هل يلزم من نفي الصفات نفي وجوده تعالى؟

السؤال: هل يلزم من نفي الصفات نفي وجود الله لأنّ كلّ موجود يلزم أن تكون له صفات والذي ليس له صفات هو المعدوم فمن نفى عن الله الصفات؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

 

هناك اختلاف وتباين بين المدارس الكلاميّة حول صفات الله تعالى، فبعضها جعل صفاته سبحانه وتعالى من سنخ صفات المخلوقين وهم المشبّهة، وبعضها نفى الصفات عن الله تعالى وهم المعطّلة، وبعضها أثبت لله صفات ولكنّها صفات زائدة على ذاته تعالى وهم الأشاعرة.

 

ولا يمكننا في هذه المساحة المحدودة استعراض ما جرى بين هذه المدارس من جدل ونقاش، وبخاصّة أنّ الأمر لا يخلو من تعقيد في كثير من المسائل، ولذا سنكتفي بذكر اعتقاد الشيعة في توحيد الصفات بحسب ما جاء في روايات أهل البيت (عليهم السلام) ففي ذلك الإجابة التي يبحث عنها السائل.

 

فشيعة أهل البيت (ع) تبعاً لأئمّتهم يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه من صفات ولا ينفون منها شيئاً، ففي جواب الإمام الرضا (ع) للمأمون العباسيّ عندما سأله أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الإيجاز والاختصار، كتب له سلام الله عليه قائلاً: "إنّ محض الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، إلهاً واحداً أحداً فرداً، صمداً، قيوماً، سميعاً بصيراً، قديراً قديماً قائماً، باقياً، عالماً لا يجهل، قادراً لا يعجز، غنيّاً لا يحتاج، عدلاً لا يجور وأنّه خالق كلّ شيء، وليس كمثله شيء، لا شبه له، ولا ضدّ له، ولا ندّ له، ولا كفو له، وأنّه المقصود بالعبادة والدعاء، والرغبة والرهبة" (عيون أخبار الرضا ج 2 ص 12).

 

وعرض عبد العظيم الحسنيّ عقيدته على الاِمام الهادي (ع) فقال له: يا بن رسول اللّه، إنّي أُريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيّاً ثبتُّ عليه حتّى ألقى اللّه عزّ وجلّ. فقال عليه السّلام : هاتها. فقلت: إنّي أقول إنّ اللّه تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء، خارج عن الحدّين: حدّ الإبطال، وحدّ التشبيه، وانّه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر، بل هو مجسِّم الاَجسام ومصوِّر الصور، وخالق الاَعراض والجواهر، وربّ كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه" (توحيد الصدوق ص 81).

 

وما يميز اعتقاد الشيعة في توحيد الصفات هو إثباتهم ما أثبته الله لنفسه من غير تعطيل أو تشبيه، فعن الإمام الباقر (ع) قال: "تخرجه من الحدّين: حدّ التعطيل وحدّ التشبيه"، يقول العلّامة المجلسيّ في بيان هذا الحديث: "حدّ التعطيل هو عدم إثبات الوجود والصفات الكماليّة والفعليّة والإضافيّة له تعالى، وحدّ التشبيه الحكم بالاشتراك مع الممكنات في حقيقة الصفات وعوارض الممكنات" (البحار ج 3 ص 260).

 

وبذلك يتّضح أنّ توحيد الصفات يتقوّم بمحدّدين.

 

ألأوّل عدم التعطيل: ويعني ذلك الخلو أو إخلاء الربّ سبحانه وتعالى عمّا وصف به نفسه، فالمعطّلة: ينفون عن الله الصفات فلا يصفونه حتّى بما وصف به تعالى نفسه، فهم بذلك يعطّلون الله عن كماله المقدّس، فعن الإمام عليّ بن موسي الرضا (عليه السلام) قال: "سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك... اللّهم لا أصفك إلّا بما وصفت به نفسك: (الكافي ج1 ص 101). وعن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) قال: صِفوه [عزّ وجلّ] بما وصف به نفسه، وكفّوا عمّا سوي ذلك"(الكافي ج1 ص 100).

