لماذا لا يتم استيراد القيم الإنسانية من الغرب كما نستورد التكنلوجيا منهم؟
الجواب:
السبب في ذلك أن الثقافة الغربية تنظر للإنسان في بعده المادي فقط، دون الاهتمام لجوانبه الروحية والمعنوية، والإنسان ضمن هذا السياق تتضخم فيه الأنانية الفردية إلى درجة تصبح الذات هي المرجع والمعيار لكل شيء، فالإنسان المادي يعيش في الزمان الطبيعي، ولا يعيش في الزمان الإنساني الذي تحكمه القيم والأخلاقيات، وفي حال تم الحديث عن الاخلاق ضمن هذا التصور المادي فإنه لا يتعدى الدوافع الطبيعية القائمة على الأنانية والحرص على البقاء والمنفعة.
وعليه لم تنتج لنا الثقافة الغربية إلا نوعين من البشر:
الأول: هو الإنسان الاقتصادي، وهو إنسان آدم سميث الذي تحركه الدوافع الاقتصادية والنفعية والسعي لتراكم الثروة والربح، أو إنسان ماركس المحكوم بعلاقات الإنتاج، وهو إنسان منفصل تماماً عن القيمة ولا تحركه إلا الدوافع الاقتصادية.
والثاني: هو الإنسان الجسماني الشهواني، وهو إنسان فرويد الذي تحركه دوافعه الشهوانية حيث تتلخص حياته في البحث عن اللذة الغرائزية، فهو إنسان استهلاكي يعيش البذخ والترف، وهو أيضاً إنسان متجرد عن القيم والأخلاق.
وما يؤسف له أن الإنسان المعاصر هو خليط بين الإنسانيين: اقتصادي مادي، وشهواني غرائزي، وتم في المقابل استبعاد الروح وما تحمله من قيم واخلاق.
ونحن هنا لا نتنكر على ما أنجزته الحضارة الغربية من أمور مفيدة، مثل: التقدم العلمي والتكنلوجي والاقتصادي، مضافاً لبعض الشعارات مثل الحريات والتسامح والحقوق.. وقد عبرنا عنها بـ(الشعارات) لأن هناك تناقض واضح بين مضامين تلك الكلمات وبين الواقع الذي نعيشه، فمثلاً: ثقافة التسامح واحترام الآخر تتناقض مع ثقافة الهيمنة الاقتصادية والسياسية على شعوب العالم الثالث، بل تعاظمت هذه الهيمنة إلى درجة أنها بدأت بفرض الثقافات المنحلة مثل المثلية الجنسية على جميع شعوب العالم.
وبالتالي القيم الإنسانية في الثقافة الغربية لا يمكن قبولها إلا في ظل ثقافة دينية تحافظ على الجانب الروحي والأخلاقي للإنسان، ومن هنا لا نرفض الكثير من الأفكار التي تنادي بها الحداثة، ولكن نرفض أن تكون أفكاراً مادية تهمل الجانب الروحي والأخلاقي في الإنسان، فمثلاً: الحرية التي تجعل المرأة سلعة تباع وتشترى، أو الحرية التي تحطم إنسانية الإنسان، لا يمكن قبولها؛ لكونها قائمة فقط على جانب الجسد دون الروح.
فالغرب وبكل ما أنتج من ثقافة ليبرالية، وبكل ما أسس من مجتمعات وأنظمة علمانية، لم يحقق قيمة حقيقية للإنسان، فالحرية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم يحققان محيطاً صالحاً لحياة الإنسان، لكنهما لا يقدمان صورة واضحة للقيمة الكبرى التي يجب ان يكون عليها الإنسان، فالاهتمام بالجانب المادي للإنسان ضروري ولكن بشرط أن لا يكون على حساب الجانب الروحي لديه، فكما يشعر الإنسان بحاجة مادية يشعر كذلك بحاجة روحية، والافراط والتفريط في أي واحد منهما قد يحققان مكاسباً في جهة ولكن على حساب خسائر في جهة أخرى.
وهكذا يبقى الانسان ضائعاً وفي حاجة أبدية لمَن يحقق له توازن الروح والجسد، وهذا لا يتم إلا بإيجاد تصالح بين الثقافتين، وتقديم تصور تكاملي يراعي الحاجات المادية والمعنوية للإنسان، ويبدو أن ذلك لا يتحقق إلا من خلال الثقافة القائمة على احترام العقل والقيم الأخلاقية، فدعوة الدين إلى التعقل يفتح الطريق نحو تفاعل منطقي مع متطلبات الحياة، وحاجة الحياة إلى السكينة والانسجام الروحي يفتح الطريق نحو تفاعل وجداني مع الأديان. ولكي تكتمل هذه النظرة التكاملية لابد من النظر إلى الإنسان بوصفه محوراً وقيمة أساسية للأديان.
وبذلك يصبح الدين هو الإطار الذي تتساوى فيه أهمية الإنسان كمادة وروح، فالدين ليس حالة من الجذب الوجداني والروحي فقط، وإنما أيضاً حالة من الوعي المرتبط بالحياة والمتفاعل معها، فالمسلم حقاً هو الذي يحقق بإسلامه وعياً بوجوده ووعياً بمحيطه، فيحافظ على سمو روحه أخلاقياً، وفي نفس الوقت يحافظ على سلامة بدنه وصلاح مجتمعه.
وما يؤسف له أن الخطاب الإسلامي ركز على الجانب الروحي والمعنوي، وأهمل الجانب المادي والحسي، في حين ركزت الثقافة الغربية على الجانب المادي وأهملت الجانب الروحي، وكل ذلك تسبب في تشوهات للإنسان الغربي والشرقي معاً، وتجاوز كل ذلك يتم من خلال إعادة الغرب إلى روحه الضائعة، وإعادة الشرق إلى جسده الذي انهكه التخلف والفقر والمرض.
اترك تعليق