ما صحة حديث الحوار بين فضة وقنبر؟
السؤال: نريد من حضراتكم وقفة مع حديث "الحوار بين فضة وقنبر" وبيان رأي علمائنا فيه، وما شرحه؟ وما صحته؟ وما طريقة ردِّ الشبهة عنه؟ علماً أن الكثيرين من الفرق الأخرى يتداولون الحديث، لتسقيطنا واتهامنا، بأنا لم نترك شيئاً لله إلا وأشركنا به! الحديث في تفسير جابر بن يزيد الجعفي ص٧٦٧ ح٨٧١. وشكراً لجهودكم المبذولة نصرة لآل محمد (ص).
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}
السائل المحترم / سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[مقدمة] الحديث المذكور رُوِيَ هكذا: «عن عيون المعجزات ـ على ما يظهر من بعض المواضع ـ عن أبي علي محمد بن همام، عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، عن محمد بن صدقة، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي خالد الكابلي، قال: قال الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع)، لمَّا سألناه عن هذه الآية: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ﴾ [الحجر١٦]؟ قال: إن قنبراً - مولى عليٍّ (ع) ـ أتى منزله يسأل عنه، وخرجتْ إليه جارية يقال لها فضة. قال قنبر: فقلتُ لها: أين علي بن أبي طالب؟ ـ وكانت جاريته ـ فقالت: في البروج، قال قنبر: ـ وأنا لا أعرف لأمير المؤمنين (ع) بروجاً ـ فقلتُ: وما يصنع في البروج؟ قالت: هو في البروج الأعلى، يقسِّم الأرزاق، ويعيِّن الآجال، ويخلق الخلق، ويُميت ويُحيي، ويُعز ويُذل. قال قنبر: فقلتُ: والله لأخبرنَّ مولاي أمير المؤمنين بما سمعتُ من هذه الكافرة! فبينا نحن كذلك، إذ طلع أمير المؤمنين (ع)، وأنا متعجب من مقالتها! فقال لي: يا قنبر، ما هذا الكلام الذي جرى بينك وبين فضة؟ فقلتُ: يا أمير المؤمنين، إن فضة ذكرتْ كذا وكذا، وقد بقيتُ متعجباً من قولها! فقال (ع): يا قنبر، وأنكرتَ ذلك؟! قلتُ: يا مولاي، أشدَّ الإنكار! قال: يا قنبر، ادنُ منِّي، فدنوتُ منه. فتكلم بشيء لم أفهمه! ثم مسح يده على عيني، فإذا السماوات وما فيهن بين يدي أمير المؤمنين (ع)، كأنها فلكة أو جوزة، يلعب بها كيف ما شاء! وقال: والله إني قد رأيتُ خلقاً كثيراً، يُقبلون ويُدبرون، ما علمتُ أن الله خلق ذلك الخلق كلهم! فقال لي: يا قنبر، قلتُ: نعم يا أمير المؤمنين، قال: هذه لأولنا وهو يجري لآخرنا، نحن خلقناهم وخلقنا ما فيهما وما بينهما وما تحتهما. ثم مسح يده العليا على عيني، فغاب عني جميع ما كنتُ أراه، حتى لم أرَ منه شيئاً، وعدتُ على ما كنتُ عليه من رأي البصر».
[أولاً] الإمامية موحِّدون لا مشركون، ومصادرهم العقيدية طافحة بإثبات التوحيد لله (تعالى) ونفي الشريك عنه!
