هل يساهم رجال الدين في تغيير العالم؟

سؤال: رجالُ الدينِ لم ولن يُغيّروا العالمَ للأحسن، ولم يُعرَف عنهم تاريخيّاً أنّهم قد غيّروا العالم، العالمُ يُغيّرُه العلماءُ الحقيقيّون والفلاسفةُ والفنّانونَ والأدباءُ والشعراء، رجالُ الدّينِ كانوا دائماً وأبداً هُم آخر مَن يتغيّرُ ليواكبَ التغيير، فهوَ يتغيّرُ بقوّةِ الدفعِ الشعبي، وإن لم ينهَض الشعبُ ليدفعَه، سيظلُّ هوَ قائدَ العقولِ الأوحد.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجوابُ:

لا يمكنُ إنكارُ أنَّ بعضَ رجالِ الدينِ أكثر تمسّكاً بالتقاليدِ والمُعتقداتِ القديمة، وبالتالي ليسوا دائماً على استعدادٍ للتغييرِ والتطوّر، ومنَ المُمكنِ أن يؤدّي هذا إلى إبطاءِ عمليّةِ التغييرِ والتحوّلِ في المُجتمعاتِ التي يتواجدونَ فيها.

ومعَ ذلكَ لا يمكنُ إنكارُ الأدوارِ الإيجابيّة التي قامَ بها رجالُ الدين في تغييرِ العالمِ وتطويره، فالصورةُ النمطيّةُ التي يرادُ تسويقُها لرجلِ الدّين فيها الكثيرُ منَ الاجحافِ والظلم، فرجالُ الدّين فيهُم العلماءُ والفلاسفةُ والفنّانونَ والأدباءُ والشعراء، كما أنَّ الكثيرَ منهم قادوا الثوراتِ الفكريّةَ والاجتماعيّة التي أدَّت إلى تغييراتٍ جذريّةٍ في المُجتمعاتِ البشريّة.

والدليلُ على ذلكَ أنَّ مُعظمَ الثوراتِ التي حرّرَت العالمَ العربيَّ والإسلامي منَ الاستعمارِ الغربيّ كانَت بقيادةِ رجالِ الدّين، وما زالَ التاريخُ المُعاصرُ شاهداً على ثورةِ الإمامِ الخُميني في إيران عام 1979 والتي حرّرَت إيران منَ الهيمنةِ والتبعيّةِ الغربيّة.

فالتاريخُ الإسلاميّ ذاخرٌ برجالِ الدينِ الذينَ كانَ لهم قصبُ السبقِ في الكثيرِ منَ العلومِ والمعارفِ التي خدمَت البشريّةَ، وقد كانَ لجهودِهم وإسهاماتِهم الدورُ الكبيرُ في نهضةِ العلومِ والثقافةِ في الكثيرِ منَ الحواضرِ التاريخيّة، وكانَ لإسلامِهم وتعاليمِهم العميقةِ دورٌ في تحفيزِهم وتحفيزِ الآخرينَ على الاهتمامِ بالعلومِ وتعلّمِها، وبالتالي فإنَّ إسهاماتِهم الفلسفيّةَ والأدبيّةَ والفنّيّةَ ساهمَت في إحياءِ الرّوحِ العلميّةِ والثقافيّةِ والفكريّة في المجتمعاتِ الإسلاميّة.

ومِن هؤلاءِ على سبيلِ المثال:

ابنُ الهيثم: وهوَ مِن علماءِ التاريخِ والفيزياءِ والرياضيّاتِ وفي نفسِ الوقتِ كانَ رجلَ دين.

جابرُ ابنُ حيّان: وكانَ عالماً وفيلسوفاً ورجلَ دين، وله إسهاماتٌ عظيمةٌ في عدّةِ مجالاتٍ بما في ذلكَ الكيمياءُ والطبُّ والفلك.

الخوارزميّ: العالمُ الرياضيُّ والفلكيّ الذي ابتكرَ الجبرَ ويُعتبَرُ مؤسّسَ الجبرِ الخوارزمي.

ابنُ سينا: الفيلسوفُ والطبيبُ ومؤلّفُ كتابِ القانونِ في الطب، والذي اعتُبرَ مرجعاً طبّيّاً رئيسيّاً لقرونٍ عديدة.

الفارابيّ: فيلسوفٌ له إسهاماتٌ هامّةٌ في الفلسفةِ والموسيقى والفلكِ والكيمياء.

الرّازي: الطبيبُ والكيميائيّ الذي اشتهرَ بإنشاءِ مختبراتٍ للكيمياءِ والموادِّ الكيميائيّة، وقد أسّسَ مدرسةً طبّيّةً في بغداد.

ابنُ النّفيس: الطبيبُ والفيزيائيّ الإسبانيّ المُسلم الذي اكتشفَ مدى عملِ الرّئةِ وطرحَ نظريّةً عن التنفّس.

وكما هوَ واضحٌ قد ساهمَ رجالُ الدينِ وعلماءُ المُسلمينَ في مجالاتٍ مُختلفةٍ مثل الرّياضيّاتِ والفلسفةِ والطبِّ والكيمياءِ وغيرِها، وكانَ لهم دورٌ كبيرٌ في نهضةِ الثقافةِ والعلومِ في التاريخِ الإسلاميّ.

وفي المُحصّلةِ يجبُ أن لا ننفي التُّهمةَ بالكُلّيّةِ عن رجالِ الدين، فهناكَ بعضُ النماذجِ التي وقفَت في وجهِ التطوّرِ والتقدّمِ مُعتبرةً كلَّ جديدٍ بدعةً مُحرّمةً، وفي نفسِ الوقتِ يجبُ أن لا نُهملَ النماذجَ الأخرى التي ساهمَت وبشكلٍ إيجابيّ في تطوّرِ الحياةِ الإنسانيّة، فليسَ منَ الإنصافِ تحميلُ رجالِ الدّين لوحدِهم مسؤوليّةَ عدمِ التقدّمِ والتطوّرِ في العالمِ الإسلاميّ، فالجميعُ يجبُ أن يتحمّلَ هذهِ المسؤوليّةَ، وبخاصّةٍ الأنظمةَ السياسيّةَ التي تحكّمَت في كلِّ شيءٍ حتّى في رجالِ الدينِ أنفسِهم.

وعليهِ هناكَ حالةٌ عامّةٌ منَ التخلّفِ الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسياسيّ الذي يضربُ جميعَ طبقاتِ المُجتمع، فالفسادُ الحكوميّ وعدمُ الاستقرارِ السياسيّ والتعصّبُ الدينيّ هوَ الذي يعيقُ عمليّةَ التغييرِ والتحوّلِ وليسَ رجالُ الدين.