تحديد عمر الإنسان في هذه الدنيا

هل الله سبحانه وتعالى حدّد للإنسان كم يعيش من الزمن حين يولد؟

: السيد رعد المرسومي

الجواب:

لا شكّ ولا ريب في أنّ الله سبحانه وتعالى يعلم كلَّ شيءٍ، وقد حدّده بقدر معلوم. قال الله تعالى-: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر : 49]. وقال تعالى: (اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا). وقال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). وقال تعالى: وسع ربّنا كلّ شيءٍ علماً)، وغيرها من الآيات الكثيرة في هذا الباب.

ومن هنا فإنّ الله سبحانه وتعالى يعلم العمر الحقيقي لكل إنسانٍ في هذا الكون وكم سيبقى في هذه الدنيا قبل أنْ يخرج منها، وذلك لأن الله هو خالق هذا الإنسان ومدبّر أمره، وهو الذي سيميته حين يأتي أجله المحتوم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج : 5].

وقال تعالى. {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [غافر: 67].

ثُمَّ إنّ الآيات والأخبار تدل على أن الله تعالى خلق لوحين, أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات, أحدهما : اللوح المحفوظ الذي لا تغيّر فيه أصلاً ، وهو مطابق لعلمه تعالى, والآخر؛ لوح المحو والإثبات, فيثبت فيه شيئا ً ثم يمحوه لِحِكَم ٍ كثيرة لا تخفى على أولي الألباب " (ينظر: بحار الأنوار, ج 4/ص130 ).

ومن باب المثال نقول: لو ثبت في اللوح وكتب أنّ عمر (أحمد) خمسون سنة, فمعنى ذلك أنّ المقتضي لعمره إلى ذلك الحين موجود, مادام لم يقم بأعمال هي بذاتها موجبة لطول العمر كصلة الرحم أو صدقة ونحو ذلك, أو قام بأعمال موجبة لقصره كقطعية الرحم أو ظلم غيره ونحو ذلك. فإذا وصل (أحمد) رَحِمَهُ ستمحى الخمسون وتتحول إلى ستين عاما ً أما لو قطع رحمه فستمحى الخمسون وتتحول إلى أربعين سنة مثلاً.

وهذا الأمر معلومٌ من أخبار الرسل والحجج (عليهم الصلاة والسلام) أن الأعمال الحسنة التي يقوم بها الإنسان لها تأثير في صلاح أموره, والأعمال السيئة لها تأثير في فسادها, فيكون داعيا ً له إلى الخيرات صارفا ً عن السيئات" (ينظر: بحار الأنوار, ج 4/ص130).

وخير مثال على ذلك ما ورد في القرآن الكريم من أنّ البلاء الموعود لم يصب قوم يونس, بالرغم من أخبار نبيهم به, لدعائهم وتوسلهم بالله عزّ وجلّ في قوله تعالى : (( فلولا قرية ٌ آمنت فنفعها إيمانها إلّا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين )) (يونس:98).

وفي كتاب الكافي (ج2/ص469) بإسناده إلى الإمام الصادق (ع) أنّ الدعاء يردُّ القضاء بنقضه عما ينقض السلك وقد أبرم إبراماً.

نعم، الله عز وجلّ لم يُحدّد لنا أعمار عباده بعددٍ محدّدٍ من السنين، لا في كتابه العزيز، ولا في الأحاديث القدسيّة الواردة عنه، وإنّما بيّن لنا عموماً مراحل كيفيّة خلق الإنسان في أكثر من آية كريمةٍ - كما تقدم آنفاً - بيّنت أنّ لكلِّ إنسانٍ أجلاً لبقائه في رحم أمّه، ومن بعد ذلك فإنّه سيخرج من هذه الرحم إلى الدنيا، حتّى يبقى ما شاء الله تعالى له أنْ يبقى في هذه الدنيا ثُمَّ يأتي أجله الذي لا يُقدّم ولا يُؤخّر فيموت. وهذه حقيقة يؤمن بها كلّ من يقرّ لله تعالى بالخالقيّة والعبوديّة، وغيرها من الصفات، ولكن مع ذلك، فليس في آيات الكتاب العزيز تحديد أعمار البشر، بأنّ هؤلاء البشر مثلاً سيبقون مئة سنة، وأولئك سيبقون خمسين، وغيرهم سيبقون سبعين سنة، إذْ لم يرد مثل هذا التحديد في القرآن كما لا يخفى.

نعم، ورد في أحاديث من طرق العامّة أنّ أعمار أمّة النبيّ (ص) ما بين الستين والسبعين، كما في رواية الترمذي في سننه برقم 3550، من حديث أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وأله قال: "أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ".

وفي حدثٍ آخر عنه صلى الله عليه وأله أنّه قال: " معترك المنايا بين الستين والسبعين. كما في كتاب أمثال الحديث المروية عن النبي (ص)، الرامهرمزي، (ص ٦٢).

وعلى فرض صحّة هاتين الروايتين فقد حملهما أهل العلم من الفريقين على الأغلب من البشر. قال المناوي بشرحه : « قال الطيبي : هذا محمول على الغالب ، بدليل شهادة الحال ، فإنّ منهم من لم يبلغ ستين » [ ينظر: كتاب فيض القدير - شرح الجامع الصغير 2 : 11، وكتاب استخراج المرام من استقصاء الإفحام، ج ١، السيد علي الحسيني الميلاني، ص ٣٧٤].

وقال الميرزا حسين النوري الطبرسي في كتابه النجم الثاقب، (ج ٢/ص ٣٨٨) في الحديث المعروف المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم انّه قال : " أعمار أمتي بين الستين والسبعين " . وهو محمول على الأغلب ، والّا يلزم تكذيبه صلى الله عليه وآله وسلّم والعياذ بالله . ويؤيد هذا الحمل انّه ورد هذا الحديث في بعض النسخ ( أكثر أعمار أمتي )، ولذلك عرفت ما بين الستين والسبعين بالعشرة المشؤومة ، ولو انّ عمر الانسان لا يتعدى في هذه الأزمنة المائة والعشرين ولا دليل عليه الّا الاستقراء والتجربة .

ولـمّا كام المقداد السيوري، في كتابه اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية، (ص ٣٤٩) يتكلّم عن طول عمر الحجّة (عج)، فإنّه فرض إشكالاً في المقام وأجاب عنه، إذْ جاء فيه: لا يقال : قال النبي صلّى اللّه عليه وآله : « أعمار أمّتي ما بين الستّين إلى السبعين. وقال أصحاب الأحكام النجومية : إنّ العمر لا يزيد على مائة وعشرين.

لأنّا نقول : أمّا الأوّل فإنّه بناء على الأغلب ؛ لأنّ خلافه معلوم ضرورة ، وأيضا خرق العادة جائز للإعجاز فلم لا يجوز أن يكون طول عمره معجزة له عليه السّلام؟

إلى آخر كلامه. هذا باختصار ما لدينا عن هذا السؤال .

ودمتم سالمين.