معنى الوسيلة في قوله: {وابتغوا إليه الوسيلة..}.

هل الوسيلةُ في قولِه تعالى {يا أيُّها الذينَ آمنوا اتّقوا اللهَ و ابتغوا إليهِ الوسيلة ..} بشرٌ أم عبادات؟؟ وإذا كانَ المقصودُ هوَ البَشر فلماذا لم يُبيّن ذلكَ في آيةٍ مُحكمة؟؟ خاصّةً أنّه تعالى قال : {ولا تدعُ مِن دونِ اللهِ ما لا ينفعُك و لا يضرُّك}

: فريق اللجنة العلمية

الجواب:

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيم،

نجيبُ عن هذا السؤالِ مِن ثلاثة شقوق:

الشقُّ الأوّل: اختلفَ المسلمونَ في معنى الوسيلةِ الواردةِ في الآيةِ على قولين:

القولُ الأوّل : قيلَ معناها الفرائضُ والنوافلُ والتقوى ، والجهادُ الواردةُ في الآيةِ ، كما أشارَ إليهِ أميرُ المؤمنين –عليهِ السلام- فقد جاءَ في نهجِ البلاغة أنّه يقول : (إنَّ أفضلَ ما توسّلَ به المتوسّلونَ إلى اللهِ سبحانَه وتعالى ، الإيمانُ به ، وبرسولِه ، والجهادُ في سبيلِه فإنّه ذروةُ الإسلام ، وكلمةُ الإخلاص فإنّها الفطرةُ ، وإقامةُ الصلاةِ فإنّها الملّةُ ، وإيتاءُ الزكاةِ فإنّها فريضةٌ واجبة ، وصومُ شهرِ رمضان فإنّه جنّةٌ منَ العقاب ، وحجُّ البيتِ واعتمارُه فإنّهما ينفيانِ الفقر ، ويرحضانِ الذنب ، وصلةُ الرّحم فإنّها مثراةٌ في المال ، ومنسأةٌ في الأجل ، وصدقةُ السرِّ فإنّها تكفّرُ الخطيئة، وصدقةُ العلانية فإنّها تدفعُ ميتةَ السوءِ وصنائعُ المعروِف فإنّها تقي مصارعَ الهوان)(1).

وهذا لا يدلُّ على حصرِ الوسيلةِ بها إنّما غايةُ ما تدلُّ الروايةُ على التفاضلِ بينَ الوسائل ..

القولُ الثاني: قيلَ كلُّ ما كانَ إلهياً جازَ التقرّبُ به للهِ كوسيلةٍ ومِن تلكَ الوسائلِ المُقرّبةِ هُم أئمّةُ أهلِ البيت –عليهم السلام- وقد وردَ في الأخبارِ أنَّ المرادَ منَ الوسيلة في قولِه تعالى (( وابتغوا إليهِ الوسيلة )) [المائدة:35] هُم أهلُ البيت –عليهم السلام- نذكرُ مِنها –على سبيلِ المثال لا الحصر-:

1 ـ قالَ رسولُ الله –صلّى اللهُ عليهِ وآله- : (الأئمّةُ مِن ولدِ الحُسين –عليهم السلام- مَن أطاعَهم فقد أطاعَ الله ، ومَن عصاهُم فقد عصى الله ، هُم العروةُ الوثقى وهُم الوسيلةُ إلى الله تعالى (2) .

2 ـ في خبرِ الجاثليق قالَ أميرُ المؤمنينَ -عليهِ السلام- : أنا وسيلتُه بينَه وبينَ أمّتِه (٣).

3 ـ وردَ في الزيارةِ الجامعةِ الكبيرة عن الإمامِ الهادي –عليهِ السلام- أنّه قال: (... مُستشفعٌ إلى اللهِ عزَّ وجل بكُم ومُتقرّبٌ بكم إليه ومُقدّمُكم أمامَ طلبتي وحوائِجي وإرادَتي في كلِّ أحوالي وأموري ...(4) .

