الكميت الأسديّ وعقيدته

السؤال: مَنْ هو الشاعر الكميت الأسدي؟ وهل كان شيعياً؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب:

الكميتُ بن زيد الأسدي الكوفيّ (60 ـ 126هـ) شاعر كوفيّ، وخطيب ألمعيّ، وشيعيّ رافضيّ، وفقيه على مذهب العترة الطاهرة، ونسابة لا نظير له، ومتكلّم نظّار، ومناظر مدافعٌ عن إمامة أهل البيت (عليهم السلام).

قال ابن عساكر: كميت بن زيد بن خنيس بن مجالد... أبو المستهل الأسدي الشاعر من أهل الكوفة. روى عن: الفرزدق، ومذكور مولى زينب بنت جحش، وأبي جعفر محمد بن عليّ، روى عنه: والبة بن الحباب الشاعر، وحفص بن سليمان الأسدي، وحبيب بن سليم، وأبان بن تغلب. (تاريخ مدينة دمشق، ج50 ص 229).

وقال الذهبيّ: الكميت ابن زيد الأسدي الكوفي، مقدّم شعراء وقته، قيل: بلغ شعره خمسة آلاف بيت... قال أبو عبيدة: لو لم يكن لبني أسد منقبة غير الكميت لكفاهم، حببهم إلى الناس، وأبقى لهم ذكراً. وقال أبو عكرمة الضبي: لولا شعر الكميت لم يكن للغة ترجمان. (سير أعلام النبلاء، ج5 ص 388).

وقال أيضاً: قيل: إنه لمّا مدح عليّ بن الحسين (ع) قال: إني قد مدحتك بما أرجو أن يكون وسيلة عند رسول اللَّه (ص) يوم القيامة، ثم أنشده قصيدة له، فلما فرغ منها قال: ثوابك نعجز عنه ولكن ما عجزنا عنه فإنّ اللَّه لن يعجز عن مكافأتك، وقسّط على نفسه وأهله أربعمائة ألف درهم، فقال له: خذ هذه يا أبا المستهل، فقال: لو وصلتني بدانق لكان شرفاً ولكنْ إن أحببت أنْ تُحسن إليّ فادفع لي بعضَ ثيابك التي تلي جسدك أتبرّك بها، فقام (ع) فنزع ثيابه فدفعها إليه كلّها ثم قال: اللَّهمّ إنّ الكميت جاد في آل رسولك وذريّة نبيّك بنفسه حين ضنّ الناس، وأظهرَ ما كتمه غيره من الحقّ فأمته شهيداً وأحيه سعيداً وأره الجزاء عاجلاً وأجر له جزيل المثوبة آجلاً فإنّا قد عجزنا عن مكافأته، قال الكميت: ما زلتُ أعرف بركة دعائه. (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ج8 ص 212).

وقال الذهبي: وعن أبي عكرمة الضبيّ عن أبيه قال: كان يقال: ما جمع أحد من علم العرب ومناقبها ومعرفة أنسابها ما جمع الكميت، فمن صحّح الكميت نسبه صح ومن طعن فيه وهن. قال المبرّد: وقف الكميت وهو صبيّ على الفرزدق وهو ينشد، فلما فرغ قال: يا غلام أيسرّك أني أبوك ؟ قال: أما أبي فلا أريد به بدلاً ولكن يسرّني أن تكون أمّي، فحصر الفرزدق وقال: ما مرّ بي مثلها. (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ج8 ص 213).

وقال ابن عساكر: قال محمد: وأنبأنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عرفة، أنبأنا المبرد، عن الزيادي، قال: كان عمّ الكميت رئيس قومه فقال له يوماً: يا كميت لمَ لا تقول الشعر ثم أخذه فأدخله ماءً كان لهم وقال: لا أُخرجنك منه أو تقول الشعر فمرّت به قُبّرة فأنشأ متمثلا يقول:

يا لك من قبّرة بمعمر * خلا لك الجو فبيضي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقري.

فقال له عمّه إنّما حلفت أنك تقول شعراً وقد قلته فأخرج. فقال والله لا خرجت من الماء أو أقول شعراً لنفسي فما رام من الماء حتى قال قصيدته المشهورة وهي أول شعره ثم غدا على عمه فقال له أجمع لي العشيرة ليسمعوا قولي فجمع له العشيرة ثم قام فأنشد:

طربت وما شوقا إلى البيض أطرب * ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب ؟

ثم قال له عمّه ثم ماذا فقال:

ولم تلهني دار ولا ربع منزل * ولم يتطربني بنان مخضب

فقال له عمّه ثم ماذا فقال:

ولا أنا ممن يزجر الطير همه * أصاح غراب أم يعرض ثعلب

ولا السانحات البارحات عشية * أمر سليم القرن أم مر أعضب

فقال له عمّه فأي شئ فقال:

ولكن إلى أهل الفضائل والنهى * وخير بني حواء والخير يطلب

فقال له عمّه من ويلك فقال:

إلى النفر البيض الذين بحبهم * إلى الله فيما نابني أتقرب

فقال له عمّه ثكلتك أمّك مَن هم فقال:

بني هاشم رهط النبي فإنني * لهم وبهم أرضى مرارا وأغضب

قال فأمسك عمّه حتى أتى على القصيدة إلى آخرها فقال عمّه لقومه: ليهنكم النعمتين إن فيكم شاعراً ومع ذلك إنه طاهر الولادة. (تاريخ مدينة دمشق، ج50 ص 233 ـ 234).

