هل الإسلام مخيف؟

السؤال: الإسلام مخيف في كافة تمظهراته: في بعده السياسيّ القائم على الجهاد والقتل، في بعده الاجتماعيّ الرافض لوجود المختلف، في بعده الفكريّ القائم على قمع الفكر والعقل والفنّ، في بعده الحقوقيّ القائم على سلب الحريّات واضطهاد المرأة. وقبل كلّ شيء في معاداته للحياة وكرامة الإنسان.

: الشيخ معتصم السيد احمد

الجواب:

للردّ على هذا الادّعاء لا بدّ من تحليل وتفكيك العناوين المثارة فيه، ولأنّنا تناولنا كلّ هذه العناوين في أجوبة سابقة سنكتفي بردّ عامّ في شكل نقاط مختصرة.

أوّلاً: البعد السياسيّ القائم على الجهاد والقتل.

الجهاد في الإسلام لا يعني التعدّي أو الاعتداء على الآخرين من دون سبب، بل هو وسيلة للدفاع عن النفس وردع المعتدين، ومفهوم الجهاد في الإسلام يشمل مجموعة من المعاني تبدأ من تربية النفس وتهذيبها (الجهاد الأكبر) إلى الدفاع المسلح عند الضرورة (الجهاد الأصغر)، وقد شرّع الإسلام الدفاع المسلّح ضمن حدود القيم والمبادئ الاخلاقيّة، فلم يسمح به إذا كان فيه اعتداء على الآخر المسالم، بل لم يسمح بقتل الأسير أو تتبّع العدوّ إذا ولّى فارّاً من ميدان القتال، والضابط في كلّ ذلك أن يكون القتال من أجل إقامة العدل وردّ الظلم، يقول الله تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190). ويقول تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصرِهِم لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَولَا دَفعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَّهُدِّمَت صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذكَرُ فِيهَا اسمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (40 الحج). وقالَ تعالى: (وَمَا لَكُم لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالمُستَضعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخرِجنَا مِن هَٰذِهِ القَريَةِ الظَّالِمِ أَهلُهَا وَاجعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا) (75 النساء).

وقد فصّلنا ذلك عناوين متعدّدة من بينها (هل الجهاد حرب بربريّة) وعنوان (هل في الإسلام حروب دينيّة) وغير ذلك من العناوين التي يمكن الرجوع إليها في موقع الرصد العقائديّ.

ثانياً: البعد الاجتماعيّ الرافض لوجود المختلف:

الإسلام يعترف بالتنوّع ويعدّه جزءاً من حكمة الله في خلقه، ويشير القرآن إلى ذلك بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، فقد وجّهت الآية الخطاب للناس وليس للمؤمنين بشكل خاصّ، وهو ممّا يعني أنّ الإسلام يدعو للتعايش مع جميع الثقافات، والدعوة للتعارف بين الشعوب والقبائل لا تتمّ إلّا من خلال قبولهم بما هم عليه من تعدّد في الأفكار والثقافات؛ بل يدعو القرآن للتعامل الإيجابيّ مع الذين يتباينون فكريّاً مع المسلمين مثل الكفّار والمشركين، قال تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)

وعبر التاريخ الإسلامي تعايش المسلمون مع غير المسلمين بسلام في ضمن مجتمعات مختلطة تحت حكم القانون الإسلاميّ الذي يضمن حقوقهم ويعطيهم حريّة ممارسة عقائدهم، والمثال الواضح لذلك هو عهد النبيّ (صلّى الله عليه وآهل) مع اليهود في المدينة.

وقد فصّلنا ذلك ضمن عناوين متعدّدة مثل (هل الإسلام ضد المواطنة) وعنوان (القداسة بين الجمود الفكريّ وعدم قبول الآخر المخالف) وغير ذلك من العناوين التي يمكن مراجعتها في موقعنا.

