شبهة ضرب الإمام زين العابدين (ع) لغلامه ثمّ طلبه منه أن يستغفر له..!.
السؤال: في بحار الأنوار: ج ٤٦،ص٩٢ قال: ((الحسين بن سعيد أو النوادر: الجوهريّ، عن البطائنيّ، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنّ أبي ضرب غلاماً له قرعة واحدة بسوط، وكان بعثه في حاجة فأبطأ عليه، فبكى الغلام وقال: الله يا عليّ بن الحسين تبعثني في حاجتك ثمّ تضربني قال: فبكى أبي وقال: يا بني اذهب إلى قبر رسول الله "صلّى الله عليه وآله" فصلِّ ركعتين ،ثُمَّ قلْ: اللّهمّ اغفر لعليّ بن الحسين خطيئَته يومَ الدين، ثُمَّ قال للغلام: اذهب فأنت حرٌّ لوجه الله. قال أبو بصير: فقلت له: جعلت فداك، كأنّ العتقَ كفّارةُ الضرب؟! فسكت)) والسؤال هو: أنّ الإمام (ع) يقول: أخطأت..!، فكيف للإمام المعصوم أن يخطئ..؟!.
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم.. وبعد..، الأخ السائل الكريم، يبدو من كلامكم أنّكم أخذتم الخبر أخذ المسلّمات حتّى قفز إلى ذهنكم التساؤل بمثل هذه الطريقة، والحال أنّ الخبر المذكور خبر آحادٍ تجري عليه جميع ضوابط وقواعد علمي الرجال والحديث، ولا يمكن التعويل عليه بحال من الأحوال من دون النظر فيه من حيث السند ودلالة المتن.. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإنّ للعلماء مسالك في قبول خبر الآحاد أو ردّه، والمشهور منها وما عليه العمل هو مسلكان:
أحدهما: مسلك الوثاقة، الذي يقبل الحديث بشرط أن يكون واصلاً إلينا عن طريق سلسلة من الرواة الثقاة، فالعبرة فيه بوثاقة الراوي والناقل للحديث، وبالتالي فإنّ هذا المسلك سهلٌ، أي لا يتركّب من عدّة شروط.
والآخر: مسلك الوثوق، وهو مركّب من شرطين، إذْ لا يُقبَلُ الخبر عند أصحاب هذا المسلك بمجرّد وثاقة الرواة، بل لا بدّ من أن ينضمّ إليه حصول الوثوق والاطمئنان بصدور الخبر عن المعصوم (ع) ، وذلك عن طريق قيام قرائن معيّنة تحُفُّ ذلك الخبر فتشهد له بالصدور، مثل عمل المشهور به ، أو موافقته للقرآن الكريم، أو للسنّة القطعية، أو للعقل ، أو لثوابت المذهب ونحو ذلك، وإلّا فلو خلا الخبر عن مثل هذه القرائن - فضلاً عمّا إذا كان على خلافها - فإنّه لا يُعبأ به حينئذٍ، ولا شكّ في أنّ هذا المسلك هو أوفقَ للاحتياط وأكثرَ تثبّتاً وحيطة من سابقه، وإنْ كان لكلّ واحد من المسلكين أدلّته.
وعلى كلِّ حال، فسواءٌ أكانت دراستنا لهذا الخبر وَفْقاً للمسلك الأوّل أم الثاني، فإنّ النتيجة واحدة، وهي عدم صلاحيّته للحجيّة سنداً ودلالة، إذْ من جهة السند فإنّه ضعيف بالقاسم وشيخه عليّ، وإليك بيان ذلك:
فأمّا القاسم، فيراد به القاسم بن محمد الجوهريّ، وهو لا يُجدي نفعاً في تصحيح الحديث أو قبوله ؛ إذْ لم يرد في حقّه جرح ولا تعديل، فهو مجهول الحال، نعم، حاول بعضهم أنْ يستدلّ على وثاقته بثلاثة وجوه هي: (( "توثيق ابن داود الحلّي له في رجاله ، ورواية الثقة عنه كالحسين بن سعيد ، وإكثاره الرواية وكثرة رواية الأجلّاء عنه" ، لكنّ سماحة السيّد الخوئي "قُدّس سرّه" ردّ الأوّل بأنّ شهادة ابن داود مبنيّة على الحدس لا على الحسّ، وهذا مخالف للقواعد المتّفق عليها بينهم ، كما ردّ الأخيرين بمنافاتهما لمبانيه من عدم كفايتهما في التوثيقات؛ إذْ كم من ثقة روى عن الضعفاء..!، كما أنّ إكثار الرواية من الراوي أو عنه لا يصلح قرينة على الوثاقة)). [انظر معجم رجال الحديث للسيّد الخوئيّ: ج15،ص56].
