هل القرآن نابع من ظروف عصره؟
القرآنُ ليسَ كلامَ الله ولكن كلامٌ عن الله، نابعٌ مِن ظروفِ عصرِه واحتياجاتِ مُجتمعِه الذي نشأ فيه. البداوةُ غيرُ صالحةٍ لإنتاجِ الحضارة، لأنّها لا تتحرّرُ مِن قيودِ عصبيّةِ الدّمِ وتجعلُ منَ اللهِ شيخَ قبيلةٍ ينحازُ لبشرٍ ضدَّ بشرٍ آخرين.
الجوابُ:
يشتملُ هذا الكلامُ على مجموعةٍ منَ الادّعاءاتِ التي تعكسُ وجهةَ نظرٍ شخصيّةٍ لأصحابِها، وليسَ مِن مهامِّنا مُلاحقةُ المواقفِ الشخصيّةِ التي لا تقومُ على أدلّةٍ واضحةٍ يمكنُ مُناقشتُها.
فالأمرُ الذي يلاحظُه كلُّ مُنصفٍ عندَما يتدبّرُ القرآنَ يجدُ أنّه لم يأتِ لتلبيةِ احتياجاتِ مُجتمعِ العربِ في الجاهليّةِ فحسب، وإنّما جاءَ لإرشادِ البشريّةِ بشكلٍ عام، والدّليلُ على ذلكَ أنَّ القرآنَ يحتوي على العديدِ منَ الأحكامِ والعلومِ والمواضيعِ التي لم تكُن معروفةً في ذلكَ الزّمن، والتي لا يزالُ العالمُ يتعلّمُ مِنها حتّى يومِنا هذا.
وقد تناوَلنا في أجوبةٍ سابقةٍ صلاحيّةَ القرآنِ لكلِّ زمانٍ ومكان، وعليهِ فإنَّ القرآنَ هوَ كلامُ اللهِ على نحوِ الحقيقةِ والواقعِ والذي جاءَ لتلبيةِ حاجاتِ البشريّةِ على طولِ امتدادِها التاريخيّ.
وبالنّسبةِ للادّعاءِ بأنَّ البداوةَ غيرُ صالحةٍ لإنتاجِ الحضارة، فهوَ أيضاً إدّعاءٌ غيرُ دقيق، فالتاريخُ يشهدُ على وجودِ العديدِ منَ الحضاراتِ البدويّةِ التي نجحَت في تطويرِ أنظمةٍ اجتماعيّةٍ وثقافيّةٍ وفنّيّةٍ متطوّرةٍ، والبداوةُ العربيّةُ خيرُ شاهدٍ على ذلكَ، فقد تمكّنَ الإسلامُ مِن تحويلِ الجاهليّةِ العربيّةِ إلى أعظمِ حضارةٍ شهدَها التاريخ، حيثُ أصبحَ العربُ ساداتِ العالم وهيمنوا بحضارتِهم على مُعظمِ قارّاتِ العالمِ فترةً طويلةً منَ الزّمن.
وعليهِ فإنَّ الادّعاءَ بأنَّ البداوةَ غيرُ صالحةٍ لإنتاجِ الحضارةِ يُعدُّ تقييماً خاطئاً للتاريخِ والواقع.
ومنَ المُهمِّ أن نفهمَ أنَّ الحضارةَ لا تعتمدُ فقط على الظروفِ الجُغرافيّةِ أو الاقتصاديّة، بل تعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على الإرادةِ البشريّة وقُدرتِهم على التكيّفِ والتغيير، وهذا يعني أنَّ البداوةَ لا تمنعُ بالضّرورةِ تطوّرَ الحضارة، بل يمكنُ أن تكونَ حتّى دافعاً لها، حيثُ يُضطرُّ البدو إلى التكيّفِ معَ البيئةِ وتطويرِ مهاراتِهم لتلبيةِ احتياجاتِهم، ممّا يمكنُ أن يؤدّي إلى تطوّرِ أنظمةٍ تقنيّةٍ وثقافيّةٍ متطوّرة.
اترك تعليق