هل زيد ونقص في القرآن الكريم؟

السؤال: عن ميسر عن أبي جعفر عليه السلام قال: « لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفى حقنا على ذي حجى، ولو قد قام قائمنا فنطق صدقه القرآن »، ما هي الزيادة في كتاب الله والنقص منه وفق هذا الحديث؟ هل من متنه الأصلي أم من التفسير والتأويل؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد أجمع المسلمون كلّهم – عدا الشاذّ منهم – على القول بصيانة القرآن الكريم من التحريف، فإنّ القرآن المجموع بين الدفّتين تامّ، لا زيادة فيه ولا نقص، وقد حكى الإجماع جمعٌ من أكابر العلماء، واستدلّوا على ذلك بعدّة أدلّة مذكورة مسطورة في الأبحاث المتخصّصة لذلك، كما ذكرنا في بعض الأجوبة السابقة، فيستحسن مراجعتها.

وقد وردت في بعض مصادر المسلمين روايات قد تدلّ على وقوع التحريف، ولكنّها غير تامّة، وفيها مناقشات في الإسناد أو في الدلالة.

ومن تلك الأحاديث:

هذا الحديث الذي رواه العياشيّ عن ميسر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: « لولا أنّه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقّنا على ذي حجى، ولو قد قام قائمنا فنطق صدّقه القرآن » [تفسير العياشي ج1 ص13].

فقد يقال: إنّ هذا الحديث يدلّ على وقوع الزيادة والنقيصة في القرآن الكريم.

ولكن، يلاحظ على هذا الحديث بجملة من الملاحظات:

الأولى: إسناد الحديث:

1ـ الشيخ العياشيّ من الطبقة التاسعة، وميسر من الطبقة الثالثة أو الرابعة، فلا يمكن أن يروي عنه مباشرة، بل هناك أربع أو خمس وسائط بينهما، فهذا الإسناد مرسل. ويُسمّى في اصطلاح أهل الحديث بالمعضل، وذلك لسقوط راويين أو أكثر من إسناده.

2ـ ميسر الراوي عن الإمام الباقر (عليه السلام) مشترك بين ميسر بن عبد العزيز النخعيّ المدائنيّ الثقة، وبين ميسر بن عبد الله النخعيّ المهمل، وليس في المقام من قرينةٍ واضحة لترجيح أحدهما على الآخر إلا بمرجّح الاشتهار الذي ذهب البعض، ولكنْ مع هذا يبقى الاحتمال في الطرف الآخر قائماً، وحينئذٍ يدور الأمر بين الثقة المعروف والمهمل المجهول.

3ـ أنّ هذا الحديث واحد، ولا يمكن أن يُستندَ إليه في مثل هذه المسألة الخطيرة.

الحاصل: أنّ هذا الحديث مرويّ بإسناد مرسل، وراويه ميسر مردّد بين الثقة والمهمل، مع أنّه لا حجيّة فيه في مثل المقام لو كان إسناده معتبراً.

الثانية: دلالة الحديث:

أنّ هذا الحديث يدلّ على وقوع الزيادة والنقص في تفسير القرآن وتأويله، ولا يدلّ على وقوعهما في ألفاظ الآيات القرآنيّة؛ بقرينة ذيل الحديث، وبيان ذلك فيما يلي:

أنّ قول الإمام (عليه السلام): « ولو قد قام قائمنا فنطق صدّقه القرآن » يدلّ على أنّ الإمام المهدي (عجل الله فرجه) عندما يظهر يقوم بإيضاح وبيان حقّ أهل البيت (عليهم السلام) من القرآن الكريم المجموع بين الدفّتين بملاحظة أسباب النزول والتأويل وغير ذلك، وبيان الإمام (عليه السلام) يصدّقه القرآن، أي: أنّ القرآن الكريم مصدِّق ومطابق لإيضاحه وبيانه، وليس مخالفاً ومكذّباً له. فذيل هذا الحديث: « فنطق صدّقه القرآن » يدلّ على أنّ هذا القرآن المتداول بين المسلمين يكون دليلاً على صدق كلام وبيان الإمام (عليه السلام).

ومن الواضح، أنّه لا يمكن أن يكون القرآن المجموع بين الدفّتين مصدّقاً للإمام (عليه السلام) لو قلنا بوقوع الزيادة والنقص في ألفاظ آياته؛ إذ إنّه لو كان في آياته زيادة ونقيصة لَمَا كان مصدِّقاً له (عليه السلام).