قال الصدوق في اعتقادات الإمامية: ب١ ص٥-٤٢،
«اعلم أن اعتقادنا في التوحيد: أن الله (تبارك وتعالى) واحد أحد، ليس كمثله شيء، قديم لم يزل ولا يزال، سميعاً بصيراً عليماً حكيماً حياً قيوماً عزيزاً قدوساً قادراً غنياً. لا يوصَف بجوهر ولا جسم، ولا صورة ولا عَرَض، ولا خطٍّ ولا سطح، ولا ثِقل ولا خِفة، ولا سكون ولا حركة، ولا مكان ولا زمان. وأنه (تعالى) متعالٍ عن جميع صفات خلقِه، خارجٌ من الحدَّين: حَدِّ الإبطال، وحَدِّ التشبيه. وأنه (تعالى) شيء لا كالأشياء، أحَد صمد، لم يلد فيورَث، ولم يولد فيشارَك، ولم يكن له كفواً أحد. لا ضِدَّ له ولا نِدَّ له ولا شبه ولا صاحبة ولا مِثل ولا نظير ولا شريك. لا تدركه الأبصار والأوهام، وهو يدركها، ولا تأخذه سِنة ولا نوم، وهو اللطيف الخبير. خالق كل شيء، لا إله إلا هو، له الخلق والأمر، تبارك الله ربُّ العالمين. ومن قال بالتشبيه فهو مشرك. ومن نَسب إلى الإمامية غير ما وصفتُ في التوحيد فهو كاذب. وكلُّ خبر يخالف ما ذكرتُ في التوحيد فهو موضوع مخترَع. وكلُّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل، وإن وُجِد في كُتب علمائنا فهو مدلَّس».
[ثانياً] العقيدة عند الإمامية ما يكفي لبنائها حديث الآحاد، حتى وإن كان صحيح الإسناد. بل لابد من دليل قطعي: إما عقلي، أو نقلي "وفق شروط صارمة مذكورة في محلها".
قال الشهيد الثاني في المقاصد العلية: ص٤٥،
«وأما ما ورد عنه (ع) من طريق الآحاد: فلا يجب التصديق به مطلقاً، وإن كان طريقه صحيحاً؛ لأن خبر الواحد ظني، قد اختُلف في جواز العمل به في الأحكام الشرعية الظنية، فكيف الاعتقادية العلمية؟!».
والحديث المذكور آحاد، وهو ضعيف الإسناد ـ كما يأتي ـ فلا يصلح أن يكون مستنَداً لمعتقد الإمامية.
[ثالثاً] مصادر هذا الحديث تنحصر في..
١- تفسير الجعفي: ص٧٦٧ ح٨٧١، ويبدو أنه اقتبَسه من كتاب (صحيفة الأبرار) الآتي.
وهذا التفسير، وإن رواه الشيعة بطرقهم عن الجعفي؛ كما في فهرست النجاشي: ص١٢٨ ت٣٣٢، وفهرست الطوسي: ص١١٦ ت١٥٨، ومعالم العلماء: ص٦٨ ت١٧٨.
إلا أنه كتاب مفقود، لا توجد له نسخة؛ كما نصَّ الطهراني في الذريعة: ج٤ ص٢٦٨ ت١٢٤٥، وج٤ ص٢٥٠ ت١٢٠٠.
وهذه النسخة المطبوعة منه: هي تجميع وترتيب لما تناثر في الكتب من روايات الجعفي التفسيرية، وليست هي نسخة تفسير الجعفي الأصلية.
٢- شرح حديث البساط للقاضي القمِّي: ص١٦٨، مختصراً مرسلاً عن الشريف المرتضى. والنسبة إليه خطأ؛ كما نصَّ بذلك المامقاني في (صحيفة الأبرار).
وهذا الكتاب مطبوع، وذكره الطهراني في الذريعة: ج١٣ ص١٩٠ ت٦٦٣، وترجَم لمؤلفه في الطبقات: ج٩ ص٣٠٩، والمؤلف توفي بعد سنة ١١٢٦هـ.
٣- صحيفة الأبرار للميرزا المامقاني: ج٣ ص٢٣٩ ح٧٤، ونقل النصَّ المذكور في المقدمة أعلاه.
وهذا الكتاب مطبوع، وذكره الطهراني في الذريعة: ج١٥ ص١٥ ت٨٤، وترجَم لمؤلفه في الطبقات: ج١٣ ص٢٦٦ ت٥٦٧، والمؤلف توفي سنة ١٣١٢هـ.
والمامقاني استظهَر أن هذا الحديث منقول عن كتاب (عيون المعجزات) للحسين بن عبدالوهاب الشعراني، أحد أعلام القرن الخامس الهجري. لكنَّا راجعنا الكتاب المذكور ـ مطبوعاته ومخطوطاته ـ ولم نجد الحديث!
إذن: فعمدة مصادر الحديث ـ بصيغته الكاملة المسنَدة ـ هو كتاب (صحيفة الأبرار) للميرزا المامقاني.
