كيف يتمُّ السير في الأرض؟

السؤال: قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق “ كيف نفهم ونفسر هذه الآية ونعمل بمقتضاها بشكل واضح.. او بمعنى اخر كيف نسير في الأرض لنعلم كيف بدء الخلق؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الإجابة:

الآية التي أشار لها السائل هي قوله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (العنكبوت 20).

وكما هو واضح فإنّ الآية تخاطب كلّ من ينكر البعث يوم القيامة، إذْ نبّهت الآية على حقيقية بديهيّة وهي أنّ الذي أنشأ الحياة الدنيا هو ذاته الذي ينشئ الحياة الآخرة، وعليه، فإنّ الآية تدعو للتأمّل والتفكّر في أحوال الحياة الدنيا وما فيها من مخلوقات وما يتحكّم فيها من سنن وقوانين، فقال: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ أي: قُلْ يا رسول الله لهؤلاء المنكرين للبعث تأمّلوا في المخلوقات لتروا أنّها خلق بعد خلق، ووجود بعد عدم، وطور بعد طور، ونشأة بعد نشأة، فاستمراريّة المخلوقات دليل على استمراريّة الخلق وتجدّده، والغافل عن هذه الحقيقة يكفيه القليل من التأمّل والتفكّر في نشأة هذا الخلق ليدرك أنّ الأمر كلّه معلّق بالله تعالى، فالعقل لا يفهم وجود الخلق وبقائه إلّا إذا تعلّق بمصدر الوجود ومبدعه وهو الله تعالى.

ومن ثمّ بعد ذلك يقول تعالى: ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي أنّ الذي خلق الخلق ابتداءً قادر على إنشائكم مرّة أخرى، وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ تعليل لما قبله. أي: أنّ الله تعالى قادر على النشأة الأولى وعلى النشأة الآخرة، لأنّ قدرته لا يعجزها شيء ولا يحول دون نفاذها حائل.

جاء في تفسير الأمثل: ﴿قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق﴾ انظروا إلى أنواع الموجودات الحيّة، والأقوام والأمم المتنوّعة والمختلفة، وكيف أنّ الله تعالى خلقها أوّلاً، ثمّ إنّ الله نفسه الذي أوجدها في البداية من العدم قادر أيضاً على إيجادها في الآخرة ثمّ الله ينشئ النشأة الآخرة، ولأنّه أثبت قدرته على كلّ شيء حين خلق الخلق أوّلا، إذن:‍ فهو على كلِّ شيء قدير.

فهذه الآية، والآية التي قبلها - أيضا - أثبتتا بواسطة قدرته الواسعة إمكان المعاد.. مع فرق أنّ الآية الأولى تتحدّث عن الإنسان نفسه وخلقه وما حوله!

والآية الثانية تأمر بمطالعة حالات الأمم والموجودات الأخرى، ليروا الحياة الأولى في صور مختلفة وظروف متفاوتة تماما، وليطّلعوا على عموميّة قدرة الله، وليستيقنوا قدرته على إعادة هذه الحياة!.

كما أنّ إثبات التوحيد يتمّ - أحيانا - عن طريق مشاهدة الآيات في الأنفس، وأحيانا عن طريق الآيات في الآفاق، فكذلك يتمّ إثبات المعاد عن هذين الطريقين أيضا.

وفي عصرنا هذا يمكن أن تبيّن هذه الآيات للعلماء معنى أعمق وأدقّ، وهو أنّ يمضوا ويلاحظوا الموجودات الحيّة الأولى التي هي في أعماق البحار على شكل فسائل ونباتات وغيرها، وفي قلب الجبال، وبين طبقات الأرض، ويطّلعوا على جانب من أسرار بداية الحياة على وجه الأرض، ويدركوا عظمة الله وقدرته، وليعلموا أنّه قادر على إعادة الحياة أيضا. (تفسير الأمثل ج 12 ص 360).