لماذا نحتاج إلى إمام يهدينا ألا يكفينا القرآن وسنة النبي ص؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب :

يمكنُ الجوابُ عن السؤالِ هذا مِن خلالِ عدّةِ نقاط:

1ـ إنَّ اللهَ عزَّ وجل الذي خلقَ الإنسانَ وشرّعَ له هذا الدّين ، وهوَ أعلمُ بكيفيّةِ إيصالِه للنّاس، لهذا، قالَ اللهُ في قرآنِه : ( ولكلِّ قومٍ هاد) الرّعد، 7 .

وهوَ نصٌّ واضحٌ وكُل مِن ألفاظِ العموم، وفيهِ دلالةٌ على وجودِ هادٍ لكلِّ قوم، وهوَ الإمامُ في أدبيّاتِ الشيعةِ الإماميّة.

2 ـ أكّدَت السنّةُ النبويّةُ في نصوصٍ عديدةٍ على وجودِ العترةِ معَ القرآن، ووجّهَت الناسَ وأرشدَتهم للتمسّكِ بأهلِ البيتِ ع معَ القرآنِ كما في حديثِ الثقلين الصّحيح، بل المتواتر . راجِع كتابَ: الزهرةُ العطرةُ في حديثِ العِترة، للشيخِ أبو المُنذر سامي المصري.

روى الحاكم: (عن ابنِ واثلة، أنّه سمعَ زيد بنَ أرقم رضيَ اللهُ عنه يقول: نزلَ رسولُ الله صلّى اللهُ عليهِ وسلّم بينَ مكّةَ والمدينة عندَ شجراتِ خمسِ دوحاتٍ عظام، فكنسَ الناسُ ما تحتَ الشجرات، ثمّ راحَ رسولُ الله صلّى اللهُ عليه وسلّم عشيّةً فصلّى، ثمّ قامَ خطيباً، فحمدَ اللهَ وأثنى عليه، وذكّرَ ووعَظ، فقالَ: ما شاءَ اللهُ أن يقول: ثمّ قالَ: "أيّها الناسُ، إنّي تاركٌ فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتّبعتموهما، وهُما: كتاب الله، وأهل بيتي عترتي"). المُستدركُ على الصّحيحين، ج3 ص118

وفي مُسند أحمد: (إنّي تاركٌ فيكم خليفتين، كتابُ اللهِ حبلٌ ممدودٌ ما بينَ السماءِ والأرض أو ما بينَ السماءِ إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليَّ الحوض). مسندُ أحمد: 5 / 182، وفضائلُ الصّحابة: 2 / 603، وصحّحَه الألبانيّ في: السنّةِ لابنِ أبي عاصم، 337.

وهُنا نشيرُ إلى أنّه منَ الغلطِ البحثُ في أسانيدِ الحديثِ بعدَ ثبوتِ تواترهِ.

نلاحظُ ممّا تقدّمَ أنَّ النصَّ القرآنيّ بتأكيدِه وجودَ هادٍ لكلِّ قومٍ يتطابقُ تماماً معَ النصِّ النبويّ بعدمِ افتراقِ العترةِ عن الكتاب، وفيهِ دلالةٌ على وجودِ إمامٍ منَ العترةِ في كلِّ زمن.

3 ـ إنّنا لا نجدُ دليلاً منَ الكتابِ والسنّة يرشدُ إلى وجوبِ الرجوعِ للكتابِ والسنّة فقط، وحديثُ (( تركتُ فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما : كتابُ اللهِ وسُنّتي )

فهوَ حديثٌ ضعيفٌ، بل يرى البعضُ أنّه موضوع، وممَّن ضعّفَه :

1ـ أحمد سعد حمدون، قالَ " سندُه ضعيفٌ فيه صالح بنُ موسى الطلحي ..." " شرحُ أصولِ اعتقادِ أهلِ السنّة" ص 8 ،تخريجُ أحمد سعد حمدون.

2ـ حلمي كامل أسعد، قالَ في تعليقِه على " الغيلانيّات" 1/ 510 : إسنادُه ضعيفٌ جدّاً .

3ـ قالَ فوّاز أحمَد زمرلي في تعليقِه على " عقائدِ أئمّةِ السّلف" : قلتُ : سندُه ضعيفٌ جدّاً .

4ـ الشيخُ محمّد الأمين في مُلتقى أهلِ الحديث في الشبكةِ العنكبوتيّة.

5 ـ الشيخُ حاتم الشريف، قالَ في موقعِ الإسلام اليوم الإلكترونيّ، حيثُ قال: " الحديثُ المذكورُ أوردَه الإمامُ مالك في الموطّأ بلاغاً (مُعلّقاً) غيرَ مُتّصل، رقم (2618)، ووصلَه بعضُ أهلِ العلمِ مِن طرقٍ لا تصح، وليسَ في طرقِه ما يُقوّي بعضَها..."

6ـ ذهبَ حسنُ السقّاف إلى أنَّ هذا الحديثَ موضوعٌ " صحيحُ صفةِ صلاةِ النبي" 289.

