هل كان لفرعون وزير باسم هامان؟

السؤال: يعترض بعض النصارى العرب على القرآن الكريم لأنه قد نسب هامان إلى زمن موسى -عليه السلام- وهذا القول لا يصح فهامان شخصية فارسية وقد عاشت بعد قرون من عصر موسى -عليه السلام-كما يذكر سفر إستير في الكتاب المقدس.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

اثيرت هذه الشبهة منذ زمن قديم، وقد أشار إليها الفخر الرازي في تفسيره عند قوله تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ)، حيث قال في المسألة الرابعة: "قالت اليهود: أطبق الباحثون عن تواريخ بني إسرائيل وفرعون أنّ هامان لم يكن على عهد فرعون وموسى وإنّما جاء بعدهما بزمانٍ مديدٍ ودهرٍ داهر، فالقول بأنّ هامان كان وزيراً لفرعون، خطأٌ في التأريخ، على أنّه لو كان لم يكن رجلاً خامل الذِكر لم يسجّله التأريخ ولا جاء ذِكره في تأريخ حياة بني إسرائيل" (التفسير الكبير ، ج27 ، ص66 )

إلا أنّ الفخر الرّازي اكتفى في ردّ هذه الشبهة بقوله: "والجواب: أنّ تواريخ موسى وفرعون قد طال العهد بها واضطربت الأحوال والأدوار فلم يبق على كلام أهل التواريخ اعتماد في هذا الباب، فكان الأخذ بقول الله تعالى أولى" (التفسير الكبير ، ج27 ، ص66 )

وقد تصدّى الشيخ المحقق محمد هادي معرفة لمناقشة هذه الشبهة تاريخياً، ونحن هنا نكتفي بنقل ما جاء في كلامه حيث يقول: "نعم، جاء في العهد القديم سِفر (أستير) الإصحاح الثالث: أنّ هامان بن همداثا كان وزيراً للملك الفارسي (خشايارشا) الذي تصدّى للمُلك بعد أبيه (داريوش الكبير) سنة (486 ق م)، أي بَعْدَ فرعون موسى بِعِدَّة قرون، وكان مقرّباً لديه، ثُمّ غَضب عليه وصَلَبه وجَعَل مكانه رجلاً من اليهود اسمه (مردخاي) وكان عمّ المَلِكة أستير زوجة الملك.

وهكذا زَعم المستشرق الألماني ( تيودور نولدكه ) في مقالٍ نشره أَوّلاً حوالي عام 1887م في دائرة المعارف البريطانيّة ( الطبعة9 )، وأعاد نشره في كتابه تأريخ القرآن عام 1892م.

غير أنّ المصادر التاريخيّة ـ الإيرانيّة وغيرها ـ خلوٌ عن ذِكر رجل بهذا الاسم استَوزَرَه المَلِك (خشايارشا) ثُمّ عَزله وصَلبه وأقام مكانه رجلاً باسم (مَرْدُخاي) ـ كما تقوله التوراة الإسرائيليّة ـ! وغالب الظنّ أنّه من أساطيرهم البائدة ولا واقع لها أساساً.

على أنّ (هامان) الذي جاء ذِكره في القرآن ـ مُرْدَفاً باسم فرعون وقارون ـ اسم مُعرَّب قطعاً، كما هي العادة عند العرب عند التلهّج بألفاظ أجنبيّة حتّى العِبريّات حسب المعهود، فإبراهيم، مُعرّب أبراهام، أصله أب رام أي الجدّ الأعلى، وموسى، مُعرَّب مُوشِى أي المُشال من الماء، وسامِري، معرّب شمروني حسبما نذكر وغير ذلك، وقد قيل: إنّ (هامان) معرّب (آمون) أو (أمانا) كان يُلقَّب به رؤساء كَهَنة مَعبد أمون كبير آلهة المصريّين في مدينة طيبة في أعالي النيل.

ولا غَرْوَ فإنّ المنسوب إلى مكان مقدّس يَحمل اسمه بالطبع، كما أنّ فرعون هو لقب سلاطين مصر كان بمعنى (البيت الأعظم)، نظير ما لُقّب الخلفاء العثمانيون بالباب العالي.

وتُمثّل بعض النقوش القديمة (البيت الأعظم) الذي يَجلس فيه المَلِك للحكم والذي تتجمّع فيه دواوين الحكومة، وقد اشتقّت من اسم هذا البيت الأعظم الذي كان المصريّون يُطلقون عليه لفظ (بيرو) والذي تَرجمه اليهود إلى (فرعوه) أو (فرعون)، اشتُقّ مِن اسمه لقب المَلِك نفسه.

وهكذا عاد اسم (هامان) مُعرّب (آمون) أُطلق على كبير كَهَنة معبد (آمون) الذي حاز مُنذ الأُسرة التاسعة عشر مكانةً كبيرةً لدى فرعون لدرجةٍ أنّه استولى على إقليم أعالي النيل، وأصبح قائد كلّ الجيوش وكبير خِزانة الإمبراطوريّة، والمُشرف الأعلى على معابد الآلهة.

ولقد كان وزير فرعون يُراقب فعلاً كلّ أعمال البناء العموميّة والماليّة، وكان المُشرف الأعلى على كلّ أعمال الملك، وبالتالي كان كبير كَهَنة (آمون) يَشغل مَنصِب وزير فرعون.

فاسم (هامان) في القرآن يُمثّل اسم (آمون)، ويَسهل التقريب بين الاسمين عند ما نعرف أنّ (آمون) يُنطق كذلك (أمانا) ويُقصد منه بالاختصار (كَبير كَهَنة) مِثلما كان اسم فرعون ـ وهو اسم البيت الأعظم للحكومة ـ أصبح لقباً يُلقّب به مُلوك مصر الذين يحكمون البلاد، فهامان لقب كبير كَهَنة (آمون) الذي كان يَشغل منصِب وزارة فرعون في الشؤون الماليّة والعمرانيّة"

وللوقوف على كامل المقال وما فيه من مصادر يمكن الرجوع إلى الرابط التالي: هنا