وأمّا شيخه عليّ، فيراد به عليّ بن أبي حمزة البطائنيّ، فإنّه واقفيّ المذهب[فهرست الشيخ:ص161]، بل هو من المؤسّسين الأوائل لعقيدة الوقف[الغيبة للشيخ الطوسيّ:ص63] ، كما أنّه ضعيف جدّاً [خلاصة الأقوال للعلّامة الحلّيّ ص18]، وهناك نصوص على كذبه ولعنه في أخبار أهل البيت (ع) [رجال ابن داود:ص259] ، بل روى عن نفسه ذمَّ المعصوم (ع) له فقال: ((قال لي أبو الحسن الأوّل - أي الإمام الكاظم - "عليه السلام": يا عليّ أنت وأصحابك أشباه الحمير..!)) [اختيار معرفة الرجال "رجال الكشيّ" ، تأليف الشيخ الطوسيّ:ج2،ص742]، وعن ابن الغضائريّ:(( عليّ بن أبي حمزة ، لعنهُ الله أصل الوقف ، وأشدّ الخلق عداوة للوليّ من بعد أبي إبراهيم "عليهما السلام")) [رجال ابن الغضائريّ:ص83]، وقال عنه الكلباسيّ: ((لم نجد أحداً من الأصحاب وثّق عليّ بن أبي حمزة البطائنيّ، أو يعمل بروايته إذا انفرد بها؛ لأنّه خبيث، واقفيّ، كذّاب، مذموم..!.))[الرسائل الرجاليّةج2،ص325]، وانتهى السيّد الخوئيّ بعد تحقيق مطوّل في أحوال الرجل إلى قوله:((لا يمكن الحكم بوثاقته، وبالنتيجة يعامل معه معاملة الضعيف))[معجم رجال الحديث:ج13،ص246]، وبعد كلّ هذا لا يبقى لدينا أدنى مجال في قبول الرواية المذكورة من جهة السند.
وأمّا من جهة المتن، فأمارات الوضع والكذب على الخبر المذكور ظاهرةٌ من عدّة وجوه:
الوجه الأوّل: مخالفة الخبر المذكور لكتاب الله ، وهو مِـمّا يوجب طرحه وعدم الاعتداد به ؛ فقد تظافرت الأخبار حتّى قاربت التواتر عنهم "عليهم السلام" بعرض أحاديثهم على كتاب الله والسنّة القطعيّة لرسول الله "صلّى الله عليه وآله" كصحيحة أيّوب بن الحرّ قال: ((سمعت أبا عبد الله "عليه السلام" يقول: كُلُّ شَيْءٍ مَرْدُودٌ إِلَى الْكِتَابِ والسُّنَّةِ ، وكُلُّ حَدِيثٍ لَا يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّه فَهُوَ زُخْرُفٌ))[الكافي للكليني:ج1،ص69] ، وصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عد الله "عليه السلام" قال: ((خَطَبَ النَّبِيُّ "صَلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ" بِمِنَى فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ مَا جَاءَكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّه فَأَنَا قُلْتُه ، ومَا جَاءَكُمْ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّه فَلَمْ أَقُلْه))[المصدر السابق] ، ومن الواضح مخالفة الخبر المبحوث عنه هنا لِمَا ظهر من آية التطهير ونحوها على أنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) معصومون.
الوجه الثاني: مخالفته لثوابت المذهب ومنطلقاته العقائديّة في أهل البيت "عليهم السلام"، والتي قال عنها الشيخ المظفّر: ((ونعتقد أنّ الأنبياء معصومون قاطبة، وكذلك الأئمّة "عليهم جميعاً التحيّات الزاكيات" ، ... إلى أن قال: والعصمة: هي التنزّه عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، وعن الخطأ والنسيان، وإن لم يمتنع عقلاً على النبيّ أن يصدر منه ذلك، بل يجب أن يكون منزهاً حتّى عمّا ينافي المروءة، كالتبذّل بين الناس من أكلٍ في الطريق أو ضحك عالٍ ، وكلُّ عملٍ يُستَهجَن فِعلُه عند العرف العامّ))[عقائد الإماميّة - عقيدتنا في عصمة الأنبياء:ص53] ، وكذا مخالفته للثوابت التاريخيّة، فقد تواتر لدى جميع المسلمين قيام سيرتهم "عليهم السلام" على التحلّي بالخلق العظيم وحسن السلوك والعفو عمّن ظلمهم والترفّق بمن أساء إليهم ؛ لذا فمن الطبيعيّ جدّاً أن يحكم العقل بأنّ من كان هذا حاله فمن المحال صدور الخطيئة منه بمعنى الذنب والمعصية وظلم الآخرين.
