الأخذ بتوثيقات النجاشي، وتوثيقات غيره من النقاد المتقدّمين

سؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لدي سؤال، وهو: ما الأسباب التي دعت علمائنا الأبرار إلى الأخذ بتوثيقات النجاشي، ولم يعملوا بتوثيقات غيره في تصريحه بالتوثيق او باعتماده الرواية عنه في كتاب مع أنهم من النقاد المتقدّمين ومن أهل الخبرة أيضاً؟

: السيد رعد المرسومي

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في بادئ الأمر نقول: ما ورد في سؤال السائل من أنّ علمائنا الأعلام قد أخذوا بتوثيقات النجاشي، ولم يعملوا بتوثيقات غيره من النقاد المتقدّمين ومن أهل الخبرة، ليس صحيحاً، لأنّه خلاف الواقع الذي نشهده في كتب المعاصرين ومن قبلهم المتأخرين، ككتاب معجم رجال الحديث للسيد الخوئي، وكتاب قاموس الرجال للشيخ التستريّ من المعاصرين ، وكتاب جامع الرواة للأردبيلي، ومجمع الرجال للقهبائي، وكتاب خلاصة الأقوال في معرفة الرجال للعلامة الحليّ والرجال لابن داود، وغيرهم من المتأخرين، إذْ إن هؤلاء الأعلام قد نقلوا توثيقات النجاشي وغيره من توثيقات المتقدمين كالكشي والشيخ الصدوق وأستاذه ابن الوليد وابن نوح أستاذ النجاشي والشيخ المفيد وغيرهم من الأعلام، وبوسع السائل الرجوع إلى هذا الكتب ليتأكد من ذلك.

نعم، هناك بحث بين الأعلام في مسألة تعارض الجرح والتعديل، فقد ذهب جمهور العلماء إلى ترجيح قول النجاشي على الطوسي في الراوي الذي اختلفت فيه أقوالهما، معللين ذلك بأنّ الطوسي كان اهتمامه أكثر بكتب الفقه والكلام والتفسير وانشغاله بأمور المرجعية كونه شيخها في وقته. في حين أنّ النجاشي كان اهتمامه بعلم الرجال أكثر من الطوسي من جهة كثرة المشايخ الذين تلقّى عنهم هذا العلم، وكذلك من جهة كثرة الكتب الواصلة إليه المعنية بعلم الرجال وخبرته بعلم الأنساب والطبقات، والأهم أنّ توثيق الرواة أو جرحهم كان موجوداً بكثرة في كتاب الرجال للنجاشي بعكس الطوسي، فكل هذا جعل من اسم النجاشي يتردد بكثرة في كلمات الأعلام وكتاباتهم حين يستدلون على مسألة ما من خلال ما ورد من روايات ينقلها الرواة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، فعلى سبيل المثال ترى الفقيه يستدل على وثاقة النقلة بما ذكره النجاشي في كتابه؛ وربما هذا الأمر هو الذي جعل السائل يفترض مثل هذا السؤال، وإلا فكلمات بقيّة نقاد الجرح والتعديل كالكشي والصدوق والمفيد وغيرهم مذكورة في مواضعها التي أشرت إليها آنفاً.

وإليك مثالاً على أنّ علمائنا الأعلام يعملون بتوثيقات المتقدمين إذا وصلت إليهم وثبتت لديهم، إذْ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق (ص369) نقل خبرا عن شيخه أحمد بن زياد أبي جعفر الهمداني، فعلق عليه في آخره قائلاً: لم أسمع هذا الحديث إلا من أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه بهمدان عند منصرفي من حج بيت الله الحرام ، وكان رجلا ثقة دينا فاضلا رحمة الله عليه ورضوانه. وهذا التوثيق لا تجده عند النجاشي ولا عند غيره من نقاد الفن، ومع هذا فقد تسالم عليه علماؤنا، واعتمدوه في كتبهم.

هذا فضلاً عن كثيرٍ من الموارد المنقولة عن ابن الوليد أو عن الكشي أو عن ابن نوح كما لا يخفى ذلك على المتتبع.

وأما ما يتعلق بتوثيقات بعض علمائنا المتقدمين كالشيخ الجليل الثقة ابن قولويه، فلم يصل إلينا من كلماته ونقده الخاص بالرجال كما وصلنا من كلمات النجاشي في هذا المقام، وإنما الواصل إلينا هو عبارته المذكورة في مقدمة كتابه الشهير كامل الزيارات التي جاء فيها: ( ... لكن ..ما وقع إلينا من جهة الثقات من أصحابنا..)، وهكذا الحال فيما ورد بالنسبة للعبارة المذكورة في مقدمة تفسير القمي، فهاتان العبارتان يسمّيها علماؤنا الأعلام بالتوثيق العام لمجمل ما ورد في كتاب المؤلف في قبال التوثيق الخاص كما هو محرر في الكتب الرجالية التي تعنى بذلك.

ومما يحسن التنبيه عليه في هذا المقام أنّه وقع الخلاف بين علمائنا الأعلام خصوصاً المتأخرين منهم والمعاصرين في فهم ما يراد من هاتين العبارتين، إذ ذهب الحر العاملي إلى أنّ المستفاد منهما التوثيق العام لكل من ورد اسمه في كتاب كامل الزيارات أو تفسير القمي، في حين ذهب النوري الطبرسي إلى أن المستفاد منهما هو التوثيق لخصوص مشايخهما المباشرين وليس لكل من ورد اسمه في الكتابين، وعلى هذا المنوال درج بعض الأعلام المعاصرين ، في حين يذهب بعض الأعلام إلى قولٍ ثالث حاصله: أنّ العبارة الواردة في كامل الزيارات لا يستفاد منها التوثيق العام للرواة ولا الخاص؛ وإنما يستفاد منها أنّ روايات كامل الزيارات معتبرة لكونها مروية عن الثقات من الرجال المعروفين والمشهورين بعلم الحديث، وكل فقيه وعالم من علمائنا له من الأدلة التي يستند إليها فيما يذهب إليه من القول كما مبين ذلك في كتب علم الرجال ككتاب دروس تمهيدية في علم الرجال للشيخ باقر الإيرواني وغيره. هذا ما لدينا باختصار عن هذا السؤال.

ودمتم سالمين.