التًّعَامُلُ مَعَ الرُّوَايَاتِ يَحتَاجُ إِلَى تَخَصُّصٍ وٱخْتِصَاصٍ.

Saad Iraqii: السَّلامُ عليكُم، أَوَّلاً الشِّيعةُ مُلزَمُونَ بِتقليدِ مَراجِعِ التَّقليدِ في الأَحكامِ الشَّرعيَّةِ ومِن خِلالِ قِرآءَآتي لِكُتُبِ التًّفسيرِ وما يُنشَرُ في غَيرِ الأَحكامِ الشَّرعيَّةِ وجَدتُّ الكثيرَ مِنَ الآرآءِ تَتناقَضُ مع أَحادِيثِ ورُواياتِ المَعصُومينَ (عَليهمُ السًّلامُ) خُصُوصاً في العًقيدةِ والنُّصُوصِ العِلميَّةِ ولديًّ أًمثِلةٌ واضِحةٌ بذلكً فلذا ٱتَّخَذتُ مَوقِفاً بعدمِ قَبولِ ما يُنشَرُ مِن آرآء لِغيرِ المَعصُومينَ (عَليهمُ السًّلامُ) خُصُوصاً إِذا كانَ لديَّ ٱطِّلاعٌ مُسبَقٌ على النُّصُوصِ وتابًعتُ عِبرَ غُوغِل ما يَتعلَّقً بحقِّ التًّشريعِ فوجًدتُّ ما ذَكرتُمُوهُ دُونَ أَنْ أَعثرً على نَصِّ حَدِيثٍ أًو رُوايةٍ يُؤَكِّدُ رأْي العُلماءِ فأَتمًّنى أَنْ تَذكرُوا نَصَّاً شَرعيَّاً مِن حِدِيثٍ مُوَثَّقٍ أًو رُوايَةٍ صَحِيحةٍ تُؤَكِدُ ما قالَهُ العُلماءُ أًو أَنَّ إِمامَ حَرَمٍ ما حلًّلَهُ رَسولُ اللهُ (صَلًّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أَو حلَّلَ ما حرَّمَهُ أًو أَبطلَ حُكماً شَرعيَّاً أَو شَرَّعَ حُكماً شَرعيَّاً جديداً أًو غَيَّرَ نَصَّ حُكمٍ شَرعيٍّ كما أًتمَّنى مُستَقبلاً عدمَ الإِعتِمادِ على آرآءِ العُلماءِ في غَيرِ الأًحكامِ الشًّرعيَّةِ ما لمْ يكنْ مُدَعَّمَاً بنَصٍّ شَرعيٍّ مَوثُوقٍ مَعَ الشُّكرِ.

: اللجنة العلمية

الأَخُ المُحترَمُ:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

ما تَقولُهُ غيرُ مَقبولٍ على إِطلاقِهِ، ففي الرُّواياتِ يُوجدُ عامٌّ وخاصٌّ، ومُطلقٌ ومُقيَّدٌ، ونَصٌّ وظاهِرٌ، ومُجمَلٌ ومُبيِّنٌ، وما قِيلَ في ظَرفِ التَّقيَّةِ وما قِيلَ في غيرِ ذلكَ، وتُوجَدُ أَمامَ ٱسْتِفادةِ الأَحكامِ وغيرِها مِن رُواياتِهم (عَليهمُ السًّلامُ) سِلسِلةُ إِجرآءآتٍ على المُتَخصِّصِ مُراعاتُها حتَّى يَستَفيدَ المُرادَ الجِدِّيَّ مِن مَضامِينها. وحتَّى تكونَ الرُّوايةُ حُجَّةً ويُمكِنُ الأَخذُ بها ويَنبغي أَن تَحرِزَ صَحَّةَ سَندِها ووَثاقتِها أَوّلاً ثُمَّ يُشترَطَ أَنْ لا تُخالِفَ القُرآنَ الكريمَ، ولا تُخالِفَ العَقلَ القَطعيَّ، ولا تُخالِفَ الحَقائقَ العِلميَّةَ الثَّابِتةَ، ولا تُخالِفَ المُسَلَّمَاتِ في الشَّريعةِ، ولا تُخالِفَ ثُوابِتَ المَذهبِ، ولا تًكونُ صَادِرةً لِلتًّقيَّةِ، ولا تَكونُ مُعارِضةً لِروَايةٍ أُخرَى مِن مَروِيَّاتِنا، وإِذا كانَ لها مُعارِضٌ هلٌ هو مِنَ النَّوعِ المُستَقرِّ أَو غَيرِ المُستَقرِّ؟ وإِذا كانَ مِن نوعٍ غًيرِ المُستَقرٍّ هلْ يُمكِنُ جَمعُها جَمعاً عُرفيَّاً أَو لا؟ والمُستَقرُّ هلْ تُوجَدُ لهُ مُرجِّحاتٍ في المقامِ أَو لا..  فهَذهِ المَراحِلُ كُلُّها على الرُّوايةِ ٱجْتِيازُها حتَّى تَكونَ حُجَّةً ويُمكِنُ الأَخذُ بِها.

