التقيّة في بيان معارف الدين

السؤال: هل تجوز التقيّة في بيان معارف الدين وبيان أحكام الإسلام؟

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا إشكال في مشروعيّة التقيّة؛ وذلك بدلالة الآيات القرآنية، كقوله تعالى: {وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [سورة آل عمران: 28]، وقوله تعالى: {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [سورة النحل: 107]، والأحاديث المستفيضة بل المتواترة، والإجماع المنقول والمحصّل، وحكم العقل، وتفصيل الكلام فيها موكول لمحلّه.

وذكر العلماء أنّ التقيّة تنقسم – حسب انقسام الأحكام – إلى خمسة، نذكر منها قسمين:

الأوّل: التقيّة الواجبة: وهي ما كانت لدفع الخوف على نفسٍ أو عرضٍ محترَمين، أو ضررٍ لا يُتحمّل عن نفسه أو غيره من المؤمنين.

الثاني: التقيّة المحرّمة: وهي ما يترتّب عليها مفسدة أعظم، وذكروا لذلك أمثلة:

منها: لو كانت التقيّة تقتضي قتل مؤمن، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): « إنّما جُعلت التقيّة ليُحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقيّة » [الكافي ج2 ص174].

ومنها: إذا استلزم فساداً في الدين، فقد ورد عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الباقر (عليه السلام) – في حديث -: « فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز » [الكافي ج2 ص168]، ومفهومه أنّ التقيّة إذا أدّت إلى الفساد في الدين فلا تجوز.

ولنذكر بعضَ كلمات الأعلام:

قال السيّد أبو القاسم الخوئيّ: (والصحيح أنْ يُمثَّل للتقيّة المحرّمة بالقتل - كما مرّ -، وبما إذا كانت المفسدة المترتّبة على فعل التقيّة أشدّ وأعظم من المفسدة المترتّبة على تركها، أو كانت المصلحة في ترك التقيّة أعظم من المصلحة المترتّبة على فعلها، وكما إذا علم بأنّه إنْ عمل بالتقيّة ترتّب عليه اضمحلال الحقّ، واندراس الدين الحنيف، وظهور الباطل، وترويج الجبت والطاغوت...) [التنقيح (الطهارة) ج4 ص257].

وقال السيّد روح الله الخمينيّ – عند ذكر الموارد التي استثنيت من الأدلّة -: (منها: بعض المحرّمات والواجبات التي في نظر الشارع والمتشرّعة في غاية الأهمية، مثل هدم الكعبة، والمشاهد المشرّفة بنحو يمحو الأثر ولا يرجى عوده، ومثل الردّ على الإسلام والقرآن والتفسير بما يفسد المذهب ويطابق الإلحاد وغيرها من عظائم المحرّمات...)، وذكر كلاماً ثـمّ قال: (وأولى من ذلك كلّه في عدم جواز التقيّة فيه: ما لو كان أصل من أصول الإسلام أو المذهب أو ضروريّ من ضروريّات الدين في معرض الزوال والهدم والتغيير، كما لو أراد المنحرفون الطغاة تغيير أحكام الإرث والطلاق والصلاة والحجّ وغيرها من أصول الأحكام فضلاً عن أصول الدين أو المذهب، فإنّ التقيّة في مثلها غير جائزة؛ ضرورةَ أنّ تشريعها لبقاء المذهب وحفظ الأصول وجمع شتات المسلمين لإقامة الدين وأصوله، فإذا بلغ الأمر إلى هدمها فلا تجوز التقيّة) [الرسائل ج2 ص178].

وقال السيّد محمّد صادق الروحانيّ – في ضمن موارد التقيّة غير المشروعة -: (ثانيها: ما لو كان العمل على طبق التقيّة مؤدّياً إلى الفساد في الدين، فإنّه لا تجوز التقيّة في هذا المورد. ويشهد به أنّ التقيّة إنّما شُرِّعت إعلاءً للحقّ، وإعزازاً للإسلام والمسلمين، وحفظاً لوحدة الكلمة المستلزمة لقوّة الإسلام والمسلمين، فمع استلزامها للفساد في الدين لا تقيّة هناك، فإنّ هذا يدلّ على انصراف أدلّة التقيّة عن مثل المورد)، وذكر رواية مسعدة بن صدقة، ثمّ قال: (وللفساد في الدين مصاديق: منها: ما لو كان المحرّم من قبيل محو نسخ القرآن الكريم، وتفسيره بما ينطبق على المذهب الباطل، وتخريب الكعبة المكرّمة وقبور المعصومين -عليهم السلام -، وما شاكل...) [فقه الصادق ج11 ص406-407].

وقال الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ: (لا يجوز التقيّة في فساد الدين إذا استلزم التقيّة فساداً في الدين، وتزلزلاً في أركان الإسلام، ومحواً للشعائر، وتقوية للكفر... ويشهد لهذا - مضافاً إلى أنّه من الأمور التي دليلها معه، ومبنيّ على قاعدة عقليّة واضحة وهو ترجيح جانب الأهمِّ إذا دار الأمر بينه وبين المهمِّ - غيرُ واحد من الأخبار...) [القواعد الفقهيّة ج1 ص415].

وقال الشيخ جعفر السبحانيّ – تحت عنوان: التقيّة واجبة في بعض الحالات فقط -: « ولكن لا تجوز التقيّة مطلقاً في بيان معارف الدين وتعليم أحكام الإسلام، مثل أن يكتب عالمٌ شيعيٌّ كتاباً على أساس التقيّة، ويذكر فيه عقائد فاسدة، وأحكاماً منحرفة على أنّها عقائد الشيعة وأحكامهم » [العقيدة الإسلامية ص277].

ولا يخفى أنّ تقيّة المعصومين (عليهم السلام) في بيان بعض الأحكام الشرعيّة، ليست من الموارد المحرّمة؛ لأنّ تقيّتهم كانت لحفظ الدين والمؤمنين إذْ إنّهم بيّنوا الأحكام الواقعيّة، ولـمّا اضطرّوا لعدم التصريح ببعضها في بعض الظروف لجأوا إلى التقيّة.

وقد بيّن الأئمّة (عليهم السلام) ضابطة لتمييز الأحاديث الصادرة تقيّة، فجملة منها معلومة الحال لعوامِّ الشيعة فضلاً عن علمائهم، وهي التي تكون في المسائل الواضحة والضروريّة، وبعضها معلومة لفقهاء الشيعة الجامعين لشرائط الاجتهاد، التي تكون في المسائل النظريّة، وقد أوضحنا ذلك في جواب الشبهة القائلة أنّ التقيّة توجب الضلال، فيمكن مراجعته.

الحاصل: التقيّة في بيان معارف الدين وأحكامه قد تكون محرّمة فيما لو استلزم منها الفساد في الدين، وقد تكون جائزة – بالمعنى الأعمّ – لو لَـم يستلزم منها ذلك.