هل يجوز الخطأ على مرجع التقليد؟
السؤال: المطلوب منا بتعاليم ديننا تقليد مرجع واعتمد رأيه. فكيف ممكن اثق بكلام مرجع رغم انه خلال اخر ٢٠٠ سنة بالعراق فقط كان عندهم اراء ادت لقتل الكثير من الناس. من امثلتها: مراجع دعت للجهاد بصفوف العثمانيين. وبعدها بفترة مراجع تدعو للجهاد بصفوف الانكليز ضد العثمانيين. مراجع حرمت على الناس دخول اولادهم للمدارس. مراجع تفتي بأن الشيوعية كفر والحاد وعلى اساسها يموت الاف الناس رغم ان الشيوعية توجه اقتصادي وسياسي لإدارة البلد وليس له علاقة بالدين. مراجع تحلل زواج القاصرات وهل صحيح ان الرسول تزوج عائشة وهي قاصرة، وتحليل زواج المتعة.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربِّ العالمين
وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين
السؤال طويلٌ جدَّاً، وفيه تشعّباتٌ عدَّة خلطت الأوراق فيما بينها، ويُجاب عنها – باختصارٍ - تِباعاً إن شاء الله تعالى.
هل المرجعُ يخطئ؟ نعم، يُخطئ المرجع في إصابة الواقع عند الفتوى كما يُخطئ الطبيب في تشخيص المرض حين الفحص، وكما أنّ هذا الخطأ الطبيّ لا يضرُّ في أهلية الطبيب لفحص المرضى ما دام جارياً على الأصول العلميَّة المعتمدة في علم الطبّ، كذلك لا يضرّ خطأ المجتهد في أهليَّته لاستنباط الفتوى ما دام مراعياً للقواعد العلميَّة المرسومة في صناعة الفقه.
وأي مهندسٍ لم يُخطئ في اختصاصه؟ وأيُّ تاجرٍ لم يخسر في تجارته؟ وأي لاعبٍ ماهرٍ لم يُخطئ في مناولته؟ وكلُّ هذه الأخطاء لم تُخرج أولئك عن كونهم مهندسين، وتجاراً،و لاعبين مهرة.
نعم، يُؤخذ على الطبيب خطؤه لو لم يستند إلى القواعد المرعيَّة في الطبّ، أو استند إليها ولكنَّه قصَّر في الأخذ بها بحيث يؤدي ترك بعضها إلى الخطأ في التشخيص.
وكذلك الفقيه، يؤخذ عليه خطؤه لو استند إلى غير قواعد الفقاهة في استنباط الحكم الشرعيّ كما لو استند إلى القياس أو الاستحسان، أو أخذَ بالقواعد المعمول بها ولكنَّه لم يراعها بتمامها، أو أغمض العين عن بعضٍ منها، أو لم يُعطِ الفحص عن الأدلَّة حقّ زكاته.
وببيانٍ مختصر، أنَّه اتفقت كلمة العلماء أن لا تقليد في اليقينيات، وإنْ شئتَ سمِّها الضروريَّات.
والضروريات الفقهيَّة إما إسلاميَّة كوجوب الصلاة والصوم، وحرمة الرّبا والزّنا، أو مذهبيَّة كوجوب الخمسِ، وحرمة قول "آمين" في الصَّلاة.
كما لا تقليد في أصول العقائد؛ لأنَّه ممّا يتطلَّب فيها البرهان ليبخع القلبُ لسطوة دليلِها.
إذنْ التقليد في المسائل الفقهيَّة غير الضروريَّة، والتي يبذل الفقيه كلَّ جهده لاستخراج حكمها الشرعيّ، فإذا أخطأ الفقيه في إصابة الواقع في استنباط الحكم الشرعيّ فإن الله سبحانه وتعالى لا يُعاقبه فيما لو كان اجتهاده وفق القواعد التي جعلها حُجَّة فيما بينه وبين الله تعالى.
وأضربُ لك بِعَصَا التّقريب مثلا، لو أخطأ الطبيب في تشخيص الحالة المرضيَّة، فإنّ القانون لا يُحمّله المسؤوليَّة الجزائيَّة لو كان تشخيصه جارياً وفق الأسس الطبيَّة التي درسها، أما لو كان خطؤه مستنداً إلى التقصير العلميّ فهو يستحق العقاب.