وهذا القَدَرُ مِن مَلحُوظاتِ الرُّوايَاتِ لا يُمكِنُ لأَحَدٍ  أَنْ  يَقومَ بهِ إِلَّا إِذا كانَ مِن أَهلِ الٱخْتِصاصِ وقد تَمَكَّنَ مِن عِدّةِ عُلومٍ أَهمُّها: المُقدِّماتُ كعُلومِ العربيَّةِ والبَلاغةِ والمَنطقِ والحَدِيثِ والرِّجالِ ثُمَّ عُلومِ الأُصُولِ وفِقهِ الحَدِيثِ والتَّفسيرِ ونَحوِها، فالتَّخَصُّصُ أَمرٌ مَطلوبٌ في عُلومِ الحَياةِ كُلِّها، وعلى هذا جَرَتَ سِيرَةِ العُقلاءِ، فأَنتَ مَثلاً  لا يَحِقُّ لكَ الٱعْتراضُ  على الوَصفةِ الطِّبِّيَّةِ الَّتي يُقدِّمها لكَ الطَّبيبَ في مَرَضٍ ما إِلَّا إِذا كنتَ مِن أَهلِ الإِختِصاصِ في المَرَضِ نفسِهِ وإِلًّا عَدَّ العُقلاءُ عَمَلَكَ هذا غَيرَ مَقبولٍ. وكذلكَ الحالُ بالنِّسبةِ لِلعلماءِ، فهُم أَهلُ ٱخْتِصاصٍ في عِملهِم ولا يَحِقُّ لكَ الإِعتِراضُ على أَقوالِهم إِلَّا إِذا كنتَ عالِماً مِثلَهُم، وشَهِدَ لكَ أَهلُ الخِبرةِ والعِلمِ أَنَّكَ بَلَغَتْ دَرجةُ العِلمِ والمَلَكَةِ فِيهِ فِعلاً.

أمَّا بالنِّسبَةِ لِمَا أَثَرْتَهُ مِن مَوضُوعِ حَقِّ التَّشريعِ لِلأَئِمَّةِ (عَليهمُ السَّلامُ)، فالأَمرُ ليسَ كما فَهِمتَهُ أَنتَ بِأَنَّ لهُم حَقَّ التَّحريمِ لِمَا أَحلَّهُ اللهُ (عَزَّ وجَلَّ) أَو تَحلِيلَ ما حَرَّمَ اللهُ، فهذا الفَهمُ غَريبٌ ولا نَدري مِن أَينَ جاءَكَ؟! بَلِ المَقصُودِ بِحقِّ التَّشريعِ أَنَّهُ هلْ ثَبَتَ حَقُّ تَشريعِ الأَحكامِ لِلنَّبِيِّ (َصلَّى اللهُ عَليهِ وآلهِ وسَلَّم) والأَئِمِّةِ (عليهِمُ السَّلامُ)، أَي هلْ جَعَلَ لهُم اللهُ (عَزَّ وجَلَّ) حَقِّ تَشريعِ أَحكامٍ مِن عِندِهم وتَكونُ كتَشرِيعاتِهِ سُبحانَهُ أَو لا يُوجَدُ مِثلُ هذا الحقِّ ؟!!

