هل من حق المسلم أن يهدى الآخرين للإسلام؟
لا يُوجَدُ أسوأ مِن عقيدةٍ تُقنِعُ الإنسانَ بأنّه الصّالحُ الوحيد وعليهِ إنقاذُ البقيّةِ منَ الضلال، الشرُّ الذى جلبَه دينُ الإسلام لا يقتصرُ على تشريعِ القتلِ والاغتصابِ واستعبادِ البشرِ واحتلالِ بلادِهم، لكنّهُ أيضاً فتحَ بابَ التسلّطِ على مِصراعيه وأعطى الحقَّ للمُسلمِ بالتدخّلِ فى شؤونِ الجميعِ تحتَ مُسمّى الهداية.
الجواب:
منَ الواضحِ أنَّ هذا الكلامَ ينطلقُ مِن عداءٍ شخصيٍّ للإسلام، فهوَ مُجرّدُ كلامٍ مُرسلٍ خالٍ مِن أيّ دليلٍ يُبرّرُ هذه الاتّهاماتِ المُجحفة، وإلّا على أيّ مُستندٍ أقامَ دعواهُ بأنَّ العقيدةَ الإسلاميّةَ هيَ التي تقنعُ الإنسانَ بأنّهُ الصّالحُ الوحيد؟
فإن كانَ يقصدُ اعتقادَ المُسلمِ بأحقّيّةِ ما عليهِ مِن دين، فإنَّ هذا الشعورَ ليسَ خاصّاً بالإسلامِ أو بأيّ دينٍ منَ الأديانِ وإنّما هوَ شعورٌ إنسانيٌّ يحسُّ به صاحبُ أيّ فكرةٍ يعتقدُ بصحّتِها حتّى وإن كانَ كافراً بالأديان.
وإلّا بأيّ حقٍّ سمحَ لنفسِه أن يحكمَ على العقيدةِ الإسلاميّةِ بأنّها أسوأ عقيدةٍ؟ فهذا المُدّعى لا يخرجُ عن كونِه حقّاً أو باطلاً.
فإن كانَ في نظرِه باطلاً، فكيفَ يطلبُ منّا الردَّ على فكرةٍ هوَ يراها باطلة؟ وإن كان لا يسعى لردِّها وإنّما يسعى لإشاعةِ الباطلِ بينَ الناسِ فحينَها لا تكونُ العقيدةُ الإسلاميّةُ أسوأ عقيدةٍ، وإنّما أسوأ عقيدةٍ هيَ التي تقنعُ صاحبَها بأنّهُ على ضلالٍ ومعَ ذلكَ يجبُ أن يدخلَ الجميعُ في هذا الضّلال، وبذلكَ يكونُ قد نصبَ نفسَه مبعوثاً لإبليس لإضلالِ البشر.
أمّا إذا كانَ يعتقدُ بأنّها حقٌّ وهوَ بذلكَ ينطلقُ مِن حرصِه على هدايةِ الآخرين لهذا الحقِّ، فلماذا يتّهمُ المُسلمين بما هوَ مُبتلىً به؟
فكلامُه واضحٌ في أنّه يمارسُ على المُسلمينَ دورَ المُنقذِ الذي يريدُ أن يهديهم مِن ضلالِ الإسلامِ إلى نورِ الإلحادِ بزعمِه، فإن جازَ له ذلكَ فلماذا لا يجوزُ للمُسلمِ أن يرى أمثالَكَ على ضلالٍ ويتمنّى لهُم الهداية؟
فأنسبُ ما يُقالُ في هذا الشأنِ هوَ قولُ أبو الأسودِ الدؤليّ الذي قال:
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ .. عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتَ عَظيمُ.
ابدأ بِنَفسِكَ وَانَها عَن غِيِّها .. فَإِذا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكيمُ.
فالعقلاءُ بطبعِهم لا يتبنّونَ إلّا الأفكارَ التي يعتقدونُ بصحّتِها، وعلاقةُ الإنسانِ بالفكرةِ تقومُ على أنَّ الفكرةَ حقٌّ أو باطل، خيرٌ أو شرٌّ، حسنةٌ أو قبيحة.
فمَن يرى نفسَه على حقٍّ لابدَّ أن يرى مَن يُخالفهُ على باطل، وبالتالي شعورُ كلِّ إنسانٍ أو جماعةٍ بأنّها على الحقِّ شعورٌ طبيعيّ بل ضروريّ، وإقامةُ البراهينِ والاستدلالُ على ما يرونَه حقّاً يُعدُّ أمراً مطلوباً، وبذلكَ تتّسعُ مساحةُ الحوارِ بينَ البشر على قاعدةِ (قُل هَاتُوا بُرهَانَكُم إِن كُنتُم صَادِقِينَ)، وبالتالي فإنَّ حرصَ المُسلمِ على هدايةِ الآخرينَ يُعدُّ سُنّةً إنسانيّةً قبلَ أن تكونَ سُنّةً إسلاميّة.
ومعَ ذلكَ لم يسمَح الإسلامُ للمُسلمِ بإكراهِ الآخرينَ على قبولِ الإسلام حيثُ قالَ تعالى: (لا إِكرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ)، حيثُ نهَت الآيةُ عن الإكراهِ في الدّينِ مُطلقاً، أي لا يجوزُ حملُ الناسِ على دينِ الله وهُم لا يرغبونَ فيه، قالَ تعالى: (أنلزمكموها وأنتُم لها كارهون) أي لا يمكنُ أن نُجبرَكم على الإسلامِ وأنتُم كارهونَ له.
والسببُ في ذلكَ أنَّ الإسلامَ يشترطُ في الانتماءِ إليه حصولَ اليقينِ والقناعة، قالَ تعالى: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) أي أنَّ استجابةَ الإنسانِ للدّين يجبُ أن تكونَ نابعةً مِن قلبِه وعقلِه، وقد علّلَت الآيةُ عدمَ الإكراهِ بقولِها (قَد تَبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ) فمسؤوليّةُ الدينِ هيَ الهدايةُ لطريقِ الرّشدِ وليسَ إجبارُهم على اتّباعِه، وإنّما على الإنسانِ اختيارُ الرّشدِ واتّباعُه بكاملِ حُرّيّتِه وإرادتِه.
أمّا اتّهامُ الإسلامِ بالشرِّ وأنّه شرّعَ القتلَ والاغتصابَ وغيرَ ذلك منَ التّهمِ التي لم يسنِدها بأيّ دليلٍ أو شاهد، لا تُعبّرُ إلّا عن نفسيّةٍ كارهةٍ للإسلام ولا تجدُ ما يُبرّرُ هذه الكراهيةَ غيرَ هذهِ الأكاذيب.
اترك تعليق