الوقت والخلق
الشبهة: قبلَ أنْ يخلق الله الكونَ، لم يكن هناكَ وقت أو وجود. خلال تلك الأبديّة الطويلة وبما أن الله أبدي، ماذا كان يفعل الله؟ بماذا كان يفكر؟ الأكيد أنّه لم يفكر، لا يوجد أي شيء ليفكر به. ما هي ذكرياته؟ لا يوجد ذكريات، لم يحدث شيء ليتذكره. ماذا كان يفعل؟ لا شيء حرفياً، الوجود من أجل لا شيء. هل تتخيل سخافةً أكثر من سخافة كائن ذكي خالد، يضيع وقته في خلود لا معنى له في وجود أبدي؟
الجوابُ:
أوّلاً: السؤالُ فيه خللٌ من الأساس! كيفَ للشخص أنْ يبديَ رأياً بشيء لا يعلم عنه شيئا؛ فاللهُ ليسَ بشراً مثلَنا حتى نحكمَ عليه بتصرّفاتِنا، أو أنّه يتّصفُ بصفاتِنا وسلوكياتِنا، من السخافة أن يَرى الإنسانُ نفسَهُ فقط، ويظنَّ العالمَ الكبيرَ لهُ هو فقط، مع أنّهُ خرجَ من العدَم في لحظةٍ ما من الوقت، ويظنّ أنّ بانتهائهِ ينتهي الوجود والوقت كلُّه، مع أنّ الوقتَ والزمانَ من خصائص الوجود الماديّ؟! الله تعالى ليسَ موجوداً ماديّاً ناقصاً يحتاج إلى سدّ نقصِه بالتفكيرِ الذي يعتمدُ على وجودِ أشياءَ لمقايسةِ بعضها إلى بعض...؛ وذلك لأنّ التفكيرَ عمليةٌ يقومُ بها العقلُ للوصولِ إلى المجهول، وأيضاً للوصولِ لنتائجَ معيّنةٍ يتبيّنُ فيها الخطأُ من الصواب، فعمليّةُ الفكرِ والتفكّرِ وإنْ كانَتْ صفةَ كمالٍ للإنسانِ يستكملُ فيها نقصَهُ وجهلَهُ ويسيرُ بالفكر من معلومٍ إلى مجهول، إلاّ أنّ نفسَ عمليةِ التفكيرِ هيَ إعلانٌ وإفصاحٌ عن نقصِ قدرة؛ حيثُ يمرُّ بمراحلَ مِنَ النقصِ في بدايةِ التفكّرِ حتى يبلغَ الكمالَ الإنسانيّ، وهو الوصولُ لأفضلِ النتائجِ الممكنة.
مِن هنا يتضحُ لنا أنّ المفكّرَ يكونُ محتاجاً لجهدٍ عقلي حتى يصلَ لما يريد، أمّا الخالقُ عزّ وجلّ، فلا يحتاج لذلك؛ لِأنّ التفكيرَ صفةُ نقصٍ بالنسبةِ للخالقِ؛ لأنّه واجبُ الوجودِ الغنيّ المطلق، فهو العالمُ بما كان وبما سَيكونُ، قبلَ القبل وبعدَ البَعد!! بمعنى: أنّه عزّ وجلّ كمالُه مطلقٌ في كلِّ شيءٍ، حياةٌ لا موتَ فيه، وعلمٌ لا جهلَ فيه، وقدرةٌ لا عجزَ فيها؛ فهوَ لا يخضعُ لشيء، بَل كلُّ شيءٍ خاضعٌ له.
ثانياً: إثباتُ أو نفي وجودِ شيءٍ لا يتوقّفُ على وعيِنا وإدراكِنا وتصوّرنا؛ فعدمُ قدرةِ العقلِ على إدراكِ شيءٍ من الأشياءِ لا يدعوهُ إلى نَفيِها، فكم مِن الأشياءِ الماديّة التي تُدركُ بالحواسّ كنّا لا نتصوّرُ وجودَها، لكن مع تطوّر العلم وأدواتهِ بِتْنا على يقينٍ منها، هذا فضلاً عن الأشياء غيرِ الماديّة التي لا تُدركُ بالحواس - مثلِ الروحِ وغيرِها - التي لا نعرفُ ماهيّتَها أصلاً، لكن مع ذلك نؤمنُ بوجودها؛ وذلك لأنّ تصوّرَنا وعدمُ تصوّرِنا للأشياءِ ليسَ لهُ دخلٌ في وجودِها وعدمِ وجودِها.
اللهُ تعالى لا يعتمدُ في وجوده على وعيِنا به؛ فاللهُ هو خالقُ الإنسانِ وخالقُ وعيِه، وكانَ اللهُ تعالى ولم يكنْ معهُ شيءٌ، فإذنْ وجودُه لا يعتمدُ على شيءٍ سواه، فضلاً عن إعتمادهِ على وعيِنا به، بل يستحيلُ أنْ يُحيطَ المخلوقُ بالخالق.
اترك تعليق