وإلَّا – إذا لم نرضَ بالمراجع – فما هو الطريق إلى معرفة أحكام الله تعالى مع غياب الإمام المعصوم (عليه السَّلام)؟ هل نستفتي الطبيب في مسألة الهلال؟ أم المهندس في مسألة الغصب؟ أم الصيدلانيّ في مسألة شكوك الصلاة؟
الثّقة بالمراجع:
ثم قال السائل: كيف أثق برأي المراجع وهم يدعون تارةً للقتال في صفوف العثمانيين ضدَّ الإنكليز، وأخرى أفتَوا بالوقوف مع الإنكليز في جهاد العثمانيين؟
وقبل الجواب نُريد إحراج هذا السائل المفتري على المراجع الثقات فنسأله: مَنْ هو المرجع الذي أفتى بالجهاد مع الإنكليز ضدَّ العثمانيين؟ ليته دلَّنا على التاريخ الذي ذكر ذلك.
ثمَّ، لماذا حين يُفتي مشايخ الأزهر ضدَّ الإنكليز تكون فتواهم جهاداً، ومقاتلوهم أبطالا، وحين يثور عمر المختار في وجه الطليان تكون نهضتُهُ شجاعة، وأعوانه مجاهدين، وحين يقوم الجزائريون ضد الفرنسيين يكون قيامهم وطنيَّة، وقتلاهم شهداء؟
ولكن حين يُفتي مراجع الشيعة ضد الإنكليز يكون ذلك تعريضاً بالأرواح، وتهديداً للسلام، ويُورث قلَّة الثقة بهم، وعدم الاطمئنان إلى تشخيصهم؟
إنَّ هذا لعجبٌ عجاب.
على أنَّ المراجع أفتوا بالجهاد ضدَّ الإنكليز في صفوف العثمانيين؛ لأنهم تجمعهم مع الأتراك رابطة الدين، ويشدُّهم وثاق الإسلام. مع أنَّ الجهاد ضدَّ الاحتلال البريطاني كان في الأراضي العراقيَّة دفاعاً عن بيضة الإسلام، وذَوداً عن حياض الوطن، ولم يخرج المجاهدون إلى غير هذه الأرض للقتال فيها، في حين خرج الهنود الهندوس مثلاً إلى العراق للقتال مع البريطانيين ضدَّه، وخرجت اليابان مع ألمانيا للقتال ضدَّ بريطانيا مثلاً فهؤلاء الذين تسبَّبوا بالحروب العالميَّة، واحتلال البلدان هم الأجدر باللوم، والأحرى بالعتبى لو كان ثمَّت تأنيبٌ وملامة.
على أن ثورة العشرين التي قام بها العلماء، وأجَّجت نارها فتوى الحوزة، وألهبت صدور المجاهدين بعزَّةِ الإيمان هي من أجبرت الإنكليز على القبول بتأسيس الدَّولة العراقيَّة الحديثة، وتنصيب فيصل الأول ملكاً على العراق ليرضى به الفريقان الشيعة كونه هاشميَّاً، والسُّنَّة لأنَّه منهم، رغم أنّ علماء الشيعة لم يرضوه للحكم.
تحريم دخول المدارس:
وتبعاً لعلي الوردي نسج السائل على منواله قائلاً: لماذا حرَّم علماء الشيعة الدخول إلى المدارس، أليس الإسلام يدعو إلى العلم؟ وهذا كمن يقول: لماذا حرَّم العلماء الصلاة في مسجد ضرار؟ أليس الإسلام يدعو إلى العبادة؟
كان العلماء وهم مرآة الإسلام الناصعة من أشدِّ النَّاس دعوةً إلى العلم ، وإرشاداً إلى المعرفة، تبعاً لآيات القرآن الكريم، واقتفاءً لروايات المعصومين عليهم السلام، وحين قاموا بالثورة ضدَّ الإنكليز قام رجال الحكم في وقتها بتأسيس المدارس العصرية لا لتعليم النشأ العلوم النَّافعة، بل العلوم التي تجعلهم نِدَّاً للدين، وحرباً على العلماء، فكان التحريم بالعنوان الثانوي مُنصَبَّاً على الغاية من وراء إنشاء هذه المدارس وما تبثُّه من سموم، لا في أصل دخول هذه المدارس لتلقي العلوم.
