هل الشيعة يذبحون لغير الله؟
يتعرَّض بعضُ الشيعة لشبهة من قِبل بعض أهل السُّنة، فيقولون: إنكم تذبحون لغير الله، وهذا من المحرَّمات؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾
السائل المحترم / سلام عليكم
أولاً: معنى مسألة الذبح لغير الله (تعالى)، هو: «أن يكون الذبح لغيره (تعالى)، سواء ذُكر غيرُ اسمِ الله (تعالى)، كما يفعله الوثنيون والمشركون، أو ذُبح للأصنام والأوثان، من دون ذِكر اسمٍ عليه أبداً». تفسير السبزواري: ج٢ ص٣٦٠.
ثانياً: وردت النصوص الشرعية صريحة في تحريم الذبح لغير الله (تعالى)، وعدِّه من الذنوب الكبيرة، فمنها مثلاً:
[أ] القرآن الكريم:
• قال تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ [البقرة١٧٣].
• قال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة٣].
• قال تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام١٢١].
• قال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [الأنعام١٤٥].
• قال تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [النحل١١٥].
[ب] السُّنة الشريفة:
• روى الشيخ الصدوق في الخصال: ص٤٥١ ح٥٧، عن الإمام الباقر (ع)، «في الآية: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة٣]. قال: الميتة، والدم، ولحم الخنزير: معروف. وما أهلَّ لغير الله به: يعني ما ذُبح للأصنام».
• روى الشيخ الصدوق في الخصال: ص١٣٦ ح١٥١، عن الإمام الصادق (ع)، قال: «لا يكون العبدُ مشركاً، حتى يصلِّي لغير الله، أو يَذبح لغير الله، أو يدعو لغير الله عز وجل».
• روى الشيخ الصدوق في العيون: ج١ ب٣٣ ص١٠٠ ح١، عن الإمام الرضا (ع)، قال: «وحرِّم ما أهلَّ به لغير الله، للذي أوجب الله (عز وجل) على خلقِه، من الإقرار به، وذِكر اسمه على الذبائح المحلَّلة. ولئلاَّ يسوَّى بين ما تقرِّب به إليه، وبين ما جُعل عبادة للشياطين والأوثان. لأن في تسمية الله (عز وجل) الإقرار بربوبيته وتوحيده، وما في الإهلال لغير الله، من الشرك به، والتقرُّب به إلى غيره. ليكون ذِكر الله وتسميته على الذبيحة فرقاً بين ما أحلَّ الله، وبين ما حرَّم الله».
• روى الشيخ الصدوق في العيون: ج١ ب٣٥ ص١٣٤ ح١، عن الإمام الرضا (ع)، قال معدِّداً الكبائر: «وأكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهلَّ لغير الله به، من غير ضرورة».
• روى الشيخ الصدوق في الفقيه: ج٣ ص٣٤٣ ح٤٢١٣، والشيخ الطوسي في التهذيب: ج٩ ص٨٣ ح٣٥٤-٨٩، عن الإمام الجواد (ع)، سأله السيد عبدالعظيم الحَسني: «عمَّا أهلَّ لغير الله به؟ فقال: ما ذُبح لصنم، أو وثن، أو شجر. حرَّم الله ذلك، كما حرَّم الميتة، والدم، ولحم الخنزير».
ثالثاً: أفتى فقهاؤنا قاطبة بحرمة الذبح لغير الله (تعالى)، وحرمة ما يترتب على هذه العملية .. فمنهم مثلاً:
١- الشيخ الطوسي: قال في تفسير التبيان: ج٣ ص٤٢٩، «فما تُقرِّب به من الذبح لغير الله، أو ذُكر عليه غيرُ اسمه، حرام. وكل ما حرُم أكله ـ مما عَددناه ـ يحرُم بيعه، وملكه، والتصرُّف فيه».
٢- أبو الصلاح الحلبي: قال في الكافي في الفقه: ص٢٧٦، «فصل: في بيان ما يحرُم أكله [فعدَّد أشياء، إلى أن قال] أو يُذبح لغير الله تعالى».
٣- القطب الراوندي: قال في فقه القرآن: ج٢ ص٢٧٠، «قوله تعالى: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾، أي: وحرِّم عليكم ما أهلَّ لغير الله به، أي: ما ذُبح للأصنام والأوثان، مما يتقرَّب به، من الذبح لغير الله، أو رفع الصوت عليه بغير اسم الله، حرام. وكل ما حرُم أكله ـ مما عَددناه ـ يحرُم بيعه، وملكه، والتصرُّف فيه».
٤- ومن أراد الاستزادة فدونه الأبحاث الاستدلالية، مثل:
• مسالك الأفهام للشهيد الثاني: ج١١ ص٤٧٧.
