ما معنى الإحاطة في قوله تعالى (وكان الله بكل شيء محيطا)؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

الإجابة:

وردت كلمة احاطة الله تعالى في القرآن الكريم ثمان مرات ، قال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا)، ويقول: (وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ)، ويقول: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)، ويقول: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)، (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)، ويقول: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)، ويقول: (أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ)، ويقول: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً)

واحاطة الله بخلقه ليست احاطة مكانية مثل احاطة السماء بالأرض أو كإحاطة الظرف بمظروفه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فالله محيط بكل شيء علماً وقدرةً ورحمةً وقهراً وسلطاناً، فليس هناك شيء من الاشياء خارج عن قدرته وإرادته وسلطانه، يقول السيد الطباطبائي في تفسير قوله تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ): "لما كان تعالى قديراً على كل شيء مفروض كان محيطا بقدرته على كل شيء من كل جهة، فكل ما فرض أولاً فهو قبله، فهو الأول دون الشيء المفروض أولاً، وكل ما فرض آخراً فهو بعده، لإحاطة قدرته به من كل جهة فهو الآخر دون الشيء المفروض آخراً، وكل شيء فرض ظاهراً فهو أظهر منه، لإحاطة قدرته به من فوقه فهو الظاهر دون المفروض ظاهراً، وكل شيء فرض أنه باطن فهو تعالى أبطن منه لإحاطته به من ورائه فهو الباطن دون المفروض باطناً، فهو تعالى الأول والآخر والظاهر والباطن على الاطلاق وما في غيره تعالى من هذه الصفات فهي إضافية نسبية.

وليست أوليته تعالى ولا آخريته ولا ظهوره ولا بطونه زمانية ولا مكانية بمعنى مظروفيته لهما وإلا لم يتقدمهما ولا تنزه عنهما سبحانه بل هو محيط بالأشياء على أي نحو فرضت وكيفما تصورت" (الميزان ج19 ص 145)

وعليه فإن المراد من احاطة الله ليس احاطة زمان ومكان وإنما احاطة قدرة وعلم وسلطان، يقول تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)، فهو على كل شيء قدير ، ومحيط بكل شيء علماً، ويقول تعالى: (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا)، أي أحاط الله بالغنائم المؤجلة كغنائم فارس والروم، فالله محيط بها احاطة قدرة. وقال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)، فالناس جميعاً تحت إرادته وقدرته وسلطانه.