موقف الإمامية من عبد الله بن الزبير (ت 73 هـ)

الجواب:

عبد الله بن الزبير من صغار الصحابة، وهو ابن الصحابي الزبير بن العوام، أمّه أسماء بنت أبي بكر، ولد بعد الهجرة وهو أوّل مولود ولد في الإسلام بالمدينة من قريش، حكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق وذلك بعد موت يزيد بن معاوية، وكان له مع الأمويّين وقائع انتهت بمقتله، حيث قتله الحجاج بن يوسف بعد أن حاصره في المدينة، ثمّ صلبه بعد ذلك.

راجع ترجمته في: الاستيعاب لابن عبد البر ج3 ص905، أسد الغابة لابن الأثير ج3 ص161، الإصابة لابن حجر ج4 ص78.

كان ابن الزبير ناصبيّاً، شتّاماً، مبغضاً لأهل البيت والهاشميّين، معادياً، محارباً لهم.

قال ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656هـ) ـ وهو ليس شيعيّاً ـ: (ومن المنحرفين عنه، المبغضين له: عبد الله بن الزبير، وقد ذكرناه آنفاً، كان عليّ - عليه السلام - يقول: « ما زال الزبير منّا أهل البيت حتّى نشأ ابنه عبد الله، فأفسده) [شرح نهج البلاغة ج4 ص79].

وقال المعتزليّ: (وكان عبد الله بن الزبير يشتمه على رؤوس الأشهاد، وخطب يوم البصرة، فقال: قد أتاكم الوغد اللئيم عليّ بن أبي طالب) [شرح نهج البلاغةج1 ص46].

وقال الجاحظ (ت 255هـ): (حدّثت بذلك عن عليّ بن مسهر، عن الأعمش، عن صالح بن حبّاب، عن سعيد بن جبير، قال: قدت ابن عباس حتّى أدخلته على ابن الزبير، قال: أنت الذي تؤنّبني؟ قال: نعم، لأنّي سمعت رسول اللّه - صلى اللّه عليه [وآله] وسلم - يقول: « ليس بمؤمن مَن بات شبعاناً وجاره طاو ». فقال له ابن الزّبير: لمَن قلت ذلك؟ إنّي لأكتم بغضكم أهل البيت مذ أربعين سنة) [رسائل الجاحظ (الرسائل الأدبيّة) ص120]، ونقله أيضاً ابن أبي الحديد في [شرح نهج البلاغة ج4 ص62].

وقال ابن أبي الحديد: (وروى عمر بن شبه وابن الكلبي والواقديّ وغيرهم من رواة السير: أنّه مكث أيّام ادّعائه الخلافة أربعين جمعة، لا يصلّي فيها على النبيّ - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، وقال: لا يمنعني من ذكره إلّا أن تشمخ رجال بآنافها) [شرح نهج البلاغة ج4 ص62].

وقال ابن أبي الحديد: (وروى عمر بن شبة أيضاً عن سعيد بن جبير، قال: خطب عبد الله بن الزبير، فنال من عليّ - عليه السلام -، فبلغ ذلك محمّد ابن الحنفية، فجاء إليه وهو يخطب، فوضع له كرسي، فقطع عليه خطبته، وقال: يا معشر العرب، شاهت الوجوه، أينتقص عليّ وأنتم حضور؟! إنّ عليّاً كان يد الله على أعداء الله، وصاعقة من أمره، أرسله على الكافرين والجاحدين لحقّه، فقتلهم بكفرهم، فشنئوه وأبغضوه، وأضمروا له الشنف والحسد...) [شرح نهج البلاغة ج4 ص62].

كان ابن الزبير سبباً في انحراف والده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعاداته له.

قال الشيخ الصدوق (ت 381هـ): (سمعت شيخنا محمّد بن الحسن - رضي الله عنه – يروي: أنّ الصادق - عليه السلام - قال: « ما زال الزبير منّا أهل البيت حتّى أدرك فرخه، فنهاه عن رأيه ») [الخصال ص171].