• بحار الأنوار للعلاَّمة المجلسي: ج٦٢ ص٢٩٤.
• كشف اللثام للفاضل الهندي: ج٩ ص٢١٧.
• جواهر الكلام للشيخ النجفي: ج٣٦ ص١١٣.
• فقه الصادق للسيد الروحاني: ج٢٤ ص٤٧.
رابعاً: المنتقِد للشيعة خلطَ بين مسألتين مختلفتين:
[الأولى] الذبح لغير الله: كما يذبح المشركون والوثنيون، يعتقدون بألوهية أو ربوبية الأصنام، فيهلُّون بها لغير الله، أو يقصدون التقرُّب بها زُلفى. وهو حرام، ومن الكبائر، بلا شك ولا ريب، عند جميع فقهاء الشيعة كافة.
[الثانية] الذبح لله وحده: مع نيَّة الأضحية أو الصدقة عن الأنبياء (ع) أو الأئمة (ع) أو سائر المؤمنين، ليصِل الثوابُ إليهم. تماماً مثلما يُقرأ القرآن والدعاء ويُهدى الأجرُ لهم، أو تُفعل أعمالُ الخير والبِر نيابة عنهم.
فليس الذبحُ لهم وباسمهم، حتى يكون الإهلالُ بذِكرهم، بل عمل يُهدى ثوابُه وأجرُه لهم كبقية الأعمال الصالحة، فهو ذبحٌ عنهم لا لهم.
وليس قصدُ الشيعة ـ وسائر فرق المسلمين ـ من الذبح لأولياء الله (ع) غير هذا المعنى، وهو جائز بلا إشكال، بل فيه أجرٌ عظيم، فمَن أَوْلى بالهدايا من أولياء الله (ع)؟!
وهذا له نظائر كثيرة في السُّنة الشريفة، فمثلاً:
• روى البخاري في صحيحه: ج٢ ص١٠٢ ح١٣٨٨، وج٤ ص٨ ح٢٧٦٠، ومسلم في صحيحه: ج٣ ص٨١ ح١٠٠٤، وج٥ ص٧٣ ح١٦٢٨، «أن رجلاً قال للنبي (ص): إن أمِّي افْتُلِتَتْ نفسُها [أي: ماتت فجأة]، وأظنها لو تكلَّمتْ تصدَّقتْ، فهل لها أجرٌ إن تصدَّقتُ عنها؟ قال: نعم».
• روى البخاري في صحيحه: ج٤ ص٧ ح٢٧٥٦، وج٤ ص٩ ح٢٧٦٢، وج٤ ص١١ ح٢٧٧٠، «أن رجلاً قال لرسول الله (ص): إن أمَّه توفيتْ، أينفعها إن تصدَّقتُ عنها؟ قال: نعم. قال: فإن لي مِخرافاً، وأُشهدك أني قد تصدَّقتُ عنها».
• روى أحمد في مسنده: ج٣٩ ص٢٨٥ ح٢٣٨٦٠، وج٤٣ ص٦٦ ح٢٥٨٨٦، «أن النبي (ص) كان إذا أراد أن يضحِّي، اشترى كَبْشَيْن عظيمَيْن سَمِينَيْن أمْلحَيْن أقرَنَيْن مَوْجِيَّيْن. فيذبح أحدهما عن أُمَّته، ممَّن شهد بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ. وذبح الآخر عن محمد (ص) وآل محمد».
• روى أبو داود في سننه: ج٣ ص١٥٦ ح٢٧٩٠، والترمذي في سننه: ج٣ ص١٦١ ح١٤٩٥، «عن عليٍّ، أنه كان يضحِّي بكَبْشَيْن، أحدهما عن النبي (ص)، والآخر عن نفسه. فقيل له؟ فقال: أمَرني به ـ يعني: النبي (ص) ـ فلا أدَعُه أبداً»
وأفتى بجوازه جماعة من فقهاء المسلمين، فمثلاً:
(١) قال النووي في المنهاج: ج٧ ص٩٠، «إن الصدقة عن الميِّت تنفع الميِّت ويصله ثوابها، وهو كذلك بإجماع العلماء. وكذا أجمعوا على وصول الدعاء وقضاء الدَّين، بالنصوص الواردة في الجميع. ويصح الحج عن الميِّت إذا كان حج الإسلام. وكذا إذا وصَّى بحج التطوُّع ـ على الأصح عندنا ـ واختلف العلماء في الصواب إذا مات وعليه صوم: فالراجح جوازه عنه، للأحاديث الصحيحة فيه. والمشهور في مذهبنا: أن قراءة القرآن لا يصله ثوابها، وقال جماعة من أصحابنا: يصله ثوابها، وبه قال أحمد بن حنبل. وأما الصلاة وسائر الطاعات: فلا تصله عندنا، ولا عند الجمهور، وقال أحمد: يصله ثواب الجميع كالحج».
