هل المشيئة صفة ذات أو فعل؟

السؤال: عند الشيعة (المشيئة) صفة محدثة مخلوقة، بمعنى أنّها لم تكن أزليّة لله إنّما خلقها الله، وهي خلقت المخلوقات، السؤال قبل أن يخلق الله المشيئة هل شاء أن يخلقها أو لا؟ اذا قلنا نعم شاء، فأنت تثبت أنّ مشيئة الله أزليّة وليست مخلوقة. وإذا قلت لم يشاء، هذا يعني أنّه لم يخلق المشيئة، وبالتالي لم يخلق شيئا.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

بيّنت أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) مراتب الفعل الإلهيّ ومراحله، فأوّل تلك المراتب العلم، ثمّ المشيئة، ثمّ الإرادة، ثمّ التقدير، ثمّ القضاء، ثمّ الإمضاء، فعن الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: "عَلِم وشاء وأراد وقدّر وقضى وأمضى… بعلمه كانت المشيئة، وبمشيئته كانت الإرادة، وبإرادته كان التقدير، وبتقديره كان القضاء، وبقضائه كان الإمضاء، والعلم متقدّم على المشيئة، والمشيئة ثانية، والإرادة ثالثة، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء… فبالعلم علم الأشياء قبل كونها، وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها، وأنشأها قبل إظهارها، وبالإرادة ميّز أنفسها في ألوانها وصفاتها، وبالتقدير قدّر أقواتها، وعرّف أوّلها وآخرها، وبالقضاء أبان للناس أماكنها، ودلّهم عليها، وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها وذلك تقدير العزيز العليم" (الكافي ج 1 ص 148 - 149).

وفي معنى مراتب الفعل الإلهيّ يقول عليّ بن إبراهيم الهاشميّ سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام يقول: "لا يكون شيء إلّا ما شاء الله وأراد وقدّر وقضى، قلت: ما معنى شاء؟ قال ابتدأ الفعل، قلت: ما معنى قدّر؟ قال: تقدير الشيء من طوله وعرضه، قلت: ما معنى قضى؟ قال: إذا قضى أمضاه، فذلك الذي لا مردّ له" (الكافي ج1 ص 150).

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) في حديثه مع يونس بن عبد الرحمن قال: "… لا يكون إلّا ما شاء الله وأراد وقدّر وقضى. يا يونس تعلم ما المشيئة؟ قلت: لا، قال: هي الذكر الأوّل، فتعلم ما الإرادة؟ قلت: لا، قال: هي العزيمة على ما يشاء، فتعلم ما القدر؟ قلت: لا، قال: هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء، قال: ثمّ قال: والقضاء هو الإبرام وإقامة العين، قال: فاستأذنته أن أُقبّل رأسه وقلت: فتحت لي شيئا كنت عنه في غفلة" (الكافي ج 1 ص 158).

وفي حديث آخر عنه (عليه السلام) قال: "أتدري ما المشيئة؟ فقال: لا. فقال: همّه بالشيء. أو تدري ما أراد؟ قال: لا. قال: إتمامه على المشيئة. فقال أو تدري ما قدّر؟ قال: لا. قال: هو الهندسة من الطول والعرض والبقاء. ثمّ قال: إنّ الله إذا شاء شيئا أراده. وإذا أراده قدّره. وإذا قدّره، قضاه. وإذا قضاه، أمضاه". وعنه (عليه السلام): "المشيّة: ابتداء الفعل. الإرادة: الثبوت عليه. القدر: تقدير الشيء من طوله وعرضه. وإذا قضى أمضاه، فذلك الذي لا مردّ له". (البحار ج5 ص 122).

ويتّضح من تلك الأحاديث أنّ المشيئة تعني الاهتمام بفعلٍ تمهيداً للقصد والميل القاطع نحو ذلك الفعل، والمشيئة بهذا المعنى فرع من العلم أو منبعثة عنه إذا صحّت العبارة، وفي نفس الوقت لا يجوز تفسير العلم بالمشيئة أو تفسير المشيئة بالعلم؛ لأنّ ماهيّة العلم غير ماهيّة المشيئة، فيقال: إنّ شاء الله، ولا يقال: إنّ علم الله، وعليه فإنّ المشيئة تأتي في مرتبة متأخّرة عن العلم، فإذا علم الله بوجود حِكمة ومصلحة في فعل معيّن تعلّقت به المشيئة، وهذا ما يفسّر القول بحدوث المشيئة لكونها متعلّقة بالفعل ومصاحبة له، بعكس العلم القائم بذاته ولا يتوقّف وجوده على وجود المعلوم.

وأحاديث أهل البيت صريحة في حدوث المشيئة وأنّها من صفات الفعل وليست من صفات الذات، فعن الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: "المشيئة والإرادة من صفات الأفعال، فمن زعم أنّ الله تعالى لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد" (توحيد الصدوق ص 329). وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام): "المشيئة مُحدثة" (الكافي ج1 ص 110). وعنه (عليه السلام): "خلق المشيّة قبل الأشياء، ثمّ خلق الأشياء بالمشيّة" (توحيد الصدوق ص 330). وعنه (عليه السلام): "خلق الله المشيئة بنفسها، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة" (الكافي ج1 ص 110).

يذكر العلّامة المجلسي عدّة وجوه في بيان معنى "خلق الله المشيئة بنفسها" ومن بين تلك الوجه هناك وجه في تقديرنا قد يرفع إشكال السائل ، إذْ يقول العلّامة المجلسيّ: "ما ذكره بعض الأفاضل وهو أنّ للمشيئة معنيين: أحدهما متعلّق بالشائي وهي صفة كماليّة قديمة هي نفس ذاته سبحانه وهي كون ذاته سبحانه بحيث يختار ما هو الخير والصلاح، والآخر يتعلّق بالمشيئ وهو حادث بحدوث المخلوقات لا يتخلّف المخلوقات عنه، وهو إيجاده سبحانه إيّاها بحسب اختياره، وليست صفة زائدة على ذاته عزّ وجلّ وعلى المخلوقات بل هي نسبة بينهما تحدث بحدوث المخلوقات لفرعيّتها المنتسبين معا.

فنقول: إنّه لمّا كان ههنا مظنّة شبهة هي أنّه إن كان الله عزّ وجلّ خلق الأشياء بالمشيئة فبم خلق المشيئة أبمشيئة أخرى؟ فيلزم أن تكون قبل كلّ مشيئة مشيئة إلى ما لا نهاية له، فأفاد الإمام عليه السلام أنّ الأشياء مخلوقة بالمشيئة، وأمّا المشيئة نفسها فلا يحتاج خلقها إلى مشيئة أخرى بل هي مخلوقة بنفسها لأنّها نسبة وإضافة بين الشائي والمشيئ تتحصّل بوجوديهما العينيّ والعلميّ، ولذا أضاف خلقها إلى الله سبحانه لأنّ كلا الوجودين له وفيه ومنه، وفي قوله عليه السلام: بنفسها دون أن يقول: بنفسه إشارة لطيفة إلى ذلك، نظير ذلك ما يقال: إن الأشياء إنّما توجد بالوجود فأمّا الوجود نفسه فلا يفتقر إلى وجود آخر بل إنّما يوجد بنفسه" (البحار ج 4 ص 146).