هذا كلّه بناءً على أنّ المراد بالخطيئة هو المعصية والذنب القبيح المستلزم للذمّ عقلاً وللعقاب شرعاً، وأمّا لو عدنا إلى أصل الوضع واللغة فإنّا لا نجد فيها ما يساعد على ذلك لأنّ خلاصة ما تعنيه الخطيئة في كلام العرب هو (الخطأ عير المقصود)، قال الراغب: ((والخطيئة والسيّئة يتقاربان ، لكن الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصوداً إليه في نفسه بل يكون القصد سبباً لتولّد ذلك الفعل منه ، كمن يرمي صيداً فأصاب إنساناً)) [المفردات للراغب الأصفهانيّ - مادة (خطأ):ص151] ، وعن المصطفويّ قال:(( والتحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة [ أيْ مادّة خطأ] هو ما يقابل الصواب، ثمّ إنّ الخطأ إمّا في الحكم أو في العمل أو في تعيين المصداق والموضوع . والخطأ في الحكم، أيْ في فهمه والعلم به وتعيينه....، وبعده الخطأ في العمل فإنّ العامل لازم له أن يراقب في عمله ويحسنه ويحتاط فيه حتّى يصيب، وبعده الخطأ في الموضوع وتعيينه : وهو أقلّ محذورا وملامة .وأمّا التعمّد في عمل قبيح وإرادة فعلٍ مخالف: فلا يعدّ من الخطأ، بل هو العصيان فلا يصدق الخطأ إذا أريد الخلاف والمعصية. ويدلّ عليه قوله تعالى: "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ" [الأحزاب:5] فالخطأ في مورد العفو والرحمة (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)، وأمّا العصيان والتعمّد بالخلاف فيحتاج إلى أمور ومؤنة زائدة. وظهر أنّ الخطيئة غير الإثم ، فإنّ الإثم كما مرّ عبارة عن البطؤ والتأخير في العمل، ويدلّ عليه التقابل بينهما في قوله تعالى: "وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً" [النساء:112] فالبهتان بالنسبة إلى رمي الخطيئة، والإثم المبين بالنسبة إلى رمي الإثم، وأنّها [أي الخطيئة] غير الذنب أيضاً، فإنّ الذنب هو ما يقبح فعله ويتبعه الذمّ والعقاب، ويدلّ عليه قوله تعالى: "يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ" [يوسف:97] ...انتهى)). [التحقيق في كلمات القرآن الكريم للمحقّق الشيخ حسن المصطفوي - مادّة (خطأ):ج3،ص79].
أقول: ويشهد لما ذكره المصطفويّ ما ورد من العطف في قول أمير المؤمنين "عليه السلام" في دعاء كميل: ((اللّهُمّ اغفر لي كلّ ذنب أذنبته ، وكلّ خطيئة أخطأتها...)) ، فإنّ العطف يقتضي المغايرة بحسب القواعد ، وكيفما كان فقد بَانَ لك من دلالة اللّغة عدم دلالة الخبر المذكور على ارتكاب الإمام (ع) للذنب في ضربه للغلام.
وأمّا لو أردنا التنزّل وسلّمنا جدلاً بصحّة الخبر المذكور، وأنّ معنى الخطيئة هو المعصية والذنب، فإنّ النتيجة أيضاً ستكون عدم ارتكابه "عليه السلام" للذنب في المقام؛ وذلك لأنّ ضربه للغلام كان إمّا عقوبة لإبطائه أو تربية تأديباً له لحرمة إهدار حقّ السيّد وتفويت المنافع عليه ، وكلاهما من حقوقه (ع) ؛ فأمّا العقوبة فبوصفه سيّداً ومالكاً للغلام، وأمّا التأديب فللولاية ، فإنّ للمعصوم (ع) على الأمّة ولاية الأمر التي تعني أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وعليه أن يتولّى تربيتهم ، فقد جاء عن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال في وصيته لكميل بن زياد: ((يا كميل ، إنّ رسول الله "صلّى الله عليه وآله" أدَّبَه الله عزَّ وجلَّ ، وهو أدَّبَني ، وأنا أُؤَدِّبَ المؤمنين ، وأُورِثُ الأَدَبَ المكرَمين))[مستدرك الوسائل للميرزا النوريّ:ج17،ص276] ، ولعلّه لهذا جاء في ذيل الخبر محلّ البحث سكوت الإمام الصادق (ع) عن سؤال أبي بصير: ((جعلت فداك، كأنّ العتقَ كفّارةُ الضرب؟! فسكت..!)) ؛ إذْ إنّ مجرّد عتقه (ع) للغلام لا يدلّ على حصول ذنب يستوجب الكفّارة، فلعلّه تفضّلٌ منه (ع)، إذْ قد عقد صاحب الوسائل باباً أسماه: ((باب إنّ من ضرب مملوكه ولو بحقّ استُحِبّ له الكفّارة بعتقه))، وقد جعل الخبر محلّ البحث أوّل أخبار الباب المذكور. [أنظر وسائل للحر العاملي:ج15،ص582].