قال المرزباني (ت 384هـ): وقيل: إنّه قدم المدينة، فاجتمع به أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام ليلاً وأصبح فذكر أنّه أنشده قصيدته التي أولها: مَن لقلب متيم مستهام... وأنه (عليه السلام) أنصت له وعرض عليه مالا فأبى أن يقبله وقال: والله ما قلت فيكم شيئا أريد به عرض الدنيا، ولا أقبل عليه عوضاً إذا كان لله ولرسوله فقال: فلك ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحسان: لا زلت مؤيداً بروح القدس ما ذبيت عنا أهل البيت. فقال: جعلني الله فداك. (مختصر أخبار شعراء الشيعة، المرزباني الخراساني، ص 73).

كان الكميت شيعيا بالمعنى الإصطلاحي للكلمة معتقداً إمامة أهل البيت (ع)، وحين نذهب إلى القول بشيعيته فلا يعني هذا ما يعتقده الجمهور من كون الشيعي مَن فضّل علياً (ع) على عثمان فحسب، وإنّما كان الكميت مغالياً في تشيّعه يفضّل علياً (ع) على الشيخين وينعته بالوصيّ.

نسبه الجاحظ (ت 255هـ) للغلو في التشيّع، قال: وكان الكميت شيعياً من الغالية. (البيان والتبيين، حقّقه وقدّم له: المحامي فوزي عطوي، ص 39).

وقال ابن قتيبة (ت 276هـ): كان رافضيّاً... متعصباً لأهل الكوفة. (الشعر والشعراء، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ج2 ص 30).

ووصفه البلاذري (ت 279هـ) بالشاعر الشيعي. (أنساب الأشراف ج 11 ص183).

وفي تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: وكان الكميت شيعياً رافضياً. (تاريخ مدينة دمشق، ج 24 ص 467).

قال الذهبي: وكان الكميت شيعياً. (سير أعلام النبلاء ج 5 ص388).

إنّ وصفهم للكميت بأنه شيعي، رافضي، من الغالية يدلّ على شدة تشيّعه، والرافضي عند الجمهور هو من يقدّم علياً (ع) على الشيخين.

لم تقتصر عقيدة الكميت على هذا بل كان يذكر علياً (ع) ويصفه بالوصي، وهذا يدل على اعتقاده النص بالخلافة على أمير المؤمنين (عليه السلام).

قال البلاذري: وقال الكميت يذكر قتل عليّ:

والوصيّ الذي أمال التجوبي * به عرش أمّة الانهدام

قتلوا يوم ذاك إذ قتلوه * حكماً لا كسائر الحكام

يعني بالتجوبي ابن ملجم لأن جدّه تجوب. (أنساب الأشراف، ج 2 ص 507).

وقد أكمل أبيات الكميت المتقدمة المرزباني، وفيها نعتُ الإمام الحسن (ع) بكونه وصيّ الوصيّ، أي وصيّ الإمام علي (ع)، وهذا دليل على اعتقاده إمامته أيضا.

قال المرزبانيّ: ووصيّ الوصيّ ذو الخطة * الفصل ومردي الخصوم يوم الخصام

وقتيل بالطف غودر منهم * بين غوغاء أمة وطغام

وسمي النبي بالشعب ذي * الخيف طريد المحل بالاحرام

ورأيت الشريف في أعين الناس * وضيعا وقل منه احتشامي

وتناولت من تناولت بالغيبة * أعراضهم بغير إكتشام

لا أبالي إذا حفظت رسول * الله فيهم ملامة اللوام

فهم شيعتي وقسمي من الأمة * حسبي من سائر الأقسام (مختصر أخبار شعراء الشيعة، المرزباني الخراساني، ص 75 ـ 76).

وقال الكميت معترفاً بنصّ الغدير ودلالته منكِراً على الخليفة الأول:

ويوم الدوح دوح (غدير خم) * أبان له الولاية لو أطيعا

ولكن الرجال تبايعوها * لم أر مثلها خطراً أبيعا

ولم أر مثل ذاك اليوم يوماً * ولم أر مثله حقاً أضيعا

فلم أبلغ لهم لعناً ولكن * أساء بذاك أولهم صنيعا

فقل لبني أمية حيث كانوا * وإن خفت المهند والقطيعا

أجاع الله من أشبعتموه * وأشبع من بجوركم أجيعا

بمرضيّ السياسة هاشمي * يكون حياً لأمته مريعا

وليثاً في المشاهد غير نكس * لتقويم البريّة مستطيعا

يقيم أمورها ويذب عنها * ويترك جدبها أبداً ربيعا

قال: فأدار أبو جعفر ـ أي الإمام الباقر(ع)ـ وجهه إلى القبلة وقال: اللهم اكفِ الكميت، ثلاث مرات، فلما وقع في الحبس تخلص بدعائه. (مختصر أخبار شعراء الشيعة، المرزباني الخراساني، ص 78).

