هل وضوء الشيعة مروي عن النبي (ص)؟

السؤال: هناك رواية صحيحة ـ على مبنى أهل السُّنة ـ في سنن النسائي، يرويها الإمام الحسين (ع) عن أبيه أمير المؤمنين (ع)، تؤيد صحة وضوء أهل السُّنة! وقد تحدَّى بعضهم الشيعة: بأن يأتوا برواية شيعية صحيحة، تصف الوضوء الشيعي كما هو جارٍ الآن! فهل هناك روايات نستطيع الاستدلال بها في هذا الموضوع؟

: فريق اللجنة العلمية

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾

السائل المحترم / سلام عليكم

[أولاً] لعل الأخ السائل يعني الحديث الذي رواه النسائي في سننه: ج١ ص٦٩ ح٩٥، قال:

«أخبرنا إبراهيم بن الحسن المقسمي، قال: أنبأنا حجاج، قال: قال ابن جريج: حدثني شيبة، أن محمد بن عليٍّ أخبره، قال: أخبرني أبي عليٌّ، أن الحسين بن عليٍّ قال: دعاني أبي عليٌّ بوضوء، فقرَّبته له. فبدأ، فغسل كفيه ثلاث مرات ـ قبل أن يدخلهما في وضوئه ـ ثم مضمض ثلاثاً، واستنثر ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك، ثم مسح برأسه مسحة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك. ثم قام قائماً، فقال: ناولني، فناولته الإناء الذي فيه فضل وضوئه، فشرب من فضل وضوئه قائماً، فعجبتُ! فلما رآني قال: لا تعجب، فإني رأيتُ أباك النبي (ص) يصنع مثل ما رأيتني صنعتُ. يقول لوضوئه هذا، وشرب فضل وضوئه قائماً».

صحَّحه الألباني في صحيح النسائي: ج١ ك١ ب٧٨ ص٤٠ ح٩٥، والوادعي في الصحيح المسند: ج٢ ص٥٥ ح٩٧٠.

وهو عندنا ليس بصحيح، فأكثر رواته مجهولون ومهملون، وهُم من السُّنة لا من الشيعة. مضافاً إلى مخالفته القرآن، ونصوص أهل البيت (ع)، لو كان هذا من حديثهم (ع) فإن شيعتهم أولى من مخالفيهم بروايته. ولو صحَّ ـ ولا يصِح ـ فهو محمول على التقية، فلا يُلزمنا بشيء.

[ثانياً] هذا التحدِّي من المضحكات، لا يقول به من يحترم عقله! فمطالبة السُّني للشيعي برواية صحيحة في مذهبه، وبشروط يقترحها السُّني، حتى يشنِّع بها على الشيعي، فيها ما فيها من الهزل، وعدم المعرفة بمبادئ الجدل.

فروايات الشيعة ليست مُلزمة للسُّنة ـ وبالعكس ـ كما أن قوانين التصحيح والتضعيف تختلف من هؤلاء إلى هؤلاء، فما الدَّاعي لهكذا طلب عبثي سوى التهريج؟!

والمنهج العلمي في المناظرة: أن يطالِب الخصمُ خصمَه بدليل مشترك بينهما، أو بدليل يُلزمه من مصادره، وليس من مصادر خصمِه .. هكذا يتحاور العقلاء!

وبرغم ذلك، عندنا عدة أدلة على صحة وضوئنا، ومطابقته لآيات القرآن وشريعة رسول الله وأهل بيته (ص). سنكتفي بسرد واحد منها، ونشير إلى مصادر البقية.