4 ـ وردَ في دعاءِ التوسّلِ عن الأئمّةِ –عليهم السلام- : (يا سادتي ومواليَّ إنّي توجّهتُ بكم أئمّتي وعُدّتي ليومِ فقري وحاجَتي إلى الله وتوسّلتُ بكم إلى الله واستشفعتُ بكُم إلى الله ...(5).

5 ـ وردَ في دعاءِ الندبة : (وجعلتَهم الذريعةَ إليك والوسيلةَ إلى رِضوانك (6).

6- وكتبَ عليُّ بنُ محمّد الحجّال كتباً إلى أبي الحسنِ الإمامِ الهادي (ع) وجاءَ في كتابِه : (( أصابَتني علّةٌ في رِجلي ولا أقدرُ على النهوضِ والقيامِ بما يجبُ فإن رأيتَ أن تدعو اللهَ أن يكشفَ علّتي ويُعينَني على القيامِ بما يجبُ عليَّ وأداءِ الأمانةِ في ذلك ...)) (7) .

الشقُّ الثاني: لو كانَ ميزانُ تقبّلِ الأحكامِ والاعتقاداتِ هوَ البياناتُ القرآنيّةُ، بحيث لو لم يذكرها الله في القرآن لم يؤخذ بها، لوجبَ تركُ الأخذِ عن السنّةِ المُحمّدية، ولذهبَ الكثيرُ منَ الدينِ، وقد حثَّ الكتابُ الكريم على لزومِ التمسّكِ بالسنّةِ النبوية، ومنَ الآياتِ القرآنيّةِ قولهُ تعالى: ( مَن يُطِع الرّسولَ فقد أطاعَ الله ) فجعلَ اللهُ تعالى طاعةَ رسولِه صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم مِن طاعتِه .

ثمَّ قرنَ تعالى طاعتَه بطاعةِ رسولِه ، قالَ تعالى : ( يـا أيّها الّذينَ آمنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرّسول ) .

وقد أمرَهم تعالى بردِّ ما تنازعوا فيهِ إليه ، وذلكَ عندَ الاختلاف ، قالَ تعالى : ( فإن تنازَعتم في شيءٍ فردّوُه إلى اللهِ والرّسول ) . ثمَّ النبيُّ أوصى بالتمسّكِ بالكتابِ وعترتِه أهلِ بيتِه كما في حديثِ الثقلين المتواترِ وقد عرفتَ أقوالَهم في معنى الوسيلة.

الشقّ الثالث: أمّا الايةُ التي ذكرها السّائلُ فالدعاء فيها يعني عبادتهم وقد ذكرَ الشوكاني في كتابه: (فتح القدير) أنّ الدعاء في أكثر استعمالاتِ الكتابِ العزيز هو العبادة (8).

والمرادُ من العبادةِ هو الخضوعُ والتذللُ مع إعتقادِ ألوهية المخضوع له، أو ربوبيتهِ، أو الإستقلال في التأثير.

ولا يعتقدُ أحدٌ من الشيعةِ أنّ أهلَ البيت آلهةٌ أو أربابٌ من دون الله، أو مستقلونَ في التأثير، وانما يعتقدون بأنهم شفعاءُ لنا عند الله عزّ وجلّ لما لديهم من مقام عظيم ومنزلةٍ كبيرةٍ عنده تعالى، فإنّ الصلاة تعتبرُ وسيلةً الى الله عزّ وجلّ، والأعمال العبادية الأخرى، وكذلك الرسول وآل بيته أيضاً يعتبرونَ وسيلةً إلى الله عزّ وجل.

والحمدُ للهِ أوّلاً وآخراً..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- نهجُ البلاغة، الخُطبة: 110

2- عيونُ أخبارِ الرّضا ص64.

3- البرهانُ في تفسيرِ القرآن ج2ص426.

4- مَن لا يحضرُه الفقيه ج2ص614.

5- بحارُ الأنوار ج 99 ص 249

6- بحارُ الأنوار ج99 ص105.

7- كشفُ الغُمّة ج 3 ص 251.

8- فتح القدير ج4ص 498