هل يعتقد الشيخ المفيد ان جميع بني هاشم هم عترة النبي(ص)؟

السؤال: هل صحيح ما يقال إنَّ الشيخ المفيد (قدس) يعتقد أنَّ جميع بني هاشم هم عترة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)؟

: السيد علي المشعشعي

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

يشير الأخ السائل إلى ما ذكره الشيخ المفيد(قدس) في كتابه: (أجوبة المسائل الجاروديّة)، إذْ أورد الشيخ قول الجاروديّة: (فإنّ لنا حجّة في اختصاص الحسن والحسين عليهما السلام وولدهما بالإمامة دون غيرهم من ولد أمير المؤمنين عليه السلام وسائر بني هاشم وكافّة الناس وهي قول النبيّ صلّى الله عليه وآله: (إنّي مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض).

ثمّ عقّب الشيخ (قدس) على قولهم فقال: قالت الإماميّة هذا الخبر بأن يكون حجّة لمن جعل الإمامة في جميع بني هاشم أولى من أن يكون حجّة لمن جعلها في ولد فاطمة (عليها السلام) لأنّ جميع بني هاشم عترة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته بلا اختلاف .. [المسائل الجاروديّة ص٤١].

والذي يبدو لنا ممّا تقدّم أنّ مراد الشيخ المفيد (قدس) شيءٌ آخر غير ما فهمه السائل وبيانه من وجوه:

أحدها: أنّه لا يخفى على المتتبّع لأساليب العلماء في النقض أنَّ ما ساقه الشيخ المفيد (قدس) في هذا الموضع هو من باب معارضة قول الزيديّة بما يقوله العامّة في معنى العترة، إذِ العترة عند العامّة هم بنو هاشم كلّهم: ولد العباس، وولد عليّ، وولد الحارث، وسائر بني أبي طالب [منهاج السنّة لابن تيميّة ج7ص395].

والزيديّة كما هو معروفٌ عنهم يعتقدون أنَّ المراد من العترة هم ذرّيّة فاطمة من ولد الحسن، والحسين، كالحسن المثنّى، وزيد بن عليّ بن الحسين، وابنه يحيى بن زيد، ومحمّد بن عبد الله النفس الزكيّة، وأخيه إبراهيم وغيرهم.

لهذا عارض الشيخ المفيد (قدس) حجّتهم، فردّ عليهم بقوله: (.. ليس اللباب والخاصّة هم الذرّيّة دون الإخوة والعمومة وبني العمّ، ولو كان الأمر على ما ذكرتموه خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من العترة، وهو سيّد الأئمّة وأفضلها، لخروجه من جملة الذرّيّة، وهذا باطل بالاتّفاق) [المسائل الجاروديّة ص٤١].

والثاني: ذكر أهل اللّغة أنَّ معنى العترة هم (الأولاد والأقارب الأدنون) وليس المراد هم بني هاشم كلّهم.

قال الفيروز آبادي: (والعترة بالكسر قلادة تعجن بالمسك، ونسل الرجل ورهطه وعشيرته الأدنون) [القاموس المحيط ج 2ص120].

وقال ابن منظور: (قال أبو عبيدة وغيره: عترة الرجل وأسرته وفصيلته رهطه الأدنون...)[ لسان العرب 4/538].

وقال ابن الأعرابيّ: العترة ولد الرجل وذرّيّته وعقبه من صلبه، قال: " فعترة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولد فاطمة البتول... ")[لسان العرب 4/538].

والثالث: احتجّ الشيخ (قدس) بحديث (الثقلين) على اختصاص لفظ العترة بالأئمّة المعصومين وذلك لأنّ العترة في الحديث قرنت بالكتاب الكريم وهو معصوم، فإذا كان القرآن معصوم فقرينه مثله وهذا يخرج ما ليس بمعصومٍ من أقارب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عن معنى العترة.

قال الشيخ (قدس): إنّ لفظ الخبر في ذكر العترة عموم مخصوص بما اقترن إليه من البيان من قوله عليه السلام: " إنّهم لا يفارقون الكتاب " وذلك موجب لعصمتهم من الآثام ومانع من تعلّق السهو بهم والنسيان، إذْ لو وقع منهم عصيان أو سهو في الأحكام لفارقوا به القرآن فيما ضمنه البرهان، وإذا ثبتت عصمة أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة من ولده بواضح البيان، ثبت أنّهم المرادون بالعترة [المسائل الجاروديّة ص ٤٢].

والرابع: دلّت الأخبار في مصادرنا على حصر العترة بالأئمّة الاثني عشر الذين تتولّاهم الإماميّة، إذْ بوّب شيخ المحدّثين الصدوق (قدس) بابا في كتابه: (معاني الأخبار) في معنى العترة وذكر عدّة أحاديث تدلّ على أنّ معنى العترة هم الأئمّة الاثنا عشر المعصومون (عليهم السلام) على نحو الحصر

فقد روى بسنده: عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين (عليهم السلام) قال: سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى قول رسول الله (صلى الله عليه واله) " إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي " من العترة؟ فقال: أنا، والحسن، والحسين، والأئمّة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديّهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يردوا على رسول الله (صلّى الله عليه واله) حوضه [معاني الأخبار ج2ص111].

وروى أيضا: عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه واله): إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض كهاتين - وضمّ بين سبّابتيه - فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاريّ، فقال: يا رسول الله ومن عترتك؟ قال: عليّ، والحسن والحسين، والأئمّة من ولد الحسين إلى يوم القيامة. [معاني الأخبار ج2ص111].

وروى الصفّار بسنده: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويدخل جنّة ربّى جنّة عدن قضيب من قضبانه غرسه ربّي بيده فقال له كن فكان فليتولّ عليّا و الأوصياء من بعده وليسلّم لفضلهم فإنّهم الهداة المرضيّون أعطاهم فهمي وعلمي وهم عترتي من دمي ولحمي .. [بصائر الدرجات للصفّار 8622

ولذا قال الشيخ الصدوق (قدس): والعترة عليّ بن أبي طالب وذرّيّته من فاطمة وسلالة النبيّ (صلّى الله عليه واله)، وهو الذين نصّ الله تبارك وتعالى عليهم بالإمامة على لسان نبيّه (صلّى الله عليه وآله)، وهم اثنا عشر أوّلهم عليّ وآخرهم القائم (عليهم السلام) على جميع ما ذهبت إليه العرب من معنى العترة، وذلك أنّ الائمّة (عليهم السلام) من بين جميع بني هاشم ومن بين جميع ولد أبي طالب كقطاع المسك الكبار في النافجة، وعلومهم العذبة عند أهل الحلّ والعقد وهم الشجرة التي قال رسول الله (صلّى الله عليه واله): أنا أصلها وأمير المؤمنين (عليه السلام) فرعها والأئمّة من ولد أغصانها وشيعتهم ورقها وعلمهم ثمرها... [انتهى].

نكتفي بهذا القدر والحمد لله أولا وآخرا.