4 ـ يُظهِرُ لنا هذا السّردُ الخللَ في السؤالِ المطروح ، فهوَ مخالفٌ للقرآنِ ولأقوالِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم.

5 ـ لو دقّقنا أكثرَ لوجدنا أنَّ القرآنَ والسنّةَ لا يكفيانِ لضمانِ عدمِ اختلافِ الأمّةِ وتفرّقها وتكفيرِها لبعض، فكلُّ الطوائفِ تدّعي تمسّكَها بالكتابِ والسنّةِ وإن أضافوا لهُما الإمامَ كما عندَ فِرقِ الشيعة.

ثمَّ إنَّ العلماءَ ومِن أبناءِ المذهبِ الواحد مُختلفونَ في بيانِ معاني القرآنِ والسنّة، وهذا واضحٌ لمَن راجعَ كتبَ الفقهِ والتفسيرِ وشروحَ الأحاديث ، فلو كانَ القرآنُ والسنّةُ كافيين لَما اختلفَ أهلُ السنّةِ أنفسهم، واختلافُهم ليسَ مقصوراً على الفقهِ وحده، بل هُم مُختلفونَ في العقائد، فالسلفيّونَ والأشاعرةُ والماترديّة كلّهم مِن أهلِ السنّة، ومعَ ذلكَ هُم مُختلفونَ في التوحيدِ ومسائلَ عقائديّةٍ عديدة.

6 ـ إنَّ الكتابَ والسنّةَ صامتانِ، ويحتاجانِ إلى مَن يُبيّنُ معانيهما بياناً قائماً على الجزمِ واليقين لا على الفرضِ والتخمين، والصحابةُ اختلفوا في فهمِ نصوصِهما وكذا التابعون ومَن جاءَ بعدَهم، ولا زالَ العلماءُ مُختلفين، وقد يحتجُّ البعضُ بحديثِ ( اختلافُ أمّتي رحمة) لكنَّ هذا الحديثَ لا أصلَ له في كتبِ الجمهورِ بل هوَ موضوعٌ عندهم كما صرّحَ بذلكَ الألبانيّ وابنُ حزمٍ مِن قبله . راجِع : سلسلةُ الأحاديثِ الضّعيفة، 1 / 76 ح 57 ، الإحكامُ في أصولِ الأحكام ، 5 / 61 .

7 ـ إنَّ نصوصَ الكتابِ والسنّةِ محدودةٌ، فلدى الجمهورِ حوالي 500 حديثٍ في الأحكامِ كما في بلوغِ المرامِ لابنِ حجر، وهوَ عددٌ قليلٌ قياساً بكثرةِ المسائلِ الفقهيّةِ التي طرأت عبرَ قرونٍ عديدة، ولا زالَت المسائلُ تستجدّ، وسببُ قلّةِ أحاديثِ الأحكامِ ترجعُ إلى قصرِ فترةِ التشريعِ الإسلاميّ لدى الجمهورِ حيثُ استمرّت الدعوةُ النبويّة 23 سنةً، تركّزَت الأحكامُ فيها في الفترةِ المدنيّة التي هيَ عشرُ سنين تقريباً، أمّا الإماميّةُ فقد جمعَ كتابُ وسائلِ الشيعةِ للحرِّ العاملي ( ت 1104هـ) أكثرَ مِن ثلاثينَ ألف حديث، والعددُ أكبرُ مِن هذا إذا ما أضَفنا مستدركَ الوسائلِ للميرزا النوري.

وهذهِ الكثرةُ سببُها وجودُ الإمامِ بينَ الشيعةِ الذي كانَ يواكبُ الأحداثَ ويجيبُ على المسائلِ المُستجدّة، ومِن أسبابِ هذهِ الكثرة لدى الإماميّة طولُ فترةِ التشريعِ الإسلاميّ التي امتدَّت إلى سنةِ 329هـ ، وهيَ بدايةُ الغيبةِ الكُبرى للإمامِ الثاني عشر ع .

8 ـ إنَّ القرآنَ حمّالٌ ذو وجوه، والسنّةُ فيها الناسخُ والمنسوخ، والمُطلقُ والمُقيّد، والعامُّ والخاص، والمُجملُ والمُبيّن، وعدمُ وجودِ إمامٍ يُبيّنُ الصوابَ منَ النصوصِ مدعاةٌ للاختلافِ وعدمِ إصابةِ الحُكمِ الشرعيّ الذي تعبّدَنا اللهُ به .

9 ـ يُقالُ أيضاً : لو كانَ تخطيطُ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم أن يجعلَ منَ الكتابِ والسنّةِ هُما المرجعانِ للأمّةِ فقط، لقامَ بتدوينِ القرآنِ وكتابةِ كلِّ ما يحتاجُه الناسُ منَ الحلالِ والحرامِ مِن معارفِ الإسلام، وهوَ لم يفعَل ذلكَ وفقَ اعتقادِ الجمهورِ منَ المُسلمين فدلَّ هذا على عدمِ كفايةِ الكتابِ والسنّة لهدايةِ الناسِ وضمانِ عدمِ الاختلاف.