عدد المرّات التي رمى فيها الإمام الحسين "عليه السلام" بدمه الطاهر نحو السماء..!.

السؤال: لماذا رمى الإمام الحسين "عليه السلام" بدمه إلى السماء حينما أصابه السّهم المثلّث في قلبه الشريف ولم يرمِ به حين نَزَفَ من مواضع أخرى.. ؟!.

: الشيخ فاروق الجبوري

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم.. الأخ السائل الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.. فإنّ ما ذكرتموه في السؤال لا صحة له بحسب ما يظهر من تتبُّع الموضوع ؛ إذ المستفاد من كتب المقاتل والتاريخ أنّ الإمام الحسين "عليه السلام" لم يفعل ذلك مرّة واحدة ، بل فعله ثلاث مرّات ، وإليك بيانها:

المرة الأولى: وهي الأكثر جرياناً على ألسنة الخطباء وقرّاء المقاتل ، والتي جاءت في كتب المقاتل والتاريخ مجمعاً عليها ، فقد قالوا: ((.... فوقف "عليه السلام" يستريح ساعة ، وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه ، فأتاه سهم محدّد مسموم له ثلاث شعب ، فوقع السهم في صدره - وفي بعض الروايات: على قلبه – فقال الحسين "عليه السلام": "بسم الله وبالله وعلى مِلّة رسول الله" ، ورفع رأسه إلى السماء وقال: "إلهي إنّك تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن [بنت] نبي غيره" ، ثمّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث الدّم كالميزاب ، فوضع يده على الجرح فلمّا امتلأت رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك الدم قطرة ، وما عُرِفَتْ الحمرةُ في السماء حتّى رمى الحسين "عليه السلام" بدمه إلى السماء ، ثمّ وضع يده ثانياً فلمّا امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته ، وقال: هكذا أكون حتى ألقى جدّي رسول الله وأنا مخضوب بدمي وأقول: يا رسول الله قتلني فلان وفلان.)) [بحار الأنوار:ج٤٥،ص٥٣ ، مقتل الحسين "ع" للخوارزمي:ج2،ص34 ، تهذيب تاريخ ابن عساكر:ج4،ص338].

المرة الثانية: ما رواه ابن عساكر ، قال: أنبأنا الخطيب، أنبأنا الحسين بن محمد الخلال، أنبأنا عبد الواحد بن علي القاضي، أنبأنا الحسين بن إسماعيل الضبي، أنبأنا عبد الله بن شيب، حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثني حسين بن زيد بن علي بن الحسين، عن الحسن بن زيد بن حسن بن علي، حدثني مسلم بن رباح مولى علي بن أبي طالب [عليه السلام]، قال: كنت مع الحسين بن علي "عليهما السلام" يوم قتل، فرُمِيَ في وجهه بِنَشَّابةٍ ، فقال لي: يا مسلم! ادن يديك من الدم. فأدنيتهما، فلمّا امتلأتا قال: اسكبه في يَدَيَّ، فسكبته في يده، فنفح بهما إلى السماء، وقال: أللّهُمَّ اطْلُبْ بِدَمِ ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّكَ. قال مسلم: فما وقع منه إلى الأرض قطرة...!))[تاريخ ابن عساكر:ج14،ص223 ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي:ص284 - طبعة الغري].

المرّة الثالثة: ما جاء في رواية جابر بن يزيد الجعفي قال: (( عطش الحسين حتى اشتدّ عليه العطش فدنا ليشرب من الماء ، فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه ، فجعل يتلقّى الدم من فمه ويرمى به إلى السماء ، ثمّ حمد الله وأثنى عليه ، ثمّ جمع يديه فقال: "اللّهم احصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تذر على الأرض منهم أحداً" ))[مقتل ابي مخنف:ص188 ، أنساب الأشراف للبلاذري:ج3 ،ص201 ، تاريخ الطبري:ج4،ص343 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير:ج4،ص76 ، البداية والنهاية لابن كثير:ج8،ص203].

ثمّ على تقدير كون ما ذكرتموه صحيحاً وأنّ ذلك حصل منه "عليه السلام" مرة واحدة لا غير ، فيمكن أن يكون السبب في ذلك هو ما فعله السهم المثلّث حين وقع على قلبه الشريف فالإمام الحسين "عليه السلام" كانت جراحاته كثيرة ، وأقلّ عدد ذكر لها هو ما رواه الصدوق بسنده عن أبي جعفر الباقر "عليه السلام" قال: (( أصيب الحسين بن علي "عليهما السلام" ، ووجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون طعنة برمح أو ضمرة بسيف أو رمية بسهم...الخبر)) إلّا أنّ جميع تلك الجراحات لم تؤثّر عليه بمثل ما أثّرَه السهم المثلّث ، فلقد نصّ أرباب المقاتل على أنّه "عليه السلام" قد ضعف عن القتال فوقف ليستريح قليلاً ثمّ يعاود ، فلمّا أصابه ذلك السهم هدّ جميع قواه واستنزف تمام طاقته حتّى أجلسه على الأرض يجود بنفسه ويتمايل يميناً وشمالاً وينوء برقبته الشريفة ، وما أن أخرج السهم من ظهره إلّا انبعث الدم كالميزاب ؛ لذا لم يتمكّن من النهوض للقتال أو لغيره أبداً حتّى استشهد ؛ ومن هنا نجده "عليه السلام" عندما أصابه ذلك السهم قال: ((بسم وبالله وعلى ملّة رسول الله...)) ، فلم يذكر المؤرّخون وأرباب المقاتل قوله لهذه العبارة إلّا في هذا الموضع رغم كلّ ما تعرّض لها "عليه السلام" ؛ ذلك لأنّ السهم المثلّث كان بوّابةَ شهادتِه حيث توالى عليه الأعداء بعد ذلك وأحاطوا به كالحلقة وهم ما بين طاعن برمحه وضارب بسيفه حتى ختموا جريمتهم بأن احتزوا رأسه المقدّس[انظر التفاصيل في مقتل الحسين للمقرّم:ص278 وما بعدها] ، ولعلّه لهذا السبب كانت هذه المرّة التي رمى بها بدمه الطاهر نحو السماء هي الأشهر والأكثر تداولاً على أَلسِنَة الخطباء فإنّ ذلك بلحاظ وقعها وتأثيرها المفجع على المولى أبي عبد الله "عليه السلام" ، بل وعلى كلّ مؤمن ومؤمنة ؛ لأنّها كان تمثّل بداية مقتله "عليه السلام" الذي قال فيه الحبيب المصطفى: (( إنّ لقتل الحسين حرارةً في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً )) [مستدرك الوسائل للميرزا النوري:ج10،ص318] ، "فوا حزناه عليك يا أبا عبد الله ...! ، ولعن الله قاتليك... ، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ، السلام عليكم منّي أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ورحمة الله وبركاته".. هذا ما يمكن تحريره في المقام أخي السائل الكريم..، ودمتم سالمين.