حول مشروعية التقليد
سؤال: إذا كان الشرع أراد منا اتباع المراجع والأخذ بفتاويهم لماذا لم يدرجهم مع الثقلين حيث حصرَ الاتباع بالقرآن والعترة حصراً كما جاء بالحديث الشريف.. ولم يتعرض للتقليد من قريب أو بعيد ؟
الجواب :
يجب أن نعلم أولاً أننا لسنا نحن من يقرّرُعلى الله ورسوله ماذا يقولون لصلاح الناس.
وكيف يدرجهم اللهُ ورسوله مع الثقلين مع عدم عصمتهم في حين أنّ الثقلين معصومان ؟ سيؤدي هذا إلى التناقض، فطاعةُ الأئمة مطلقة، واتّباعهم واجبٌ في كلّ شيء، بخلاف المراجع والفقهاء، فالمكلف يقلدهم في المسائل الإبتلائية الشرعية فقط.
ينبغي ملاحظة أنّ القرآن سكت عن مسائل عديدة لها أهميتها وترك بيانها للسنة المتمثلة بأقوال وأفعال النبيّ وعترته عليهم الصلاةُ والسلام وتقريراتهم، قال الله عزّ وجلّ : ( وأنزلنا إليك الذكرَ لتبينَ للناس ما أنزل إليهم) [النحل، 44]
وفحوى التقليد مذكورٌ في روايات أهل البيت (ع)، فهي بيانٌ للقرآن.
مثلا روى الكشيّ بسنده عن علي بن المسيب، قال: قلت للرضا عليه السلام شقتي بعيدة ولست أصلُ إليك في كلّ وقت، فممّن آخذ معالمَ ديني؟ فقال: من زكريا بن آدم القميّ المأمون على الدين والدنيا) اختيار معرفة الرجال،ج2 ص422
أمّا عدمُ تعرّضِ القرآن للتقليد، فغير دقيق، نعم لم يورد القرآنُ الكريم هذه اللفظة، ولكن ذكر ما يؤدي معناها وذاك في قوله عزّ وجلّ : (وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُم إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِم لَعَلَّهُم يَحْذَرُونَ) [التوبة 122]
هنا شجّعَ الله عزّ وجلّ على نفور بعض الناس لطلب العلم والتفقه في الدين، ليرجعوا إلى الناس ليبينوا لهم أحكامَ الله وينذروهم، ولا شكّ أنّ أكثر المسائل التي يحتاجها الناس هي ما يبتلونَ به من المسائل المرتبطة بحياتهم اليومية من عباداتٍ ومعاملات، فهؤلاء الناس لا قدرة لهم على استنباط ومعرفةِ الحكم الشرعي، ومطلوبٌ ممّن تعلم وتفقهَ أن يعلمهم، وهم لا شكّ سيعملونَ بما يقولُ لهم هذا المتفقه، وهذا هو التقليد عينه !
من الآيات التي يستفادُ منها معنى التقليد هو قول الله تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل ، 43
قد يقال: إنّ المقصود بأهل الذكر هم أهل البيت عليهم السلام، وهذا صحيح، وقد سألهم الناسُ من شيعتهم إلى من يرجعون، وأوصوهم عليهم السلام أن يرجعوا إلى كبار الأصحابِ ليأخذوا عنهم معالم الدين، أو إلى الفقهاء أمناءِ الله على حلالهِ وحرامه، والرواياتُ في هذا الشأن عديدةٌ وفيها ما هو صحيحُ السّند .
اترك تعليق