فاطمة (ع) سيّدة نساء العالمين، ومريم (ع) سيّدة نساء عالمها

حين يقول ربنا: ‏{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران: 42]. فأجد الإخوة الشيعة يقولون بأن فاطمة الزهراء هي سيدة نساء العالمين، فإنّ هذا هو عين الكفر بآيات الله.

: السيد رعد المرسومي

الجواب:

اعلم أخي السائل أنّ خطابك باستعمال لغة الإخوة الشيعة؛ ربّما يفيد بأنّك تؤمن بالحوار الهادئ الذي ينبغي أنْ يكون بين الشيعة والسنّة وصولاً إلى الحقّ في المسائل المتنازع فيها، ولكنْ في الوقت نفسه يُؤخذ عليك أنّك قد وضعت نفسك في موضعٍ لا تُحسد عليه، وذلك لـمّا جعلت من نفسك حكماً على غيرك بغير علم، فأصدرت حكماً على موضوع من الموضوعات الخطيرة التي لم يكنْ لك إلمامٌّ بجوانبه وحيثيّاته، فضلا عن الإحاطة بها، ذلك بأنّ هذه الآية التي تحدّثت عن السيّدة مريم (ع) ووصفتها بأنّها سيدة نساء العالمين، كانت تعني بأنّها سيّدة نساء عالمها، لا أنّها سيّدة نساء العالمين مطلقاً، فإنّ هذا الوصف إنّما هو للزهراء (ع) فقط، ويدلُّ على ذلك عدّة روايات، منها:

1-روى ابن عساكر بإسناده إلى ابن عبّاس عن النبيّ (صلى اللهُ عليهِ وآله) أنّه قال: «أربعُ نسوةٍ ساداتُ عالمهنَّ: مريمُ بنتُ عمران، وآسية بنتُ مزاحم آل فرعون، وخديجةُ بنتُ خويلد، وفاطمةُ بنتُ محمّد، وأفضلهنّ عالماً فاطمة.. ». [تاريخُ دمشق ج70/ ص108].

2- وروى الصدوق بإسناده إلى عبد الرحمن بن سمرة عن النبي (ص) في حديث طويل يتحدّث فيه عن فضائل أمير المؤمنين (ع) جاء فيه: يا ابن سمرة ! إنّ عليا مني وروحه من روحي ، وطينته من طينتي ، وهو أخي وأنا أخوه ، وهو زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين. [كمال الدين للصدوق (257)، وإثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، ج ٢، الحر العاملي، ص ٧٥].

3- وروى الصدوق بإسناده إلى أبي عبد اللَّه - عليه السّلام - أنّه قال : إنّما سمّيت فاطمة - عليها السّلام - محدّثة ، لأنّ الملائكة كانت تهبط من السّماء ، فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران ، فتقول : يا فاطمة إنّ اللَّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين ، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين ، فتحدّثهم ويحدّثونها ، فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ فقالوا : إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها ، وإنّ اللَّه - عزّ وجلّ - جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها ، وسيّدة نساء الأوّلين والآخرين .[ كتاب علل الشرائع (182)].

4- وروى الصدوق بإسناده إلى النبي (ص) أنّه قال : أيّما امرأة صلَّت في اليوم واللَّيلة خمس صلوات ، وصامت شهر رمضان ، وحجّت بيت اللَّه الحرام ، وزكّت مالها ، وأطاعت زوجها ، ووالت عليّا بعدي دخلت الجنّة بشفاعة ابنتي فاطمة. فانّها لسيّدة نساء العالمين . فقيل له: يا رسول اللَّه أهي سيّدة نساء عالمها ؟ فقال - صلَّى اللَّه عليه وآله - : ذاك مريم ابنة عمران . وأمّا ابنتي فاطمة فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين . [الأمالي للصدوق (393)].

4- وفي مجمع البيان للطبرسيّ (1/440): «واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ»، أي: عالمي زمانك، لأنّ فاطمة بنت رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها - سيّدة نساء العالمين. وهو قول أبي جعفر - عليه السّلام - .

5- وردت كلمة التفضيل على العالمين لمجموعة من الأنبياء. قال تعالى : ((وَإِسمَاعِيلَ وَاليَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلنَا عَلَى العَالَمِينَ)) (الأنعام:86)، ولكنْ لا أحد يقول بأنّ هؤلاء الأنبياء أفضل من نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فيكون المعنى: أنّ هؤلاء الأنبياء أفضل أنبياء زمانهم.

6- استدل الكثير من العامة والخاصة بأفضلية فاطمة على مريم بما تواتر عن أبيها: (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني)، فهي - إذنْ - من نور أبيها وكونها لحمه ودمه فهو خاتم الرسل، فتكون ابنته أفضل من ابنة عمران.

7ـ نودّ من السائل أنْ يرجع إلى ما صدر لأحد علماء السنّة وهو المحقق اللبنانيّ «الشيخ باسم مكداش» الذي قام بتحقيق كتاب "فضائل السيدة الزهراء (ع) للإمام الحافظ «أبي عبد الله النيسابوري»، وتحقيق كتاب "رسالة في تفضيل السيدة فاطمة الزهراء على نساء العالمين" لـ«السيد عبد العزيز ابن الصديق الحسني الغماري»، ففيهما فوائد كثيرة تزيل الغشاوة من عين كل باحث منصف.

وننصح الأخ السائل بأنْ لا يُفسّر القرآن برأيه أو بغير علم، فيعطي حكماً بمجرد ما ينقدح في ذهنه، لأنّ رسول الله (ص) قد حذّر من القول بالقرآن استناداً إلى الرأي أو حين لا يكون المسلم عالماً به، فقال (صلّى الله عليه وآله في الحديث المعروف والمشهور عنه): من قال في القرآن برأيه - أو بما لا يعلم - فليتبوأ مقعده من النار.

زِدْ على ذلك: ينبغي للسائل أنْ يتذكّر قول الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل : 116].

ودمتم سالمين.