المراجع والشيوعيَّة:
وكان من الحريِّ أن يكون هذا الجواب متتماً للجواب الذي قبل الأخير لأنهما من سنخِ اتهامٍ واحدٍ، ولكن تأخَّر هنا بحسب تسلسل الأسئلة.
يتساءل : كيف يكفّر العلماءُ الشيوعيَّة وهي مذهب اقتصادي وسياسي لإدارة البلد ولا علاقة له بالدّين؟
تعال لنأخذ فرضيَّةً علميَّة تقول بأنّ الكون خُلق صدفة، ربما يعترض القائل: إنها نظرية علمية بحتة لا علاقة لها بالدين، فلم تكفّرون قائلها؟
والجواب: أنّ الكفر له مجالاتٌ متعدّدة، وقد يكون العلم من ضمن هذه المجالات كما لو قال قائل إن العالَم خُلٍق صدفة؛ لأنَّ ذلك يلزم منه نفي وجود خالقٍ لهذا الكون، وهو مما يُخالف العقل والفطرة.
وكذلك قد يكون المذهب الاقتصادي ميداناً للكفر إذا فُسَّر على أساس الصراع القائم بين الطبقات للوصول إلى الحياة المرجوَّة في نظر الشيوعيين، مما يؤدّي في نهايته إلى إنكار وجود الخالق وعدم الاعتراف بالجزاء الأخرويّ.
على أنه لم يمت الآف النَّاس بسبب هذه الفتوى، كما زعمه السائلُ تَبَعاً لبعض المعاصرين. فقد زعم طه جابر العلوانيُّ أن سبب تأليف كتابه «لا إكراه في الدين» أنّه في العام 1963 قرّر حزب البعث إعدام أعضاء الحزب الشيوعي جميعهم وهم (ثمانية آلاف شيوعي) على حدِّ تعبيره، وكان المُكلَّف بهذه المهمة ضابط إسلامي هو اللواء عبد الغني الراوي، فجاء هذا الضابط إلى مؤلف هذا الكتاب يستفتيه في الحكم، خصوصاً بعد أنْ رأى ضخامة العدد، بعد أنْ جمع حزب البعث ثلاث فتاوى تُجوّز إعدام هؤلاء من ثلاثة علماء هم : اية الله العظمى السيد محسن الحكيم ، الذي اشترط على الراوي أن يُميّز بين من هو عقائديّ بالفعل من هؤلاء وبين المُغرَّرِ منهم، والشيخ الخالصي من الشيعة، ونجم الدين الواعظ من السنة، وأراد عالِماً آخر من أهل السنة ليكون المجموع أربعةَ علماء، من كلِّ طائفةٍ اثنان.
طبعاً لابُّد أن نؤشّر الى أمرين، الأول:- إنَّ حرمة الدّم لايفرق الأمر فيها أن يكون المعدومون ثمانية الافٍ أو شخصاً واحداً، فعلى الانسان أنْ يكون محتاطاً من هذه الجهة أشدَّ الاحتياط، وليس مدار الفتوى هنا يكون في تكديس عدد المُفتين، بل في إستفتاء العالم العادل الورع.
الثاني :- أنَّ فتوى السيد محسن الحكيم الشهيرة كانت جواباً على سؤالٍ تقدَّم به أحد أبناء مدينة (النعمانية) في الديوانية وليست جواباً لسؤالٍ تقدَّم به حزب البعث حيث سأل أحد المقلدين للسيد محسن الحكيم رحمه الله هذا السؤال:
"حضرت مولانا حجة الإسلام السيد محسن الحكيم المحترم :-
بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسأل الباري أنْ يديمكم ذخراً للمسلمين، مولاي، اني من مقلديكم ولكني منتمي إلى الحزب الشيوعي أفتونا أمركم وانني أنتظر الجواب للسير عليه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المخلص السيد محمد قنديل "
وجاء الجواب الشهير:
"لا يجوز الانتماء إلى الحزب الشيوعي فان ذلك كفر وإلحاد، أو ترويج للكفر والإلحاد أعاذكم الله وجميع المسلمين عن ذلك وزادكم ايماناً وتسليماً "
وكانت هذه الفتوى في 17 شعبان 1379 الموافق 12 / 2 / 1960، أي قبل هذه الحادثة بثلاث سنوات، وقد تبع ذلك إصدار فتاوي مماثلة من آيات الله العظام الشيخ مرتضى آل ياسين في 26 رمضان والسيد محمود الشاهرودي في ليلة الثلاثين من شهر رمضان والشيخ عبد الكريم الجزائري في 25 شوال من السنة نفسها وكذا أصدر آية الله السيد ابو القاسم الخوئي وآية الله السيد عبد الهادي الشيرازي فتاوى مماثلة.
