روايات ذمّ زرارة بن أعين

سؤال: ما رأي الشيعة في زرارة بن أعين، وهل ذمّه الإمام الصادق (عليه السلام) ؟

: الشيخ مروان خليفات

الجواب :

زرارة بن أعين شخص جليل عظيم، وروايات مدحه مستفيضة تورث الاطمئنان بصدورها من المعصوم (ع)، قال السيّد الخوئي بشأنه : ( إنّ الروايات المادحة المشهورة معروفة لا ريب في أنّها صدرت من المعصوم عليه السلام ، ولا أقلّ من الاطمئنان بذلك ، فلا يعتني بمعارضة الشاذّ النادر) [معجم رجال الحديث، ج4 ص 198].

وقال السيّد محسن الامين : ( وزرارة دلّت القرائن الواضحة من أخباره المنقولة وغيرها على جلالة قدره فلذلك لم يلتفت أجلّاء العلماء إلى ما ورد من القدح فيه لو صحّ سنده! فكيف وهو ضعيف السند، فانظر إلى قول النجاشيّ فيه جزما بدون تردّد كان شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين صادقا فيما يرويه ). [أعيان الشيعة ، ج 7 - ص 51].

فإذا اتّضح ذلك، فليعلم السائل وبقيّة القراء أنّ ما ورد من روايات ذامّة في زرارة على لسان الإمام الصادق (ع)، قد بيّن حقيقتها الإمام الصادق (ع) نفسه، فكشف عن الأسباب التي دعت إلى صدورها.

إذْ روى الكشيّ بسند صحيح في ترجمة زرارة بن أعين أنّه قال: حدّثني حمدوية بن نصير ، قال : حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد قال : حدّثني يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن زرارة (ح). ومحمّد بن قولويه والحسين بن الحسن ، قالا : حدّثنا سعد بن عبد الله قال حدّثني هارون بن الحسن بن محبوب ، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة وابنيه الحسن والحسين ، عن عبد الله بن زرارة قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام: اقرأ منّي على والدك السلام . وقل له : إنّي إنّما أعيبك دفاعاً منّي عنك، فإنّ الناس والعدو يسارعون إلى كلّ من قرّبناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى في من نحبّه ونقرّبه ، يرمونه لمحبّتنا له وقربة ودنوّه منّا ، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله ويحمدون كلّ من عبناه نحن وأنْ نحمد أمره . فإنّما أعيبك لأنّك رجل اشتهرت بنا ولميلك إلينا وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر لمودّتك لنا ولميلك إلينا ، فأحببت أنْ أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون بذلك منّا دفع شرّهم عنك يقول الله جلّ وعزّ : أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان ورائهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصبا، هذا التنزيل من عند الله، صالحة ، لا والله ما عابها إلّا لكي تسلم من الملك ولا تعطب على يديه ، ولقد كانت صالحة ليس للعيب منها مساغ والحمد الله. فافهم المثل يرحمك الله ، فإنّك والله أحبّ الناس إليّ ، وأحبّ أصحاب أبي عليه السلام حيّا وميتا ، فإنّك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر ، أن من ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كلّ سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا ثمّ يغصبها وأهلها. فرحمة الله عليك حيّا ورحمته ورضوانه عليك ميتا، ولقد أدّى إليّ ابناك الحسن والحسين رسالتك ، حاطمها الله وكلاهما ورعاهما وحفظهما بصلاح أبيهما كما حفظ الغلامين، فلا يضيقن صدرك من الذي أمرك أبي عليه السلام وأمرتك به ، وأتاك أبو بصير بخلاف الذي أمرناك به ، فلا والله ما أمرناك ولا أمرناه الّا بأمر وسعنا ووسعكم الأخذ به، ولكلّ ذلك عندنا تصاريف ومعان توافق الحقّ ، ولو أذن لنا لعلمتم أنّ الحقّ في الذي أمرناكم به ، فردّوا إلينا الأمر وسلّموا لنا واصبروا لأحكامنا وارضوا بها ، والذي فرّق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه ، وهو أعرف بمصلحة غنمه في فساد أمرها ، فإنْ شاء فرّق بينها لتسلم ، ثمّ يجمع بينها لتأمن من فسادها وخوف عدوّها في آثار ما يأذن الله ، ويأتيها بالأمن من مأمنه والفرج من عنده ...) اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشيّ)، [ج 1 ص 389 ـ 390].

صحّح السيّد الخوئيّ هذه الرواية في معجم رجال الحديث، ج4 ص 198، فقال : (وهذه الصحيحة صريحة للدلالة على أنّ الصادق عليه السلام إذا صدر منه عيب أو نقص بالنسبة إلى زرارة وأضرابه فهو من باب التقيّة وحفظ نفوسهم).

وممن صحّح الرواية :

ـ السيّد حسين بن كمال الدين أبرز الحسينيّ الحليّ ( توفّي في القرن 11 الهجريّ) في زبدة الأقوال في خلاصة الرجال، ص 127

ـ والشيخ محمّد تقي المجلسيّ ( ت 1070هـ ) في روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه، [ج14 ص 121].

ـ والشيخ محمّد بن عليّ الأردبيليّ ( ت 1101هـ) في جامع الرواة، [ج1 ص 325].

ـ والمحقّق البحرانيّ ( ت 1186هـ) في الحدائق الناضرة، [ج14 ص 401].

وعليه: فكلّ رواية في ذمّ زرارة إنْ لم تكن ساقطة سندا؛ فنرّدها إلى رواية الكشيّ الصحيحة التي بيّنت حقيقة ذمّ زرارة وأنّه إنّما صدر من الإمام (ع) حفظا له.

ويؤيّد ذلك ما ورد عن السيّد الخوئيّ بخصوص الروايات التي فيها ذمّ لزرارة إذْ قال: ( والجواب عن هذه الروايات : أنّه لم يثبت صدور أكثرها من المعصوم عليه السلام ، من جهة ضعف إسنادها . وأمّا ما ثبت صدوره ، فلا بدّ من حمله على التقيّة ، وأنّه سلام الله عليه إنّما عاب زرارة لا لبيان أمر واقع ، بل شفقة عليه واهتماماً بشأنه . وقد دلّت على ذلك مضافا إلى ما عرفت من الروايات المستفيضة في مدح زرارة المطمئنّ بصدورهما إجمالا من المعصوم عليه السلام : صحيحة عبد الله بن زرارة المتقدّمة في الروايات المادحة ، فإنّها قد دلّت بصراحة على أنّ الإمام عليه السلام ، إنّما عاب زرارة دفاعا منه عليه السلام ، عنه وحفظا له من أذى الأعداء ، وقد قال عليه السلام : إنّه أحبّ الناس إليه وأحبّ أصحاب أبيه إليه حيّا وميتاً. [ معجم رجال الحديث ، ج 8 ص 245].