وممّا يشهد لعدم اندراج فعله (ع) تحت عنوان الذنب أنّ العتق وطلب الاستغفار كانا من أبرز ما يدأب عليه الإمام زين العابدين "عليه السلام" ولو من دون سبب موجب لهما ، فقد جاء في البحار نقلاً عن كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة: ((روي أنّ عليّ بن الحسين "عليه السلام" أراد أن يضرب غلاماً له فقرأ :" قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ" فوضع السوط من يده، فبكى الغلام ، فقال: ما يبكيك ؟ فقال: إنّي عندك يا مولاي من الذين لا يرجون أيّام الله ؟ فقال له: أنت ممّن يرجو أيّام الله..؟! ، قال: نعم يا مولاي ، فقال "عليه السلام": لا أحبّ أن أملك من يرجو أيّام الله، قُمْ فأتِ قبر رسول الله "صلّى الله عليه وآله" وقل: اللّهُمّ اغفر لعليّ بن الحسين خطيئته يوم الدين، وأنت حرٌّ لوجه الله)). [البحار للعلّامة المجلسي:ج23،ص384].
ويشهد له ما اشتهر عنه "عليه السلام" عند القاصي والداني من شرائه للعبيد والعمل على تأديبهم بآداب الشريعة وتعليمهم أحكامها عاماً كاملاً ، ثمَّ يقوم بعتقهم في آخر ليلة من شهر رمضان من كلّ عام، ومَن قرأ دعاءه "عليه السلام" في آخر ليلة من الشهر الكريم ، وما فيه من مطالبته غلمانه بالاستغفار له (ع) وبطريقة تنبئ عن شديد مخافته من الله تعالى عرف حقيقة ذلك بكلِّ جلاء ووضوح.[انظر الصحيفة السجّاديّة "أبطحيّ":ص285].
وأمّا توجيه طلبه (ع) للاستغفار وبشكل متكرّر كما نراه في أكثر من رواية فيجري عليه ما أجاب به العلماء والمحقّقين حول استغفارات المعصومين من الأنبياء والرسل والأئمّة الأطهار "عليهم السلام أجمعين"، فإنّ استغفارهم من الذنوب إمّا أن يراد منه التعليم وتربية الأمّة على ذلك ، أو يكون استغفاراً ممّا يُسمّى بالذنب العرفانيّ ؛ ذلك أنّ الذنب ليس على نحو واحد ومرتبة واحدة ، بل هو على أربعة أنحاء: ((الذنب الشرعيّ، والذنب الخُلُقيّ، والذنب العقليّ، والذنب العرفانيّ)) ، وهذا الأخير منها هو المقصود في كلماتهم واستغفاراتهم (ع) ويراد به: (( انشغال المُحِبِّ عن محبوبه ببعض ما لا علاقة له بالمحبوب))، كما لو انشغل بشؤونه الشخصيّة الخاصّة - كما هو مفروض الخبر محلّ السؤال والبحث -، أو كان انشغاله مع المخلوقين لا مع الخالق. [انظر تفسير الميزان للطباطبائيّ:ج6،ص371 ففيه بحث مفصّل عن هذه الأنحاء الأربعة للذنب].
ويشهد بذلك ما جاء في سيرة الإمام زين العابدين (ع) نفسه من أنّه كان كثيراً ما يتأذّى من هذا النحو من الانشغال عن الله تعالى ، فقد روى الغزاليّ في خبر طويل عن الأصمعيّ خلاصته: أنّه رأى شابّاً متعلّقاً بأستار الكعبة في ليلة مُقمرة لا يزال باكياً ومنهمكاً بدعاء تذوب له القلوب وبصوت حزين تقشعرّ له الأبدان حتّى غُشي عليه ، فلمّا دنا منه فإذا هو الإمام زين العابدين (ع) فأخذ برأسه ووضعه في حجره ، فأفاق الإمام (ع) وقال: ((من هذا الذي أشغلني عن ذكر ربّي... الخبر)). [انظر كتاب بحر المحبّة في أسرار المودّة:ص41 إلى ص44] ، ونظيره أيضاً ما تكرّر منه "عليه السلام" مع طاووس اليماني في حادثة مشابهة.[انظر مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب:ج3،ص291 ، وكذا الصحيفة السجّاديّة "أبطحيّ" عند دعائه (ع) في السَّحَر:ص170]، هذا ما أردنا بيانه في هذا الجواب، ونسأل الله تعالى أنْ نكون وُفّقنا إليه.. ودمتم سالمين.
اترك تعليق