وبعد قرابة شهرين تقريباً استفسر بعض المقلدين عن السيد الحكيم من معنى قوله الشيوعية كفر وإلحاد فأجاب السيد محسن الحكيم رحمه الله قائلاً:
" الذي كتبناه في جواب السؤال الصادر من النعمانية أنّ الانتماء إلى الحزب الشيوعي كفرٌ وإلحادٌ، أو ترويجٌ للكفر والإلحاد؛ يعني أنّ الانتماء تارةً يكون كاملاً وأخرى يكون من بعض الجهات، فإنْ كان كاملاً كان كفراً، وإنْ كان ناقصاً كان فسقاً ومعصية لله تعالى، لأنه ترويجٌ للكفر وتأييدٌ له والله العاصم "
وكان الجواب مؤرخا في 5 شوال 1379 هـ ولقد كان لهذه الفتوى صدى مهم لدى الأوساط السنية فضلاً عن الأوساط الشيعية فلقد تجاوب معها بعض علماء السنة منهم العلامة نجم الدين الواعظ والشيخ حمدي الاعظمي والعلامة فؤاد الالوسي والشيخ جميل المفتي.
فالسيد الحكيم أحرصُ على حياة الناس أيَّاً كانوا من أن يكلَ مصيرها بيدِ ضابط لا يستطيع معرفة كيفية التمييز بين الشيوعي العقائدي وغير العقائدي، والشاهد على ذلك أنَّه لم يُصدر فتوى بدعم الجيش العراقي في حربه ضدَّ الاكراد آنذاك. ولقد تنبَّه المؤلف لسقطته، فزعم أنّ السؤالَ صيغ بخبث، لينحصر نظر المُفتين في الجانب التكفيري.
الزواج بالقاصرات:
وقع السائل في خلطين:
الأول: عدم التفريق بين البلوغ الشرعي والبلوغ القانوني.
والثاني: عدم التفريق بين الزواج والدخول.
نعم، تزوج الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بعائشة ولكن وهي في سنٍّ أكبر من هذا بكثيرٍ على قول بعض المحققين، ولو تنزلّنا فإنه تزوج بها وهي ابنة ستٍ وبنى بها وهي ابنة تسع.
وكما لا يحق للمشرّع الألماني الذي يرى أنَّ سنَّ البلوغ ثمانية عشر عاماً الاعتراض على القانون التوغولي الذي يرى سنَّ البلوغ واحداً وعشرين عاماً، كذلك لا يحق لمشرع القانون الوضعي أن يعترض على مشرّع القانون الإلهي في تحديد سنّ البلوغ؟
على أنّ زواج القاصرة يكون بإذن الوليّ وهو الأب غالباً الذي يراعي مصلحة البنت غالباً.
وسائر الاستمتاعات – من غير الدخول – لو تمَّ زواج القاصر في سِنٍّ صغيرة لا يأبه بها الرجل البالغ؛ لأن القاصرة تكون غير مكتملة النّمو ولا تلفت النظر وتثير الشهوة في العادة.
زواج المتعة:
أما الذي شرَّع زواج المتعة فهو نفسه مَن شرَّع الزواج الدَّائم، فأما أن يُرفضا معاً – وهو سوء أدبٍ، وسوء عاقبة، أو يقبلهما معاً، ما داما صدرا عن جهةٍ واحدة أعرف بمصالح الخلق ومفاسدهم.
وكانت المتعة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر، وشطرٍ من خلافة عمر الذي حرَّمها وهو لا يملك حقَّ التشريع. وقد اشتهر عنه قوله "متعتان كانت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا أُحرّمهما.." فأقرَّ أولاً بكون المتعتين :الحجّ والنساء كانتا على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) واعترف ثانياً بأنَّه من حرَّمهما، فماذا على من أخذ بسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها، وترك بدعة غيره؟
اترك تعليق