وقال ابن الأثير (ت 630هـ): (وشهد الجمل مع أبيه الزبير مقاتلاً لعلي، فكان عليّ يقول: « ما زال الزبير منّا أهل البيت حتّى نشأ له عبد الله ») [أسد الغابة ج3 ص162ـ163]. ونقل هذا النصّ أيضاً ابن عبد البر في [الاستيعاب ج3 ص906]، وغيره.

حضر ابن الزبير معركة الجمل، وقاتل ضدّ أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، وهذا أمر مشهور، لا ينكره أحد.

قال ابن عبد البر (ت463هـ): (وشهد الجمل مع أبيه وخالته) [الاستيعاب ج3 ص906].

وقال ابن حجر (ت 852هـ): (ثمّ شهد الجمل مع عائشة، وكان على الرجّالة... ثمّ اعتزل ابن الزبير حروب عليّ ومعاوية، ثمّ بايع لمعاوية) [الإصابة ج4 ص82].

لقد كان عبد الله هو السبب في إخراج عائشة للقتال في موقعة الجمل.

قال ابن عبد البر: (وروى إسماعيل بن عليّة، عن أبي سفيان بن العلاء، عن ابن أبي عتيق، قال قالت عائشة: إذا مرّ ابن عمر فأرونيه، فلمّا مرّ ابن عمر قالوا: هذا ابن عمر، فقالت: يا أبا عبد الرحمن، ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلاً قد غلب عليك، وظننت أنّك لا تخالفينه - يعني ابن الزبير...) [الاستيعاب ج3 ص910].

وقال ابن أبي الحديد: (وعبد الله هو الذي حمل الزبير على الحرب، وهو الذي زيّن لعائشة مسيرها إلى البصرة، وكان سبّاباً فاحشاً، يبغض بني هاشم، ويلعن ويسبّ عليّ بن أبي طالب - عليه السلام -) [شرح نهج البلاغة ج4 ص79].

وقال الفضل بن شاذان (ت260هـ) : (ورويتم عن جرير، عن يزيد بن أبي داود، قال: حلفت عائشة [أن] لا تكلّم عبد الله بن الزبير لصنيعته حين زيّن لها الخروج إلى البصرة) [الإيضاح ص188].

وقال الشيخ المفيد (ت413هـ): (فقال لها عبد الله: فإذا كان هذا قولك في عليّ يا أمّه، ورأيك في قاتلي عثمان، فما الذي يقعدك عن المساعدة على جهاد ابن أبي طالب، وقد حضرك من المسلمين مَن فيه غنىً وكفاية فيما تريدين؟) [الجمل ص122].

وقد دعاه حقده على الإمام علي (عليه السلام) أن يكذب على عائشة، ويشجّعها على المضي في محاربة أمير المؤمنين (عليه السلام).

قال الطبريّ (ت310هـ): (حدّثني أحمد بن زهير، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثني وهب بن جرير ابن حازم، قال: سمعت يونس بن يزيد الأيليّ، عن الزهريّ، قال: بلغني أنّه لمّا بلغ طلحة والزبير منزل عليّ بذي قار، انصرفوا إلى البصرة، فأخذوا على المنكدر، فسمعت عائشة - رضي الله عنها - نباح الكلاب، فقالت: أيّ ماء هذا؟ فقالوا: الحوأب، فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، إنّي لهيه، قد سمعت رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - يقول - وعنده نساؤه -: « ليت شعري، أيّتكن تنبحها كلاب الحوأب »، فأرادت الرجوع، فأتاها عبد الله بن الزبير، فزعم أنّه قال: كذب مَن قال إنّ هذا الحوأب، ولم يزل حتّى مضت، فقدموا البصرة) [تاريخ الطبري ج3 ص485].