(٢) قال الترمذي في السُّنن: ج٣ ص١٦١ ح١٤٩٥، «وقد رخَّص بعضُ أهل العلم أن يضحَّى عن الميِّت، ولم يرَ بعضهُم أن يضحَّى عنه. وقال عبدالله بن المبارك: أحبُّ إليَّ أن يتصدَّق عنه، ولا يضحَّى عنه. وإن ضحَّى فلا يأكل منها شيئاً، ويتصدَّق بها كلها».
(٣) في الشرح الكبير للرافعي: ج١٢ ص٨٤، والمجموع: ج٨ ص٤٠٩، وروضة الطالبين: ج٣ ص٢٠٥ كلاهما للنووي، «واعلم: أن الذبح للمعبود وباسمه، نازلٌ منزلة السجود له، وكلُّ واحدٍ منهما نوعٌ من أنواع التعظيم والعبادة المخصوصة بالله (تعالى) الذي هو المستحق للعبادة. فمن ذبَح لغيره ـ من حيوان، أو جماد: كالصنم ـ على وجهِ التعظيم والعبادة، لم تحلَّ ذبيحتُه، وكان فعلُه كفراً، كمن سجدَ لغيره سجدةَ عبادةٍ. وكذا لو ذبَح له ولغيره على هذا الوجه. فأما إذا ذبَح لغيره لا على هذا الوجه: بأن ضحَّى أو ذبَح للكعبة تعظيماً لها، لأنها بيت الله (تعالى)، أو للرسول لأنه رسول الله (ص)، فهذا لا يجوز أن يمنع حِلَّ الذبيحة. وإلى هذا المعنى يرجع قولُ القائل: أهديتُ للحرَم أو للكعبة. ومن هذا القبيل: الذبح عند استقبال السلطان، فإنه استبشارٌ بقدومه، نازلٌ منزلة ذبح العقيقة لولادة المولود. ومثلُ هذا لا يوجب الكفر، وكذا السجود للغير تذللاً وخضوعاً. وعلى هذا، إذا قال الذابح: باسم الله وباسم محمد، وأراد: أذبح باسم الله، وأتبرَّك باسم محمد، فينبغي أن لا يحرُم. وقول من قال: لا يجوز ذلك، يمكن أن يحمَل على أن اللفظة مكروهة. لأن المكروه يصحُّ نفي الجواز والإباحة المطلقة عنه».
(٤) في غنية الألمعي للعظيم آبادي الكبير: ص١٦٣-١٧٦، وعون المعبود للعظيم آبادي الصغير: ج٧ ص٣٤٤، وتحفة الأحوذي: ج٥ ص٦٦ للمباركفوري، «إن قول من رخَّص في التضحية عن الميِّت مطابق للأدلة، ولا دليل لمن منعها. وقد ثبت أنه (ص) كان يضحِّي بكبشين، أحدهما عن أُمَّته، ممن شهد بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ. والآخر عن نفسه وأهل بيته. ومعلوم أن كثيراً منهم قد كانوا ماتوا في عهده (ص)، فدخل في أضحيته (ص) الأحياء والأموات كلهم. والكبش الواحد الذي يضحِّي به عن أُمَّته، كما كان للأحياء من أُمَّته، كذلك كان للأموات من أُمَّته بلا تفرقة. ولم يثبت أن النبي (ص) كان يتصدَّق بذلك الكبش كله، ولا يأكل منه شيئاً، بل قال أبو رافع: «إن رسول الله (ص) يطعمهما جميعاً المساكين، ويأكل هو وأهله منهما»، رواه أحمد. وكان دأبه (ص) أنه يأكل من الأضحية هو وأهله، ويطعم منها المساكين، وأمر بذلك أمته، ولم يُحفظ عنه خلافه. فإذا ضحَّى الرجل عن نفسه وعن بعض أمواته، أو عن نفسه وعن أهله وعن بعض أمواته، فيجوز أن يأكل هو وأهله من تلك الأضحية، وليس عليه أن يتصدَّق بها كلها. نعم أن تخصَّ الأضحية للأموات، من دون شركة الأحياء فيها، فهي حق للمساكين، كما قال عبدالله بن المبارك».
فالمنتقِد للشيعة لم يحرِّر المسألة، ولم يعرف أحكامها، أو تعمَّد خلطَ أوراقها، للمشاغبة وللتشنيع ضدَّ الشيعة!
وللتوسُّع في هذي المسألة يراجَع:
• منهج الرشاد للشيخ كاشف الغطاء: ص٥٤٤.
• كشف الارتياب للسيد الأمين: ف٧ ص٢٧٧.
اترك تعليق