أَي كما رَوَى الشَّيخُ الصَّدوقُ بَسنِدٍ صَحيحٍ، عنْ زُرَارَةَ بنَ أَعيَن، قالَ: قالَ أُبُو جَعفرَ (عًليهِ السَّلامُ): كانَ الذي فرض اللهُ (عَزَّ وجَلَّ)، على العِبادِ عَشْرَ رَكعاتٍ، وفِيهِنَّ القِرآءةُ، وليسَ فِيهِنَّ وَهْمٌ ـ يَعني سَهوٌ ـ فَزادَ رَسُولُ اللهُ (صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلهِ) سَبعاً، وفِيهِنَّ السَّهوُ، وليسَ فِيهِنَّ القِرآءةُ. فمَن شَكَّ في الأُولَيَينِ، أَعادَ حتَّى يَحفَظَ ويَكونَ على يَقِينٍ، ومَن شَكَّ في الأَخيرَتَينِ عَمَلَ بالوَهْمِ [مَن لا يَحضَرُهُ الفَقِيهِ ج1 ص128 والوَسائِلُ ج8 ص187 و188 عنه].

وكما رَوَى الشَّيخُ الكُلَينيّ بِسنِدٍصَحيحٍ، عنْ عًلِيِّ بنِ إِبراهِيمَ، عنْ أَبيهِ، عنْ حَمَّادِ بنِ عِيسَى، عنِ حَرِيز، عنْ مُحَمَّدِ بنِ مُسلِمٍ، عنْ زُرَارَةَ، عَنهُما جَميعاً (عَليهِما السَّلامُ)، قالا: وَضَعَ أَميرُ المُؤمِنينَ (عَليهِ السَّلامُ)، على الخَيلِ العِتاقِ الرَّاعِيةِ، في كُلِّ فَرَسٍ، في كُلِّ عامٍ دِينارَينِ، وجَعَلَ على البَراذِينِ دِيناراً [وَسَائِلُ الشِّيعةِ ج9 ص78، والكافِي ج3 ص530 وتَهذِيبُ الأَحكامِ ج4 ص67 والإِسْتِبصارُ ج2 ص12].

 فهَذهِ مَسألةٌ خِلافيَّةٌ بَينَ الفُقهاءِ، كأَيِّ مَسألةٍ خِلافيَّةٍ بَينَ العُلماءِ  تَتعدَّدُ الآراءُ فِيها، فقد أَثبتَ بَعضُ العُلماءِ حَقَّ التَّشريعِ للِنَّبِيّ (صَلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّمَ) ولِلأَئِمَّةِ (عَليهمُ السَّلامُ) مَعَاً، وبعضهم حصر هذا الحَقَّ بالنَّبِيّ (صَلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّمَ) دُونَ الأَئِمَّةِ (عَليهمُ السَّلامُ)، ويُوجَدُ بابٌ  في أُصُولِ الكافِي ج1 ص 265 كِتابُ الحُجَّةِ بابُ التَّفوِيضِ إِلى رَسُولِ اللهِ وإِلى الأَئِمَّةِ، وتُوجَدُ مُناقَشةٌ بَينَ العُلماءِ حَولَ سَنَدِ بَعضِ هذهِ الرُّوَاياتِ ومَضمُونُها، أَنَّ هذا التَّفوِيضَ هلْ هُو تَفوِيضٌ في التَّشريعِ أَو تَفوِيضٌ في الحُكمِ والوَلايةِ؟، والبَحثُ في مَحلِّهِ مِن كُتُبِ عُلَمائِنا الاستدلالية. 

ودُمتُم سالِمِينَ