 

الثاني عدم التشبيه: أي تشبيه صفة الخالق بصفة المخلوق، وبمعنى آخر فإنّ التوحيد في الصفات يقتضي إثبات الصفة لله تعالى ولكن ليس كما نثبت تلك الصفات للمخلوق؛ لأنّ ذلك يقود للتشبيه وهو محال على الله تعالى، ومن هنا جاءت روايات أهل البيت (عليهم السلام) لتحدّد المسار الوسط بين التعطيل والتشبيه، فعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: "واعلم رحمك الله أنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزّ وجلّ، فانفْ عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون، ولا تعد القرآن فتضلّ بعد البيان" (الكافي ج 1 ص 100).

 

وبذلك يتّضح مفارقة الشيعة لمذهب المعطّلة الذين نفوا الصفات، ومفارقتهم لمذهب المشبّهة الذي وصفوا الله بصفات المخلوق، ومفارقتهم أيضاً لمذهب الاشاعرة الذين أثبتوا لله صفات زائدة على الذات، وقد أكّد الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) على ضرورة نفي الصفات الزائدة كما تقول الأشاعرة؛ وذلك لأنّ القول بالصفات الزائدة يؤدّي للاعتقاد بتركيب الذات وهو محال، يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "لم يزل الله ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر، والقدرة ذاته ولا مقدور" (توحيد الصدوق ص 139).

 

وعليه فلا يمكن حمل ما جاء في الروايات عن ضرورة نفي الصفات عنه على قول المعطّلة، فمثلاً قول أمير المؤمنين (ع): "وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة .."

فالإمام هنا في معرض الردّ على من يزعم بأنّ الصفات زائدة على الذات، ولكي يتّضح ذلك نقول: إن ثبوت الصفات الزائدة على الذات يستلزم قيامها مستقلة من دونها، فلو كانت الصفات الإلهية ـ وفق مذهب الأشاعرة ـ زائدة على ذاته أي مغايرة له، وجب أن تكون موجودة مستقلة عنه، وهذا يستلزم تعدد القدماء، فإذا راجعت مسفوراتهم الكلامية وجدتهم يثبتون سبع صفات لله تعالى زائدة على ذاته، ويلزم منه جعل القدماء ـ الصفات السبع مع الله تعالى ـ ثمانية والعياذ بالله.

والإشكال الآخر على جعل الصفات زائدة ومغايرة عن الذات الإلهية، استلزام ذلك ترك ذات الواجب، لأنّ الصفة العارضة مغايرة للموصوف حسب الفرض، فلا بدّ حينها أن يكون بينهما ما به الامتياز وما به الاشتراك، ومن الواضح أنّ ما به الاشتراك هو الوجود، كما هناك جهة امتياز وتغاير لأن الاثنينية فرع التغاير، وعليه فلا بدّ أن يكون كلّ من المتغايرين مركّباً من جزأين، أحدهما يشترك به مع غيره، والآخر يميّزه عن غيره الآخر. وهذا يعني لزوم التركيب في الذات الإلهيّة وفي صفاتها، ومحاذير التركيب كثيرة منها الحاجة، وتعدّد القديم، وغير ذلك.

 

ويشهد لذلك قوله (عليه السلام) بعد ذلك: "فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه"، أي قرنه بالصفة الزائدة، "ومن قرنه فقد ثنّاه"، أي جعله ثانياً، "ومن ثنّاه فقد جزّأه". فاتّضح أنّ هذا الذي ذكره (عليه السلام) إنّما هو برهان نفي الصفات الزائدة العارضة على الذات، ويثبت بالتالي ضرورة أن تكون صفاته تعالى عين ذاته.