هل الزلازل بيد الإمام وهي لا تصيب المؤمنين؟

سؤال: انتشرت رسالة عبر مجموعات الواتساب تقول: إنّ الزلازل فعل الإمام من آل محمّد، ولا تصيب الموالي المؤمن، هل ذلك صحيح ونحن رأينا زلازل في إيران ومناطق شيعيّة أخرى؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

للوقوف على هذا السؤال لابدّ من تأكيد مجموعة من النقاط:

أوّلاً: الكوارث والآلام هي جزء أصيل من طبيعة الحياة الدنيا، فالله سبحانه وتعالى لم يخلقها لتكون جنّة أرضيّة يتنعّم فيها الإنسان بدون عناء، فالحياة فيها الحلو والمرّ والخير والشر، يقول تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}.

ثانياً: لا وجود لوعد إلهيّ بأنّ المؤمن لا يصيبه ما يصيب الكافر من معاناة وألم، فحاله في ذلك حال البقية، يصيبه ما يصيب الجميع، يقول تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}.

وعليه، فإنّ الكوارث الطبيعيّة تصيب المؤمن والكافر، والطائع والعاصي، والتقي والفاجر، والمهتدي والضالّ.

والفرق بينهما في أنّ المؤمن يرى ذلك امتحاناً وابتلاءً، والغرض منه التمحيص والاختبار، بينما الكافر لا يراه إلّا عذاباً وعقاباً، لا حِكمة فيه ولا هدف، والآيات 155 - 157 من سورة البقرة تكشف ذلك بوضوح، يقول تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.

ثالثاً: ليس هناك تعارض بين تفسير الظواهر الطبيعيّة بحسب أسبابها العلميّة وبين الحِكمة الإلهيّة من هذه الظواهر، فمثلاً يُقال في التفسير العلميّ للزلازل: بأنّها تحدث بسبب حركة الصفائح التكتونيّة، وهي أقسام من قشرة الأرض تتحرّك، وعندما تحتكّ حوافّ الصفائح ببعضها البعض، يتمّ إطلاق الطاقة على شكل موجات زلزاليّة، وهذا التفسير لا يتعارض مع الحِكمة المترتبة على هذا الزلزال، فالكون بكلّ ما فيه من حوادث خاضع لنظام عامّ، تحكمه أهداف وغايات، ولا مجال فيه للصدفة والعبث والخطأ، وإنْ كان الإنسان يعلم بالمؤدّى العام لهذه الحِكمة، وهي التذكير بالله وضرورة الرجوع إليه، إلّا أنّ الله وحده هو العالم بها تفصيلاً.

ومن تلك الحِكم العامّة: أنّ هذه الظواهر الطبيعيّة الخارجة عن قدرة الإنسان وإرادته تكشف عن مدى ضعف الإنسان وحاجته لله تعالى، فمهما بلغت قدرة الإنسان، ومهما تكامل علميّاً يظلّ عاجزاً أمام سلطة الله وقدرته، فالله تعالى وحده هو الذي بيده أمر هذا الكون، يبتلي عباده بالأوبئة المهلكة والزلازل المروّعة والعواصف المدمّرة والسيول المغرقة والبراكين الحارقة حتّى يعلموا أن لا منجى من الله إلّا إليه، يقول تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}.

رابعاً: هناك نوعان من الأسباب تتحكّم في الكون والوجود: أسباب ماديّة مباشرة، وأسباب غيبيّة غير مباشرة. فمثلاً: قد يكون المرض سبباً مباشراً للموت، ولكن في نفس الوقت هناك سبب غيبيّ آخر، وهو ملك الموت الذي يقبض روحه. وعلى هذا النحو قد تكون الرياح هي السبب المباشر لتحريك السحاب، ولكن هذا لا يمنع من وجود ملك أو ملائكة جعلها الله تعالى مسؤولة عن ذلك، ففي سورة النازعات يقول تعالى عن الملائكة: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}، وجاء في تفسير القرطبي: (وروى عطاء عن ابن عباس: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}: الملائكة وكّلت بتدبير أحوال الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك)، فوجود أسباب مادية مباشرة لا يتعارض مع وجود أسباب غيبيّة، بل إنّ كليهما يحدثان الأثر الفعليّ في الأشياء، فمثلاً: السعي والعمل هو سبب مباشر لجلب الرزق، وفي نفس الوقت نجد (التقوى) هي أيضاً من الأسباب الغيبيّة للرزق، يقول تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، ولذا قد تجد الرجل يسعى ويكدح في طلب رزقه ولكنّه لا يكسب شيئاً غير العناء والتعب، وقد يكون السبب في ذلك هو عدم إحرازه للأسباب الغيبيّة، مثل برّ الوالدين، أو الكذب، أو غير ذلك من الأمور التي تحبس التوفيق، وكذلك قد يكون الرجل متقياً، ولكنّه لا يسعى ولا يحرّك ساكناً، فيعيش فقيراً محروماً.

خامساً: وجود أسباب ماديّة وغيبيّة تسيّر أمر هذا الكون لا يتعارض مع سلطة الله وهيمنته على هذا الكون، فكلّ شيء في هذا الكون مرجعه لله تعالى وحده، فلو افترضنا أنّ الله جعل أمر الزلازل في يد ملك من الملائكة، فإنّ هذا لا يعني أنّ لهذا الملك سلطةً مستقلّة عن الله تعالى، وهكذا إذا افترضنا أنّ الله أعطى عبداً من عبيده ولاية وسلطة تكوينيّة، كأن يحيي الموتى، أو يشفى المرضى، أو غير ذلك، فإنّ ذلك لا يعني منازعة الله في ملكه وسلطانه، ومن هنا ليس هناك مانع عقائديّ بأن يمنح الله تعالى لرسول أو إمام سلطة على الزلازل أو البراكين أو الرياح، كما فعل مع سليمان في قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ}.

وفي محصلة ذلك يمكننا القول: أنّه لا مانع عقائديّ أو عقليّ في أن يكون للإمام سلطة على الزلازل والبراكين بإذن الله تعالى، ولكن لا يمكن نسبة ذلك لهم مالم تكن بين أيدينا نصوص وروايات صحيحة وواضحة في هذا الشأن، والله أعلم.