ثالثاً: البعد الفكريّ القائم على قمع الفكر والعقل والفنّ:

إذا نظرنا للقرآن وجدنا أنّ آياته تدور حول نقطة مركزيّة تشكّل محوراً لجميع آياته، وهي الأمر الدائم بالعقل، والتعقّل، والتدبّر، والتفكّر، في مئات من الآيات؛ وهو ممّا يكشف عن دور العقل وأهمّيته كمحور لا تكتمل المعرفة الدينيّة إلّا به، ومن هنا أفتى الفقهاء بحرمة التقليد في العقائد والمعارف الدينيّة، فكلّ مكلّف يجب أن يحقّق الفهم والوعي بعقائده، وذلك لا يمكن أن يتحقّق إلّا بالحجة والبرهان المؤيّد بالعقل.

أمّا الفنون في الإسلام فإنّ الإسلام لم يمنعها؛ بل شجّع عليها ضمن إطار أخلاقيّ يتّفق مع قيم الدين، والحضارة الإسلاميّة أبدعت في مجالات مثل العمارة، والخط العربيّ، والموسيقى، وأنتجت أعمالاً تعدُّ اليوم جزءاً مهمّاً من التراث الثقافيّ العالميّ.

فيمكن مراجعة الموقع للوقوف على إجابة أكثر تفصيلاً حول التعدّديّة الفكريّة في الإسلام بعنوان (رأي الإسلام في التعدّديّة الفكريّة) وغير ذلك من العناوين ذات الصلة.

رابعاً: البعد الحقوقيّ القائم على سلب الحريّات واضطهاد المرأة:

يَعُدُّ الإسلام الحفاظ على كرامة الإنسان من القيم الأساسيّة، يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء: 70). والشريعة الإسلاميّة تقدّم حقوقاً للأفراد تشمل حقوق المرأة في التعليم والعمل والميراث، وقد منح الإسلام المرأة حقوقاً كانت غير موجودة في العديد من الثقافات، ولم تتعرّف عليها البشريّة إلّا في عصور متأخرّة جدّاً.

فالمرأة في الإسلام لها حقوقها القانونيّة الخاصّة، بما في ذلك الحقّ في التملّك وإدارة ممتلكاتها الخاصّة، والمشاركة في الحياة العامّة، والعديد من النساء في التاريخ الإسلاميّ كنّ رائدات في مجالات مختلفة، ممّا يظهر أنّ الإسلام لم يقمع المرأة بل أعطاها المكانة التي تستحقّها.

وهناك مقال مفصّل عن فلسفة الحقوق في الإسلام سيتم نشره في الموقع قريباً

خامساً: معاداة الحياة وكرامة الإنسان:

يحترم الإسلام الحياة ويعدُّ الحفاظ عليها من أسمى الأهداف. يقول الله تعالى: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، كما يدعو الإسلام إلى إعمار الأرض والعمل من أجل الخير والبناء، وقد شهدت الحضارة الإسلاميّة فترات ازدهار وتقدّم علميّ وثقافيّ كبير، ممّا يعكس احتراماً كبيراً للحياة وللإنسانيّة، فالابتكارات في الطبّ، والرياضيّات، والفلسفة، والفنون التي قدّمها العلماء المسلمون هي دليل على هذا التقدير العميق للحياة البشريّة.

أمّا كرامة الإنسان فقد أكّد الإسلام عليها في نصّ واضح وصريح بقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) والكرامة بهذا المعنى ليست خاصّة بالمؤمن دون الكافر وإنّما هي للإنسان بما هو إنسان، يقول العلّامة الطباطبائيّ في تفسيره: "وبذلك يظهر أنّ المراد بالآية بيان حال لعامّة البشر مع الغض عمّا يختصّ به بعضهم من الكرامة الخاصّة الإِلهيّة والقرب والفضيلة الروحيّة المحضة فالكلام يعمُّ المشركين والكفّار والفسّاق وإلّا لم يتمّ معنى الامتنان والعتاب".

وبذلك يتّضح أنّ الكرامة لها معنى ذاتيّ يلحق بالإنسان بما هو إنسان، ومعنى عارض يلحق بالإنسان بما هو فاعل مختار، فالمؤمن مثلاً له كرامة لكونه إنسان وله كرامة لكونه مؤمن، والإيمان هنا هو فعل الإنسان وكسبه، في حين أنّ الكافر له كرامة لإنسانيّته وليست له كرامة لكفره.

ويمكن الرجوع أيضاً إلى عنوان الكرامة الإنسانيّة (ولقد كرّمنا بني آدم) على موقعنا، وغير ذلك من العنوانين ذات الصلة.