إذنْ: فلا مناص من القول: إنّ المراد أنّ تفسير الإمام (عليه السلام) للآيات القرآنيّة هو التفسير الصحيح الذي أراده الله تعالى وأنزله على رسوله (صلى الله عليه وآله)، والقرآن الكريم يصدّقه، وهذا يدلّ على أنّ المراد بالزيادة والنقص إنّما هي في معاني الآيات القرآنيّة، لا ألفاظها.

وممّا تقدّم يتبيّن أنّ كلمتي « زيد.. ونقص » وإنْ كان المتبادر منهما بدواً وقوع الزيادة والنقص في ألفاظ القرآن، ولكن بما ورد في ذيل الحديث « فنطق صدّقه القرآن » يدلّ على إرادة الزيادة والنقص في التفسير والتأويل.

وهذا المعنى فهمه جمعٌ من العلماء، وإليك بعضاً من كلماتهم:

قال الشيخ محمّد هادي معرفة: (وبذلك تعرف معنى قولهم (عليهم السلام): « لولا أنّه زيد في كتاب اللّه ونقص منه، ما خفي حقّنا على ذي حجى »، حيث المراد من الزيادة والنقصان هو تحميل الرأي والتفسير على غير الوجه الصحيح، فيزيد في مدلول كلامه تعالى وينقص منه عن عمد خبيث، أو القول فيه بغير علم ولا هدى من اللّه، وهو المعبّر عنه بالتفسير بالرأي الممقوت. هذا فضلًا عن كتمان حقائقه دون بيانها للناس، فإنّه تقصير بشأن الكتاب العزيز، وتنقيص من دلائله الرشيدة. وهذا المعنى - بعد هذا البيان - يتّحد مع قولهم - في الحديث الآنف - : « لو قد قرئ القرآن كما أُنزل لألفيتنا فيه مسمّين »، أي غضّاً طريّاً لا يشوبه كدر الأوهام.

إذن: ليس المقصود زيادة في لفظه أو حذف شيء منه، كما توهّمه أهل التحريف؛ إذ لو كان المراد ذلك لكان على خلاف إجماع الطائفة إطلاقاً، وكان مطروحاً البتّة؛ إذ لم يقل أحد بالزيادة في القرآن..) [التمهيد في علوم القرآن ج8 ص239، صيانة القرآن من التحريف ص239].

وقال السيّد جعفر مرتضى العامليّ – بعد ذكر الحديث –: (فإنّ الذي يصدّق القائم - عليه الصلاة والسلام - هو هذا القرآن الفعليّ، الموجود بين أيدي الناس؛ حيث إنّه في مقام التدليل على ما أضيع لهم من حقّ، ولومِ مَن لا يقبل الاعتراف بذلك لهم. ومعنى ذلك: هو أنّ الإمام الحجة - صلوات الله وسلامه عليه -، لسوف يظهر معاني القرآن على حقيقتها، بحيث لا يبقى فيها أي لبس أو غموض، بحيث يدرك كلّ مَن له حجى وعقل أنّ القرآن يصدّقه، ولو كان محرّفاً حقّاً لم يصدقه القرآن.

فالمراد: أنّهم قد حرّفوا معانيه، ونقصوها وأدخلوا فيها ما ليس منها، حتّى ضاع الأمر على ذي الحجى. وشاهد تعرض القرآن للتحريف في معانيه: حذف بعض ما جاء من التأويل لآياته، وحذف ما أنزله الله تعالى تفسيراً له، وحذف موارد النزول، واشتباه الأمر فيما يرتبط بناسخه ومنسوخه وغير ذلك. ثمّ استبدل ذلك بتأويلات وتفسيرات أخرى غير واقعية، واجتهادات خاطئة في بيان ناسخه ومنسوخه، وما إلى ذلك...) [حقائق هامة حول القرآن الكريم ص56].

الثالثة: مخالفة الإجماع:

لو سلّمنا اعتبار إسناد الحديث، وسلّمنا تماميّة دلالة الحديث على وقوع الزيادة والنقص في ألفاظ القرآن الكريم، فنقول: إنّ هذا الحديث ممّا لا يمكن الأخذ به في المقام؛ لأنّه مخالف لإجماع المسلمين كافّة، فإنّهم مجمعون على عدم وقوع الزيادة في القرآن.

قال السيّد الخوئيّ – في بيان معاني التحريف –: (الخامس: التحريف بالزيادة، بمعنى أنّ بعضَ المصحف الذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل، والتحريف بهذا المعنى باطلٌ بإجماع المسلمين، بل هو ممّا عُلم بطلانه بالضرورة) [تفسير البيان ص218].

الحمد لله رب العالمين