هل للرسول حق التشريع
هل للرسول صلاحية التشريع أم أنه مقيّد بالتبليغ فقط؟
الجواب:
لكي تتضح الإجابة على هذا السؤال لابد من تحديد المسار الصحيح الذي يجب اتباعه لمناقشة هذه القضية، فأول ما يجب معرفته هو إمكانية ذلك عقلاً وشرعاً، وبمعنى آخر هل هناك مانع أن يكون لرسول الله صلاحية التشريع أم لا؟
من البديهي أن المانع العقلي في ذلك يعود إلى كونه رسول مكلف بتبليغ رسالة الله تعالى، وبالتالي لا يجوز له التصرف بالزيادة أو النقصان من عند نفسه، إلا أن ذلك المانع كما هو واضح يرتفع بمجرد وجود إذن إلهي يسمح لرسوله بالتشريع سواء كان بشكل جزئي أو كلي، وعليه ينحصر البحث عن وجود مثل هذا التفويض والاذن الإلهي.
وفي حال وجود مثل هذا التفويض ينحصر البحث حول حدود هذا التفويض سعةً وضيقاً، مضافاً إلى نوع المسائل والموضوعات التي يسمح له بالتشريع فيها.
وإذا عدنا إلى السؤال الأول وهو؛ هل فوض الله لرسوله امر التشريع الكلي أو الجزئي؟
من المؤكد أن هناك روايات كثيرة صرحت بتفويض الله لرسوله أمر التشريع، ففي الجزء الأول من أصول الكافي هناك عشرة روايات في هذا المضمون صنفها الكليني ضمن باب واحد، فعلى سبيل المثال منها حديث عن الامام الباقر والامام الصادق عليهما السلام قالا: (ان اللّه تبارك وتعالى فوض الى نبيه امر خلقه لينظر كيف طاعتهم، ثم تلى هذه الاية: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، وفي حديث آخر عن الامام الصادق عليه السلام قال: (ان اللّه عزوجل ادب نبيه على محبته فقال: ﴿وانك لعلى خلق عظيم﴾، ثم فوض اليه فقال عزوجل: ﴿وما آتـاكـم الـرسـول فـخـذوه ومـا نـهـاكم عنه فانتهوا﴾، وقال عزوجل: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾.
وقـد جـاء فـي بعض هذه الروايات أن رسول الله مارس بالفعل أمر التشريع في بعض المسائل، منها: ان اللّه تبارك وتعالى جعل الصلاة ركعتين واضاف الرسول صلى الله عليه واله ركعتين اخريين عليهما في صلوات الظهر والعصر والعشا، وركعة واحدة في المغرب، وقد جعلت هذه الزيادة واجبة لا تقوم فريضة الصلاة إلا بها، هذا مضافاً لتشريعه صلى الله عليه وآله لبعض الصلوات المستحبة والتي تعرف بالنوافل، كما أضاف صلى الله عليه وآله على صيام رمضان صيام شهر شعبان وثلاث أيام من كل شهر على نحو الاستحباب.
وهنا يجب الرجوع إلى السؤال الثاني وهو؛ ما هي حدود هذا التفويض؟
ومن البديهي أن هذا التفويض إما أن يكون كلياً وإما أن يكون جزئياً.
والمستفاد من الروايات هو التفويض الجزئي وإن كان الله قد أعطاه الولاية اجمالاً على التشريع، فلم يثبت عنه إلا بعض الموارد التي قد لا تتجاوز العشرة موارد.
وبمعنى آخر أن اللّه تبارك وتعالى قد اعطاه هذه الصلاحية في التشريع ولم يمارس الرسول هذه الولاية إلا في بعض الموارد التي امضاها الله تعالى له.
وبدون هذه التفويض الإجمالي لما تمكن الرسول من أمر الحكومة والتدبير والسياسة وتربية النفوس والمحافظة على النظام، فمثلاً الرسول مفوض في أمر العطاء والمنع من بيت المال، فيعطي من يرى فيه الصلاح ويمنع من لا يرى فيه ذلك، كما أنه مفوض في ما يتعلق بأمر التزكية والتعليم وغير ذلك من شؤن الرسالة والتبليغ.
ويبدو أن الحِكمة من إعطاء الرسول هذه المرتبة هي بيان عظمة الرسول ومقامه فكل ما يفعله ويأمر به ليس للهوى سبيل إليه، فقد ايده الله بروح القدس حتى أصبح أمره من أمره الله تعالى.
كما أن الله امتحن خلقه بطاعة انبيائه وجعل التسليم لهم تسليم له.
وفي المحصلة ليس هناك محظور في كون الرسول مفوض في امر التشريع طالما كان ذلك بأمر الله واذنه، فكون الرسول مفوض يعني أنه لا يمتلك إرادة خاصة غير إرادة الله تعالى، فهو المعصوم المطهر من كل عيب ونقص، قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ادبني ربي فأحسن تأديبي).
اترك تعليق