كيف أجاز الله ضرب النساء؟

السؤال: ما المقصود من كلمة: "واضربوهنّ" في القرآن الكريم ؟؟ يزعمون أنّ ديناً بهذه الرِّفعة والرُّقي والعظمة (الدين الإسلاميّ) والذي لا يسمح بإيذاء قطّة، لا يمكن أن يسمح بضرب وإيذاء وإهانة الزوجة. فالضرب هنا هو المباعدة والفراق لا اللّطم باليد أو غيره.. وفي المعاجم وكتب اللّغة والنحو لو تابعنا كلمة ضرب لرأينا مثلاً في قول: (ضرب الدهر بين القوم) أيْ فرّق وباعد بينهم. و(ضرب عليه الحصار) أيْ عزله عن محيطه. و(ضرب عنقه) أيْ فصلها عن جسده. فالضرب إذن: يفيد المباعدة والانفصال والتجاهل. وهنالك آيات كثيرة في القرآن تدلّ على نفس المعنى للضرب أيْ المباعدة.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

اعلم أخي القارئ الكريم أنّ الجواب عن هذا السؤال سيتّضح بعد بيان بعض الأمور المتعلّقة بهذا الحكم التي من خلالها ستعرف الخطأ الذي وقع فيه هذا السائل، وَهَاكَ أهمَّ هذه الأمور:

أوّلاً- في قوله تعالى: (وَاللّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)، فإنّ هذه الآية جاءت في مقام معالجة نشوز المرأة، وهي الزوجة العاصية لزوجها، والمتمرّدة على حقوق الزوجيّة، والرافضة لأداء كلّ ما يجب القيام به اتّجاه زوجها، والآية قدّمت ثلاث حلول لمعاجلة هذه المشكلة، فجاءت هذه الحلول على نحو التدرّج، فالحلّ الأوّل (وهو الموعظة) هو المقدّم، فإن لم ينفع يأتي الحلّ الثاني، (وهو الهجران في المضاجع)، فإنْ لم ينفع يأتي الحلُّ الثالث (وهو الضرب).

ثانياً: الآية تقرّر عدم ضرب المرأة مطلقاً إذا لم تكن ناشزاً، ودليل ذلك ذيل الآية نفسها: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)، وفي الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه نهى عن ضرب النساء في غير واجب"، وعن أبي جعفر عليه السلام قال: "قال رسول الله صلّى الله عليه وآله أيضرب أحدكم المرأة ثمّ يظلّ معانقها". (جامع أحاديث الشيعة للبروجرديّ ج 20 ص247- 248).

ثالثاً: أكّد الإسلام في كثير من النصوص على احترام المرأة وتقديرها، والحفاظ على حرمتها وكرامتها، وضرورة الإحسان إليها، قال رسول الله (صلّى اللّه عليه وآله ): "خِياركم خِياركم لأهله" (البحار ج100 ص 226)، وقال صلّى الله عليه وآله: "ومَن اتّخذ زوجةً فليُكرمها" (مستدرك الوسائل ج14 ص 250)، وقال صلّى اللّه عليه وآله: ( أخبرني أخي جبرائيل، ولم يَزل يُوصيني بالنساء حتّى ظَننتُ أنْ لا يَحلّ لزوجها أنْ يقول لها: أفٍّ ! يا مُحمّد، اتّقوا اللّه عزّ وجلّ في النساء، فإنّهنّ عَوان بين أيديكم، أخذتموهنّ على أمانات اللّه ـ إلى أنْ قال ـ فأشفِقوا عليهنّ وطيّبوا قلوبهنّ حتّى يَقفنَ معكم، ولا تُكرِهوا النساء ولا تُسخِطوا بهنّ" (مستدر الوسائل ج14 ص 250)، وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "فداروهنّ على كلّ حال، وأَحسِنوا لهنّ المقال، لعلّهنّ يحسنّ الفعال" (البحار ج 100 ص 223). وقال عليه السلام" "وأمّا حقّ الزوجة فإن تعلم أنّ الله عزّ وجلّ جعلها لك سكنا وأنسا فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عزّ وجلّ عليك فتكرمها وترفق بها وان كانت حقّك عليها أوجب فإنّ لها عليك أن ترحمها لأنّها أسيرك وتطعمها وتكسوها وإذا جهلت عفوت عنها" (جامع أحاديث الشيعة ج20 ص 249).

رابعاً: ما يتعلّق بالضرب فقد فسّرت النصوص وقيّدته بأن لا يكون مبرّحاً ولا مؤلماً، وهذا النوع من الضرب لا يشبه الضرب في الفهم العرفيّ، وهو ممّا يعني أنّ المقصود منه ليس إلحاق الأذى والضرر، وإنّما مجرّد نوع من التعبير عن الاحتجاج والاعتراض، ولذا اشترطت النصوص عدم استخدام أيّ أداة في الضرب، فلا يجوز الضرب بالخشب أو السوط، فإنِ استلزم الأمر ذلك، فبالمسواك الذي يستاك به، ولا يجوز لطمها على وجهها ففي الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: "فأيّ رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عزّ وجلّ مالك خازن النيران فيلطمه على حرّ وجهه سبعين لطمة في نار جهنّم"، (جامع أحاديث الشيعة ج20 ص 249). وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال: "إنّي أتعجّب ممّن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها، لا تضربوا نساءكم بالخشب، فإنّ فيه القصاص، ولكن اضربوهن بالجوع والعريّ حتّى تربحوا في الدنيا والآخرة". وجاء في فقه الرضا عليه السلام: "والضرب بالسواك وشبهه ضرباً رفيقاً" أيْ برِفقٍ. (البحار ج 101 ص 58).

فإذا عرفت ما تقدّم، فاعلم أنّ تفسير الضرب في هذه الآية بالتباعد والانفصال - كما جاء في السؤال - مخالفٌ للظهور العرفيّ، ولا يخلو من تعسّف لا حاجة له، فالضرب في الدلالة العرفيّة واضح، والآيات القرآنيّة التي جاءت بهذا المعنى العرفيّ كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى)، فهل معنى الضرب في هذه الآية بمعنى التباعد والانفصال، أو بمعنى ضرب الميت بلحم البقرة؟

وكذلك قوله تعالى: (فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ) أي فأقبل إبراهيم (ع) على الأصنام ضرباً بيمينه.

وكذلك قوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)، وقوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ)، وقوله: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ)، وقوله: (اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ) فالانفجار هو أثرُ الضرب الذي هو الطرق بالعصا على الحجر.

وغير ذلك من النصوص التي لا يمكن حمل الضرب فيها على الانفصال والتباعد كما لا يخفى.