نزول الوحي على النبيّ (ص)؟

السؤال: أريد معرفة كيف كان نزول الوحي على النبي ص؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

اعلم أخي السائل الكريم أنّ الوحي لغةً يعني إيصال المعلومات بسرعة وخفاء، سواءً أكان ذلك بإيماء، همسة، كتابة سرّية، أم أيّ وسيلة سريعة تجعل الشخص الآخر يفهم ما قُصِدَ به، ويمكن أن يقال: إنّ الوحي هو إيصال المعلومة بشكل سريع وخفي، ولذا يقال عن أمر ما أنّه (وحي) إذا كان سريعاً، ويمكن أن يكون الوحي بالكلام على شكل رموز وتعريضات، أو قد يكون بالإشارة من بعض الجوارح، أو بالكتابة.

أمّا الوحي في الاصطلاح فقد عرّفه الشيخ الطوسيّ بأنّه: "البيان الذي ليس بإيضاح, نحو الإشارة والدلالة, لأنّ كلام المَلَك كان للرسول (ص) على هذا الوجه".( التبيان في تفسير القرآن، ج 4، ص 142). وقال في موضع آخر: "الإيحاء إلقاء المعنى في النفس على وجه يخفى, وهو ما يجيء به من دون أن يرى ذلك غيره من الخلق" (التبيان ج 4، ص 142).

ويتّضح من التعريفين السابقين أنّهما يشيران إلى أكثر أنواع الوحي شيوعاً في القرآن الكريم، وهو طريق وحي القرآن نفسه، عبر إرسال مَلَك وهو جبرائيل (ع) إلى النبيّ (ص). قال الله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾.

وحدّد السيّد الطباطبائيّ الوحي بأنّه: "إلقاء المعنى بنحو يخفى على غير من قُصِدَ إفهامه"، ويشمل هذا التحديد كلّ أنحاء الوحي، فيدخل فيه الوحي المباشر (بلا واسطة) والوحي غير المباشر (كالوحي بواسطة مَلَك). وقد قرّر الأدب الدينيّ في الإسلام أن لا يطلق الوحي على غير ما عند الأنبياء والرسل عليهم السلام من التكليم الإلهيّ" (الميزان ج 12، ص 492).

وعلى ذلك يمكن تقسيم الوحي النبويّ إلى نوعين رئيسيين:

الأوّل الوحي المباشر: وهو اتّصال النبيّ بالله من دون واسطة، وهذا النوع من الوحي هو الأصعب، وقد وصفت الأحاديث المرويّة عن أهل البيت (ع) ثقل هذا الوحي، ومثال على ذلك ما رواه هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام: "وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا أتاه الوحي من الله وبينهما جبرئيل عليه السلام يقول: هو ذا جبرئيل، وقال لي جبرئيل، وإذا أتاه الوحي وليس بينهما جبرئيل تصيبه تلك السبتة، ويغشاه منه ما يغشاه لثقل الوحي من الله عزّ وجلّ" (البحار ج 18 ص 271).

وعن الحرث بن هشام سأل النبيّ (ص) كيف ينزل عليه الوحي؟ فأجاب النبيّ (ص): "أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدّ عليّ، فيفصم عنّي وقد وعيت ما قال، وأحياناً يتمثّل المَلَكُ رجلاً فيكلّمني، فأعي ما يقول" (ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 1، ص 41).

وروى زرارة عن الصادق عليه السلام ، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك ! الغشية التي كانت تصيب رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا نزل عليه الوحي؟ قال: فقال: " ذاك لم يكن بينه وبين الله أحد ، ذاك إذا تجلّى الله له، قال: ثمّ قال: "تلك النبوّة يا زرارة واقبل بتخشّع" (توحيد الصدوق باب 8، ح 15، ص 115).

الثاني الوحي غير المباشر: وفي هذا النوع يتلقّى النبيّ الوحي عبر وساطة تكون جسراً بينه وبين الله تعالى، مثل الوحي النازل في المنام والرؤيا. ومن أمثلته: قول الله تعالى على لسان نبيّه إبراهيم (ع): (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ...)، وتكليم الله تعالى لنبيّه موسى (ع) في قوله: (وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا)، وكذلك الوحي النازل على رسول الله (ص) بواسطة جبرائيل كما في قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ...).

أمّا كيفيّة نزول الوحي على الرسول (ص) فهناك اختلاف بين ما رواه أهل السنّة وبين روايات أهل البيت، وهناك تفاصيل متعدّدة تعرّض لها علماءنا بالدراسة والبحث، ويمكن الرجوع في ذلك إلى موسوعة (الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم) للعلّامة المحقق جعفر مرتضى العالميّ، وما يجب التأكيد عليه في هذه الإجابة هو أنّ كلَّ ما قيل من خوف النبيّ واضطرابه وذهابه إلى ورقة وأنّه حاول الانتحار وغيرها من المرويّات التي تقدح في شخصيّة رسول الله (ص) مرفوضة وغير مقبولة عند شيعة أهل البيت، وقد تحقّق أصحاب الأئمّة من تلك الأخبار التي تصف نزول الوحي عن النبيّ، ونفى الأئمة كلّ ما يلحق برسول الله من نقص أو عيب، ففي الحديث أنّ زرارة سأل الإمام الصادق (ع) فقال: كيف لم يَخَف رسول الله (ص) فيما يأتيه – يكشف هذا السؤال عمّا هو رائج في الأوساط الإسلاميّة آنذاك من خوف النبيّ واضطرابه وأنّ هناك شيطاناً يعتريه وغير ذلك، وهو ممّا دفع زرارة إلى سؤال الإمام، فقال زرارة للإمام الصادق (ع): "كيف لم يَخَف رسول الله (ص) فيما يأتيه من قبل الله، أن يكون ممّا ينزغ به الشيطان؟ فقال (ع): "إنَّ الله إذا اتّخذ عبداً رسولاً أنزل عليه السكينة والوقار، فكان الذي يأتيه من قبل الله مثل الذي يراه بعينه"(البحار ج 18 ص 262).

وسُئل الإمام الصادق (ع): "كيف عَلِمَت الرُّسل أنّها رُسُل؟ قال (ع): "كُشِفَ عنهم الغطاء"(البحار ج 11 ص 56 ).