التسليم لأمر الله تعالى ولرسوله الأكرم (ص) ولأئمّة أهل البيت عليهم السلام

سؤالٌ يراودني من فترة طويلة جدا وأحتاج إلى جواب شاف واف. كيف يمكن الجمع بين روايات التسليم للروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، والروايات القائلة بعرض الحديث على كتاب الله، والروايات الواردة بوجود كذابين يروون الرواية ولكن يضيفون لها من عند أنفسهم؟

: السيد رعد المرسومي

الجواب:

اعلم أخي السائل أنّ سؤالك يتضمّن شقّين مهمّين في كيفيّة التعامل مع الروايات التي تُروى عن أئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين)، فأحد هذين الشقّين يتعلّق بمرحلة الإثبات، والآخر يتعلّق بمرحلة الثبوت.

بيان ذلك: أنّه إذا وجدنا روايةً ما تروى عن أحد أئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، فهنا تأتي مرحلة الإثبات، وهي المرحلة التي يراد بها التحقّق من هذه الرواية ودراستها والتدقيق فيها كثيراً، لمعرفة أنّها صادرة عن ذلك الإمام (ع)، أو لم تصدر، وذلك لأنّ الأئمّة عليهم السلام قد نبّهو شيعتهم وحذّروهم من وجود الكذّابين الذين كذبوا عليهم في الروايات ونسبوا إليهم ما لم يقولوا، ففي رواية عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: إنّا أهل بيت صدّيقون لا نخلو من كذّاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس. [اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي )، ج ١، الشيخ الطوسي، ص ٣٦٤].

وفي رواية أخرى عن يونس بن عبد الرحمن، إنّ بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر، فقال له : يا أبا محمد ما أشدّك في الحديث ، وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا ، فما الذي يحملك على رد الأحاديث ؟ فقال : حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول : لا تقبلوا علينا حديثا إلّا ما وافق القرآن والسنة ، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة ، فإنّ المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي ، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا (صلى الله عليه وآله)، فإنّا إذا حدّثنا ، قلنا قال الله عز وجل ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله . قال يونس : وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ووجدت أصحاب أبي عبد الله عليه السلام متوافرين ، فسمعت منهم وأخذت كتبهم ، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله عليه السلام. وقال لي : إنّ أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله عليه السلام لعن الله أبا الخطاب ، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الا حديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن فإنّا إنْ تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة ، إنّا عن الله وعن رسوله نحدث ، ولا نقول قال فلان وفلان ، فيتناقض كلامنا ، إنّ كلام آخرنا مثل كلام أولنا، وكلام أولنا مصادق لكلام آخرنا ، فإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه وقولوا أنت أعلم وما جئت به ، فإنّ مع كل قول منا حقيقة وعليه نورا ، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك من قول الشيطان. [اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، ج ٢، الشيخ الطوسي، ص ٧٣].

وغيرها من الأخبار بهذا الصدد.

وعليه: يجب في المرحلة الأولى (مرحلة الإثبات) التدقيق والتحقّق من صدور الرواية عن الإمام (ع)، لمعرفة أنّها حقّاً صادرة عنه، وأحد المعايير والضوابط التي من خلالها سنتمكّن من معرفة صدور الرواية عنه، والتي أفدناها من الإمام عليه السلام هي بعرض الرواية على القرآن والسنّة لبيان أنّها موافقة للقرآن والسنّة كما في الرواية أعلاه.

فإذا تمّت المرحلة الأولى وهي (الإثبات)، أي تبيّن لنا أنّ الرواية صادرة حقّاً عن الإمام (ع)، فهنا يأتي تحذير آخر من الإمام (ع) بعد صدور الرواية عنهم، يتعلّق بالمرحلة الثانية، وهي مرحلة الثبوت في خصوص روايات بعينها حاصله: أنّك أيّها الشيعيّ المؤمن إذا وجدت كلاماً معيّنا صادراً من الإمام (ع) فلم تعرف معناه وصعُبَ عليك توجيهه، أو وجدت فضيلةً من الفضائل ذات المقام العالي تنسب إليهم، فلا يجدر بك إنكار تلك الرواية أو ردّها، بل عليك التسليم بها لينطبق عليك حقّا أنّك من شيعتهم المؤمنين التابعين لهم، طبقاً لوصايا أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في هذا الصدد، والتي نورد إليك بعضاً منها من كتبنا المعتبرة:

1 – روى الشيخ الكلينيّ في الكافي، (ج ١/ص390) بإسناده إلى سدير قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: إني تركت مواليك مختلفين يتبرّأ بعضهم من بعض قال: فقال: وما أنت وذاك، إنّما كلّف الناس ثلاثة: معرفة الأئمة، والتسليم لهم فيما ورد عليهم، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه.

2 – روى الشيخ الكلينيّ في الكافي، (ج ١/ص390) بإسناده إلى عبدالله الكاهلي قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: لو أنّ قوما عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله، ألا صنع خلاف الذي صنع، أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين، ثم تلا هذه الآية {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء : 65]، ثم قال أبوعبدالله عليه السلام: عليكم بالتسليم.

3 – روى الشيخ الكلينيّ في الكافي، (ج ١/ص439) بإسناده إلى زيد الشحام، عن أبي عبدالله عليه السلام قال قلت له: إن عندنا رجلا يقال له كليب، لا يجيئ عنكم شيء إلا قال: أنا أُسلّم، فسمّيناه كليب تسليم، قال: فترحم عليه، ثم قال: أتدرون ما التسليم؟ فسكتنا، فقال: هو والله الاخبات، قول الله عزوجل: " الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم.

4- روى الشيخ محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات, بإسناده إلى أبي بصير قال: قال أبو جعفر (ع): حديثنا صعب مستصعب لا يؤمن به الا ملك مقرب أو نبيّ مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان فما عرفت قلوبكم فخذوه وما انكرت فردوه الينا.[ بصائر الدرجات ص21, عنه البحار ج2 ص191, الأصول الستة عشر ص61].

5- روى الشيخ الكليني بإسناده إلى أبي عبيدة الحذاء قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول: والله إن أحبَّ أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتَمهم لحديثنا, وإن أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم لَلّذي إذا سمعَ الحديث يُنسب إلينا ويُروى عنا فلم يقبله اشمأزّ منه وجحده وكفَّر من دان به وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أُسند, فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا.[الكافي ج2 ص223، عنه البحار ج72 ص76]. هذا ما لدينا عن سؤالك، ونسأل الله تعالى أنْ تجد فيه بغيتك.

ودمتم سالمين.