وقال ابن كثير (ت774هـ) - في كلامه عن أهل الجمل -: (وقد مرّوا في مسيرهم ليلاً بماء يُقال له الحوأب، فنبحتهم كلاب عنده، فلمّا سمعت ذلك عائشة، قالت: ما اسم هذا المكان؟ قالوا: الحوأب، فضربت بإحدى يديها على الأخرى، وقالت: إنّا لله وإنا إليه راجعون، ما أظنّني إلّا راجعة، قالوا: ولمَ؟ قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه [وآله] وسلم - يقول لنسائه: « ليت شعري، أيّتكن التي تنبحها كلاب الحوأب »، ثمّ ضربت عضد بعيرها فأناخته، وقالت: ردّوني ردّوني، أنا - والله - صاحبة ماء الحوأب - وقد أوردنا هذا الحديث بطرقه وألفاظه في دلائل النبوة كما سبق -، فأناخ الناس حولها يوماً وليلة، وقال لها عبد الله بن الزبير: إنّ الذي أخبرك أنّ هذا ماء الحوأب قد كذب) [البداية والنهاية ج7 ص258].

تعدّدت موبقات ابن الزبير، فقد حاصر محمّد ابن الحنفية وبني هاشم في شعب أبي طالب، وأراد إحراقهم لرفضهم بيعته، فأرسل المختار الثقفي مَن يخلّصهم من ذلك.

راجع أحداث هذه المأساة في الكامل في التاريخ ج4 ص250، وغيره من المصادر.

قال المؤرخ ابن أعثم (ت314هـ) - بعد أن ذكر طلب ابن الزبير من ابن الحنفيّة أن يخرج من شعب أبي طالب -: (فأطرق ابن الحنفيّة ساعة، وقال: اللهمّ، إنّ هذا الرجل قد ظلمني، وتعدّى عليّ في إخراجه إيّاي من حرمك وحرم رسولك محمّد - صلى الله عليه وآله -. اللهمّ، فألبسه لباس الذلّ والخوف، وسلّط عليه وعلى أشياعه وناصريه مَن يسومهم سوء العذاب. اللهمّ، عاقبه بخطيئته، واجعل دائرة السوء عليه بسوء نيّته وجريرته، وخذه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله، وأنزل به بأسك وغضبك الذي لا تردّه عن القوم المجرمين. قال: ثمّ عزم ابن الحنفيّة على المسير إلى الطائف هو وأصحابه) [الفتوح ج6 ص323].

قال ابن أعثم: (وبلغ ذلك عبد الله بن عبّاس أنّ ابن الحنفية يريد أن يمضي إلى الطائف، فأقبل مغضباً حتّى دخل على عبد الله بن الزبير، فقال: يا هذا، والله ما ينفعني تعجّبي منك ومن ائتزازك وجرأتك على بني عبد المطلب، تخرجهم من حرم الله وحرم رسوله محمّد - صلى الله عليه وآله وسلم - وهم بالحرم وأعظم فيه نصيباً منك، أما والله إنّ عواقب الظلم لترد إلى مساءة وندامة. فقال له ابن الزبير: يا ابن عبّاس، إنّه قد قتل الله

المختار الكذّاب الذي كنتم تمدّون أعينكم إلى نصرته لكم، فقال ابن عبّاس: يا ابن الزبير، دع عنك المختار، فإنّه قد بقيت لك عقبة تأتيك من أرض الشام، فإذا قطعتها فأنت أنت، قال: فغضب ابن الزبير...) [المصدر السابق].

أنهي هذا الجواب بقول علمين من الشيعة حول ابن الزبير:

قال الشيخ فخر الدين الطريحيّ (ت1085هـ): (والخبيبان عبد الله بن الزبير وابنه) [مجمع البحرين ج2 ص49].

وقال الشيخ محمّد حسن المظفر (ت1375هـ): (ومَن ذا الذي يشكّ في عداء عبد الله بن الزبير لأمير المؤمنين - عليه السلام -؟) [دلائل الصدق لنهج الحق ج1 ص68].