[رابعاً] مناقشة مختصرة لإسناد الحديث ..
(أ) لا يُعرف المصدر الذي نقَل منه الميرزا المامقاني هذا الحديث؛ وقد تبيَّن أنه ليس كتاب (عيون المعجزات). بل عبارة المامقاني: «على ما يظهَر من بعض المواضع» تدل على أنه لم يرَه، ونقَل عن كتاب آخر.
(ب) يبتدئ الإسناد: بأبي علي محمد بن همام؛ وهو توفي سنة ٣٣٢هـ، كما في رجال الطوسي: ص٤٣٩ ت٦٢٧٠-٢٠، أو عام ٣٣٦هـ، مثلما بفهرست النجاشي: ص٣٨٠ ت١٠٣٢، فلا يمكن أن يروي عنه المامقاني مباشرة بلا وسائط.
(ج) جعفر بن محمد بن مالك الفزاري: اتهموه بالغلوِّ في ديانته، والكذب في روايته. كما في معجم رجال الحديث للخوئي: ج٥ ص٨٧ ت٢٢٨٨.
(د) محمد بن صدقة: اتهموه بالغلوِّ. كما في معجم رجال الحديث للخوئي: ج١٧ ص١٩٩ ت١١٠٠٤.
(هـ) محمد بن سنان: فيه اختلاف كثير، ولا يهمُّنا تحقيق حاله هنا. قاموس الرجال للتستري: ج٩ ص٣٠٦ ت٦٨٠٧، ومعجم الرجال للخوئي: ج١٧ ص١٦٠ ت١٠٩٣٨.
المهم هنا، بيان حصول انقلاب في الإسناد؛ فالمفترض أن محمد بن سنان يروي عن محمد بن صدقة، لا العكس!
كما في الكافي: ج٤ ص٥٨١ ح٥، والتهذيب: ج٥ ص٥٢ ح١٥٧، وج٦ ص٤٤ ح٩٤، والاستبصار: ج٢ ص١٦٢ ح٥٢٩، وكامل الزيارات: ب٥٤ ص٢٦٧ ح٤١٣، وب٦٦ ص٣٠٤ ح٥١٢، وب٦٧ ص٣٠٧ ح٥١٨، وغيرها من المصادر الكثيرة.
(و) مع الإغماض عمَّا قيل في..
• المفضل بن عمر: معجم الرجال: ج١٩ ص٣١٧ ت١٢٦١٥، وقاموس الرجال: ج١٠ ص٢٠٥ ت٧٦٩٧.
• وجابر بن يزيد الجعفي: معجم الرجال: ج٤ ص٣٣٦ ت٢٠٣٣، وقاموس الرجال: ج٢ ص٥٣٢ ت١٣٤٦.
• وأبي خالد الكابلي: معجم الرجال: ج١٥ ص١٣٣ ت٩٧٧٩، وج٢٠ ص٢١٠ ت١٣١٦٦، وج٢٢ ص١٥٣ ت١٤٢٤١، وقاموس الرجال: ج٨ ص٦٠٤ ت٦١٦٥، وج١٠ ص٤٢٩ ت٨٠٧٨، وج١١ ص٣٠٦ ت٢٩٩.
وما قيل في حديثهم الذي حمله المغالون حملاً عظيماً؛ فتحقيق ذلك له مجال علمي تخصُّصي.
لكن الإسناد بهذي السياقة ـ من أبي علي محمد بن همام، إلى أبي خالد الكابلي ـ في غاية الغرابة ولا نظير له بالطُّرق؛ وهذا يضع علامتَي استفهام وتعجُّب على الإسناد؟!
[خامساً] أما متن هذا الحديث: فظاهره بمنتهى الإشكال، بل هو شديد النكارة والشذوذ. ما لم يؤوَّل بشيء معقول، أو يُحمل على معنى مقبول "ولقد حاول المامقاني ذلك".
بأيِّ الأحوال؛ سواء صحِّح هذا الحديث أم ضعِّف، فلا ينبني عليه معتقد الإمامية أصلاً، ولا وجه للتشنيع عليهم به. ثم هو فَرْدٌ غريبٌ ليس يُرْوَى في الكتب الأساسية عندهم. فلا داعي للتهويل، ومحاولة الاتهام والتسقيط.
اترك تعليق