روى الكليني في الكافي: ج٣ ص٢٥ ح٤، قال: «عليٌّ، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان ـ جميعاً ـ عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، قال:

قال أبو جعفر (ع): ألا أحكي لكم وضوء رسول الله (ص)؟ فقلنا: بلى! فدعا بقعبٍ فيه شيء من ماءٍ، ثم وضعه بين يديه، ثم حسَر عن ذراعيه، ثم غمَس فيه كفه اليمنى ـ ثم قال: هكذا إذا كانت الكفُّ طاهرة ـ ثم غرف فملأها ماءً، فوضعها على جبينه، ثم قال: بسم الله، وسدَله على أطراف لحيته، ثم أمرَّ يده على وجهه، وظاهر جبينه مرة واحدة. ثم غمَس يده اليسرى فغرف بها مَلاها، ثم وضعه على مرفقه اليمنى، وأمرَّ كفه على ساعده، حتى جرى الماء على أطراف أصابعه. ثم غرف بيمينه مَلاها، فوضعه على مرفقه اليسرى، وأمرَّ كفه على ساعده، حتى جرى الماء على أطراف أصابعه. ومسح مقدَّم رأسه، وظهر قدميه، ببلة يساره، وبقية بلة يمناه.

قال: وقال أبو جعفر (ع): إن الله وتر يحبُّ الوتر، فقد يجزؤك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه، واثنتان للذراعين. وتمسح ببلة يمناك ناصيتك، وما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، وتمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى.

قال زرارة: قال أبو جعفر (ع): سأل رجلٌ أميرَ المؤمنين (ع) عن وضوء رسول الله (ص)؟ فحكى له مثل ذلك».

هذا الحديث، صحَّحه التقي المجلسي في روضة المتقين: ج١ ص١٣١، والباقر المجلسي في مرآة العقول: ج١٣ ص٧٤.

وهو حديث يعمل به الشيعة، ويوافق القرآن. يحكي فيه الإمامُ الباقر (ع) وضوءَ جدَّيه أمير المؤمنين (ع) ورسول الله (ص). وهو يعارض ذاك الحديث الذي رواه النسائي، فلا نترك الصحيح، ونأخذ الضعيف.

[ثالثاً] يمكن للقارئ الكريم أن يطالع الأحاديث الصحيحة لأهل البيت (ع) بمسألة الوضوء بالمصادر المعتبرة، مثلاً:

١- روى الكليني في الكافي: ج٣ ص٢٤ ح١، بسند صحيح، عن الإمام الباقر (ع)، يحكي وضوء جدِّه رسول الله (ص).

٢- روى الكليني في الكافي: ج٣ ص٢٤ ح٢، بسند حسن، عن الإمام الباقر (ع)، يحكي وضوء جدِّه رسول الله (ص).

٣- روى الكليني في الكافي: ج٣ ص٢٤ ح٣، بسند صحيح، عن الإمام الباقر (ع)، يحكي وضوء جدِّه رسول الله (ص).

٤- روى الكليني في الكافي: ج٣ ص٢٥ ح٥، بسند صحيح، عن الإمام الباقر (ع)، يحكي وضوء جدِّه رسول الله (ص)، وفيه تفسير لآية الوضوء بالقرآن [سورة المائدة، الآية ٦].

٥- روى الكليني في الكافي: ج٣ ص٣٠ ح٤، بسند صحيح، عن الإمام الباقر (ع)، يحكي وضوء جدِّه رسول الله (ص)، وفيه تفسير لآية الوضوء بالقرآن [سورة المائدة، الآية ٦].

وأيضاً يمكن للقارئ الكريم أن يراجع بعض المصادر التي ناقشت مسألة الوضوء في القرآن والسُّنة، مثلاً:

١- مسائل فقهية: ص٧٣، للسيد شرف الدين.

٢- الوضوء على ضوء الكتاب والسُّنة، للشيخ السبحاني.

٣- وضوء النبي (ص)، للسيد الشهرستاني.

٤- الوضوء غسلتان ومسحتان، للشيخ الماحوزي.

ولاحظ المواضيع التالية على موقعنا:

1- دليل الشيعة على مسح الرجلين في الوضوء.

2- الوضوءُ غسلتانٍ ومسحتان.

3- مذهب أئمة أهل البيت (ع) هو المسح للرجلين في الوضوء.

4- تواتر النقل عن النبي (ص) بأن الغسل للقدمين لا المسح عليهما في الوضوء.

5- هل من الممكن إعطاء ادلة على أن الواجب في الوضوء مسح الأرجل وليس الغسل؟