلك لأن خديجة (ع) هي مَنْ شرُفتْ بخطبة النبي (ص) إلى نفسها وليس العكس، كما ثبت في السيرة والتاريخ؛

• روى الحميري في قرب الإسناد: ص٣٢٥/ ح١٢٢٨، بسند صحيح، عن الإمام الصادق (ع) ـ في حديث طويل ـ قال:

«وكان (ص) عند خديجة بنت خويلد، فرغبتْ في تزويجه، وهي سيدة نساء قريش، وقد خطبها كلُّ صنديد ورئيس، قد أبتهم، فزوَّجته نفسها».

• روى الكليني في الكافي: ج٥/ ص٣٧٤-٣٧٥/ ح٩، عن الإمام الصادق (ع) ـ في حديث طويل ـ قال:

«فقالت خديجة مبتدئة: يا عمَّاه؛ إنك وإن كنتَ أولى بنفسي منِّي في الشهود، فلستَ أولى بي من نفسي! قد زوَّجتك يا محمد نفسي، والمهر عليَّ في مالي، فأمر عمَّك فلينحر ناقة، فليولِم بها، وادخل على أهلك».

ثم لرسول الله (ص) الولاية المُطْلَقة عليها وعلى غيرها، لا يجوز شرعاً الاعتراض على حُكمه (ص).

• قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب - الآية ٦].

• وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب - الآية ٣٦].

فلو أراد (ص) أن يتزوَّج بغيرها في حياتها (ع)؛ فله الحق الشرعي، وحُكمه نافذ، وعليها التسليم والرضا.