وقد ذكر المرزباني قصة له مع الشاعر السيد الحميري، تدل على تبرّيهِ من أعداء أهل البيت (ع). (أخبار السيد الحميري، تحقيق: الشيخ محمد هادي الأميني، ص 178 – 179).

قال الشهيد السيد نور الله التستري أثناء ترجمته: من أعلام الشيعة الإثني عشرية) وقال: ورويَ أنه دخل على أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام وابو جعفر ينشد:

ذهب الذين يعاش في اكنافهم * لم يبق إلا شامت أو حاسد

فأنشده الكميت بديهة:

وبقيَ على وجه البسيطة واحد * وهو المراد وأنت ذاك الواحد. (مجالس المؤمنين ج4 ص65).

قال السيد الخوئي: إنّ جلالة الكميت وولاءه لأهل البيت عليهم السلام مشهورة معروفة. (معجم رجال الحديث ج 15 ص 131 – 132).

كان الكميت مناظراً مجادلاً إماميّاً، أظهرَ حججه وأدلته في أشعاره، لهذا قال الجاحظ عنه: ما فتح للشيعة الحجاج إلا الكميت بقوله:

فإن هي لم تصلح لحي سواهم * فإنّ ذوي القربى أحقّ وأوجب

يقولون لم يورث ولولا تراثه * لقد شركت فيه بكيل وأرحب (الروضة المختارة شرح القصائد العلويات السبع، لابن أبي الحديد، ص 160).

روى ابن عساكر: قال الجاحظ: ما فتح للشيعة الحجاج إلا الكميت بقوله... وقال ـ أي الجاحظ ـ هذا وضع نكد يصغي إليه كل أحد، ولو كان شعره في المكانة مثل حجاجه لكان منقطع القرين. (تاريخ دمشق ج 50 - ص 239).

وروى ابن عساكر عن العتابي: قال كان في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر: كان خطيب أسد، وفقيه الشيعة، وحافظ القرآن، وثبت الجنان، وكان كاتبا حسن الخط، وكان نسابة، وكان جدلاً، وكان أول من ناظر في التشيع. (تاريخ مدينة دمشق ج 50 ص232).

ترجم الإماميّة للكميت وعدّوه من رجالهم، وقد مرت بعض أقوال كبارهم، ومما قاله الشبستري المعاصر: أبو المستهل الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد بن ربيعة بن قيس المضريّ، الأسديّ، الكوفيّ. من كبار أدباء وشعراء الشيعة الإمامية، ومقدّم شعراء عصره، وكان فقيهاً مشكور الطريقة، جليل القدر، ممدوح السيرة، محدثاً حسن الحال، خطيباً بليغاً. لشدة ولائه لآل البيت عليهم السلام عرف بشاعر الهاشميين، وكان متعصباً للمضريّة على القحطانيّة، والشيعة على الأموية. كان متبحراً في شتى صنوف المعرفة كاللغة والأنساب وآداب العرب وأخبارهم، وعُرف بالشجاعة والسخاء والكرم. روى كذلك عن الإمام الباقر عليه السلام، وتشرف بلقاء الإمام السجاد عليه السلام. قال فيه الإمام الباقر عليه السلام: لا تزال مؤيداً بروح القدس ما دمت تقول فينا. روى عنه عقبة بن بشير الأسدي، ويونس بن يعقوب. من أشهر شعره (الهاشميات). (الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصادق (ع)، ج2 ص 619).

قال السيد الأمين ذاكراً وفاة الكميت: وتوفي في خلافة مروان بن محمد سنة ست وعشرين ومائة، وكان السبب في موته أنه مدح يوسف بن عمر بعد عزل خالد القسريّ عن العراق. فلما دخل عليه أنشده مديحه معرضاً بخالد وكان الجند على رأس يوسف متعصبين لخالد فوضعوا سيوفهم في بطنه وقالوا: أتنشد الأمير ولم تستأمره فلم يزل ينزف الدم منه حتى مات. وكان مبلغ شعره حين مات خمسة آلاف ومائتين وتسعة وثمانين بيتاً. وروى عن المستهل بن الكميت أنه قال: حضرت أبي عند الموت وهو يجود بنفسه ثم أفاق ففتح عينيه ثم قال: اللهم آل محمد. اللهم آل محمد. اللهم آل محمد. ثلاثاً. رحمه الله تعالى. (أعيان الشيعة، ج ٩9 ص 34 ـ 35).